خالد صلاح

خطاب استقالة محافظ قنا

الأربعاء، 13 يناير 2010 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا الآن أشعر بالخزى يا سيادة الرئيس لأننى لم أقل الحقيقة كاملة، ولأننى دفنت رأسى فى الرمال عمداً، ولأننى قررت أن أحافظ على المنصب أولا، لا أن أحافظ على أرواح أبناء هذا البلد

سيدى الرئيس محمد حسنى مبارك
رئيس جمهورية مصر العربية
تحية طيبة وبعد
إننى إذ أتقدم لفخامتكم بخالص الشكر على الثقة الغالية التى منحتنى إياها بتعيينى محافظاً لواحدة من أهم محافظات الصعيد، وأفقر محافظات الجنوب، وهى محافظة قنا، أرجو من سيادتكم قبول استقالتى من منصبى هذا، للتقصير البالغ والإهمال الكبير الذى صدر من جانب المحافظة وأجهزتها فى حماية الأقباط ليلة عيد الميلاد، مما أدى إلى المذبحة الرهيبة التى أودت بحياة 6 من أبناء مصر أمام مطرانية نجع حمادى، وأحد أمناء الشرطة المخلصين، الذى لا يقل فقراً عن الأقباط الستة، ولا يقل عذابا عن عذاباتهم.

أتقدم لفخامتكم بالاستقالة، إذ إننى قصرت فى أداء واجبى الذى أوكلتموه فخامتكم لشخصى، بعد أن أخطأت فى تقدير الموقفين السياسى والأمنى فى المحافظة، فى أعقاب الأزمات المتعاقبة بين المسلمين والأقباط فى المحافظة، كما أهملت فى تقديم التوجيه المناسب للأجهزة التنفيذية والأمنية، وتجاهلت المناخ المحتقن فى المحافظة، وخاصة فى فرشوط وما حولها من مدن وقرى، وتركت الأمر كله بلا رعاية أو أمن، إلى الحد الذى أجهز فيه هؤلاء المجرمون على أبنائنا، بعد أن أقاموا قداس العيد، وخرجوا إلى شوارع مدينتهم واهمين بأنهم آمنون فى بلادهم، بلا رصاص يطارد صدورهم البريئة، أو مجرمين يحصدون أرواحهم بلا ذنب أو خطيئة.

لقد حاولت يا فخامة الرئيس منذ اللحظة الأولى، أن أكون ملكيا أكثر من الملك، ومسلما متشدداً أكثر من كل المسلمين المتشددين فى جميع محافظات الصعيد، من جنوب الجيزة وحتى جنوب السد العالى، كنت أتشدد بالحق وبالباطل مع المسيحيين فى قنا، وأعاند الأسقف العام كلما سنحت لى فرصة بذلك، حتى أؤكد للمتطرفين الذين يتربصون بأمن البلاد، أن اختيار مواطن مسيحى كمحافظ لأى من الأقاليم المصرية لن يؤثر شيئا فى سياسة الإفساد العمدى لحقوق المواطنة، فسيبقى المحافظ المسيحى فى الموقع كأخيه المحافظ المسلم تماماً، حريصاً على إخفاء المشكلات الدينية والسياسية والحقوقية، خاضعاً للتطرف والتشدد فى القرى والمدن، وموالسا مع الباطل، ومعارضاً للحقوق المدنية، ورافضا لبناء الكنائس أو ترميمها، ومداهنا لأئمة المساجد الذين لا يرضون بمصر إلا وهى جثة هامدة فى أحضان السلفية والظلام.

لقد فعلت كل ما فى وسعى لإخفاء الأزمات الواحدة تلو الأخرى، وجاهدت لكى أصل إلى تسكين المشكلات الساخنة، بالانحياز بلا تفكير ضد الجانب المسيحى فى المحافظة، فهدمت سور أحد الأديرة، وعاندت فى قرارات الترميم للكنائس، حتى يقول المتطرفون فى البلدة هذا هو المحافظ المسيحى الشجاع، يقف أمام الرهبان والقساوسة، كنت أظن أن التستر والإخفاء هو الحل، لكننى فقدت فى غمضة عين الجانبين معاً، فلا المتطرفون اقتنعوا بهذا النهج وأعلنوا السلام العام فى قنا، ولا المسيحيون ارتضوا بالصمت على الكثير من الحقوق التى أهدرتها عمداً سعياً للعدالة المزيفة. كنت أريد يا سيادة الرئيس أن يطمئن المسلمون لاختيار محافظ مسيحى، وكنت أظن أن الطريقة الوحيدة هى الإخفاء والتستر، وإهمال الاحتياطات الأمنية، وعدم الالتفات لكل الشكاوى التى تحركها الأسباب الدينية.

وكنت أظن يا فخامة الرئيس أننى بهذه الطريقة سأضرب كل العصافير بحجر واحد، فلا الكنيسة تستطيع التبرؤ منى باعتبارى مسيحياً عنيداً، يزعم العدالة والنزاهة فى المواقف الدينية، بانحيازه ضد أبناء عقيدته، ولا الدولة يمكنها أن تتخلى عنى، إذ إننى برهنت على اتباع النهج نفسه من التلون السياسى، ودفن الرأس فى الرمال، والتقليل من المشكلات الكبيرة حتى لا تصل إلى العاصمة، وتنقلب الدنيا رأسا على عقب.

كنت أظن أن هذا هو الحل، لكن النتيجة الأخيرة أننى أقف الآن يا سيدى الرئيس أمام سبع جثث غارقة فى الدماء، ستة مواطنين أقباط بعضهم شباب فى عمر الزهور، كانوا قد ادخروا ما تيسر لهم من المال لشراء قميص وبنطلون لقضاء ليلة العيد فرحين بالصلاة، راجين الرب أن يبارك شعب مصر، وجثة سابعة لأمين شرطة مسلم، كان قد أدى واجبه فى حماية المصريين من أبناء وطنه، فقتله المجرمون غيلة وغدرا، وترك ابنه يتيماً ضعيفاً، ولم يكن سدد بعد إيجار شقته الصغيرة فى أطراف البلدة.

أنا الآن أشعر بالخزى يا سيادة الرئيس لأننى لم أقل الحقيقة كاملة، ولأننى دفنت رأسى فى الرمال عمداً، ولأننى قررت أن أحافظ على المنصب أولا، لا أن أحافظ على أرواح أبناء هذا البلد، أشعر بالعار لأننى أهملت فى تقدير هذه النيران الساكنة تحت الرماد، ولم أكلف خاطرى بأن أطالب بتعزيز الحراسات على الكنائس استعداداً للعيد، لقد خشيت يا سيادة الرئيس أن يظن المسلمون فى مديرية الأمن أو فى مبنى المحافظة أننى أنحاز إلى مسيحيتى بهذه الإجراءات الاستثنائية، فقررت تجاهل الأمر كله، وقضيت العيد على طريقتى الخاصة، وتركت هؤلاء الفقراء المساكين نهبا للتطرف والغدر والرصاص بلا معنى، والآن أشعر بتأنيب الضمير يا سيدى الرئيس، أشعر أننى المسئول الأول عن هذه الأرواح الضائعة، وأشعر بوخز فى قلبى وفى وجدانى من كل هذه الفترة التى قضيتها فى التستر والإخفاء بلا معنى أو ثمن.
أنا مخطئ يا سيدى، وهذه الأرواح فى رقبتى وحدى، ولهذا أعاقب نفسى بتقديم استقالتى، راجيا منكم قبولها متفضلاً، وراجياً أيضاً اختيار محافظ يعرف كيف يحافظ على الحق بالقانون، وكيف يؤسس لمفهوم المواطنة، ولا يخشى من بطش أئمة المساجد المتشددين، أو مطاردة ألسنة الجهل والعنصرية والظلم، أرجوكم يا سيدى اختيار محافظ يعرف أن واجبه الأول أن تكون مصر بلداً للجميع، وأن يكون قادراً على أن يقهر أعداء المواطنة بيد من حديد.

مقدمه لفخامتكم
اللواء مجدى أيوب إسكندر
محافظ قنا
أنت تعرف أن هذا النص مكانه الخيال لا الحقيقة، فلا المحافظ يعرف آثامه السياسية والوطنية، ولا هو قادر على أن يعترف بما اقترفه فى قنا، ولا هو يجرؤ على تقديم الاستقالة، ولا يحتمل مواجهة بهذه المكاشفة، للأسف.
مصر من وراء القصد.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة