عبد الفتاح عبد المنعم

أمريكا تسيطر على العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى

الثلاثاء، 04 أبريل 2017 12:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يواصل الكاتب الاقتصادى، جيمس جرانت، فى كتابه The Forgotten Depression, 1921: Tha Crash That Cured Itsel، تقديم رؤيته الحقيقية للتقدم الاقتصادى الأمريكى، وإذا كنا قد طرحنا، أمس، الكساد الاقتصادى فى أوروبا فإنه يواصل طرح تأثر الاقتصاد الأمريكى. بالحروب العالمية، فيقول «جرانت»: مع انتعاش الاقتصاد اندفع العمال للمطالبة بزيادة الأجور للتعويض عن تضخم الأسعار الذى عانوا منه خلال الحرب. قلقت الهيئات المالية من إحياء التضخم وتسارعه، واتخذت قرارًا حاسمًا بالحدّ من القروض، فلم ينتهِ الكساد فخفّض المسؤولون الأمريكيون من الفوائد وسهّلوا القروض، وحينها تعافى الاقتصاد. 
 
كان الدولار الأمريكى فى عام 1913 يساوى ما يقل قليلًا عن 1/20 أوقية ذهب، ومع انتعاش الاقتصاد أخيرًا فى عام 1922 نجح الدولار فى الوصول لسعره السابق. توقفت كل أطراف الحرب العالمية الأولى عن قياس عملاتها مقابل الذهب فى بداية الحرب، فقد تقبلوا أن قيمة عملاتهم ستنخفض مقابل الذهب.
انخفضت قيمة عملات الأطراف المهزومة أكثر بكثير من قيمة عملات الأطراف المنتصرة، ومن بين الأطراف المنتصرة انخفضت قيمة عملة إيطاليا أكثر من قيمة عملة فرنسا، وقيمة عملة فرنسا أكثر من قيمة عملة بريطانيا، ومع ذلك فقد فقدَ حتى الجنيه الإسترلينى حوالى ربع قيمته مقابل الذهب.
 
 جعل كساد عام 1920 من الصعب على أمريكا اتخاذ هذا القرار، كما أن الحرب كانت قد رفعتها إلى مكانة جديدة، كأبرز الدائنين فى العالم، وأكبر مالك للذهب، وبالتالى الوصى المؤثر على مقياس الذهب الدولى. حينما تعرّضت الولايات المتحدة لركود اقتصادى ضخم، وضعت أمام كل الدول التى ترغب فى العودة لمقياس الذهب معضلة، إما العودة إلى مقياس الذهب بقيم عام 1913 والاضطرار لمماثلة الركود الأمريكى، بالإضافة إلى ركود داخلى أكبر وتقبل البطالة الآخذة فى الازدياد. 
 
يركز النصف الثانى من كتاب The Deluge على عواقب تلك الاختيارات؛ فكان حال الأوروبيين أسوأ وأقسى. عزمت أمريكا على استعادة قيمة الدولار لتصبح مثل الذهب، ففرضت صعوباتٍ فظيعة على أوروبا التى مزقتها الحرب، بالإضافة إلى التهديد بإغراق الأسواق الأمريكية ببضائع أوروبية مستوردة منخفضة التكلفة. كان الجيل الضائع يتمتع برحلات رخيصة إلى أوروبا بالدولارات الأمريكية القوية، وفى المقابل كان صناع الحديد وترسانات السفن الألمان يبيعون بأسعار أقل من منافسيهم الأمريكيين بالمارك الألمانى الضعيف.
 
 كان العالم مدينًا للولايات المتحدة بمليارات الدولارات، ولكنه كان سيجد طريقة أخرى للحصول على المال غير بيع البضائع للولايات المتحدة، كانت هذه الطريقة هى المزيد من الديون. كانت التعاملات المالية العالمية آنذاك تتلخص فى سلسلة من الديون؛ اقترضت ألمانيا من أمريكا، واستخدمت الإيرادات لدفع تعويضاتٍ لبلجيكا وفرنسا، وسدّت فرنسا وبلجيكا بدورهما ديون الحرب لبريطانيا وأمريكا، ثم استخدمت بريطانيا دفعات الديون الإيطالية والفرنسية لسداد الديون للولايات المتحدة؛ التى كانت تعيد هذه الدورة المجنونة بأكملها ثانيةً. كانت الولايات المتحدة هى الوحيدة القادرة على إصلاح هذا النظام المجنون، ولكنها لم تفعل.
 
 تسبب الكساد الكبير فى الإطاحة بالحكومات البرلمانية فى أنحاء أوروبا والأمريكتين، ولكن الديكتاتوريات التى حلّت محلّها لم تكن استبدادية رجعية وفقًا لتوز، وإنما كان هؤلاء الديكتاتوريون يطمحون للتحديث؛ وكان آدولف هتلر أكثرهم طموحًا.
 
لخّص وودرو ويلسون غرض هتلر من الحرب فى مقولة «الولايات المتحدة تمتلك الأرض، وألمانيا تريد الحصول عليها».
 
كانت أمريكا منذ البداية هدف هتلر النهائى. يقول توز فى كتابه: ‹«قلّل المؤرخون فى أثناء محاولاتهم لتفسير عدوان هتلر من وعيه الشديد بالتهديد الذى مثله ظهور الولايات المتحدة كالقوة العظمى المهيمنة عالميًا على ألمانيا وبقية القوى الأوروبية».
 
 كانت أصالة الاشتراكية القومية تكمن فى أنه بدلًا من تقبل ألمانيا لمكان ضمن النظام الاقتصادى العالمى المُتحكم فيه من قبل الدول الثرية المتحدثة بالإنجليزية، سعى هتلر لتوجيه إحباطات شعبه المكبوتة نحو تحدى هذا النظام. لم تكن حسابات هتلر منطقية بالطبع، فهو لم يقبل الخضوع للولايات المتحدة لأنه كان يعتقد، بسبب جنون الارتياب، بأن ذلك سيتسبب فى الخضوع للمؤامرة اليهودية العالمية وإبادة عرقه تمامًا فى النهاية. كان يحلم بغزو بولندا وأوكرانيا وروسيا كوسيلة للحصول على الموارد المماثلة لموارد الولايات المتحدة. كانت المسافة الواسعة الممتدة من برلين إلى موسكو ستصبح المعادل الألمانى للغرب الأمريكى، وكانت ستمتلئ بالمزارعين الألمان الذين يعيشون بأريحية على أرض الشعوب المقهورة والعمالة المحتلة، وهو ما كان سيمثّل محاكاةً كارثية للتجربة الأمريكية لتحدى السلطة الأمريكية. وغدًا إن شاء الله نواصل كيف ظهرت عداوة هتلر للأمريكان قبل سيطرته على أوروبا.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة