فى الذكرى الـ 50 لرحيل عميد الأدب العربى.. حفيد طه حسين فى حواره مع «اليوم السابع»: هدد باريس وانتصر فى تونس.. كان يقص الحكايات على الأطفال وحفيدته «أمينة» الأقرب لقلبه.. ويؤكد: لم يرفع صوته علينا أبدا

الجمعة، 27 أكتوبر 2023 05:51 م
فى الذكرى الـ 50 لرحيل عميد الأدب العربى.. حفيد طه حسين فى حواره مع «اليوم السابع»: هدد باريس وانتصر فى تونس.. كان يقص الحكايات على الأطفال وحفيدته «أمينة» الأقرب لقلبه.. ويؤكد: لم يرفع صوته علينا أبدا أحمد منصور وحسن الزيات حفيد طه حسين
حاوره أحمد منصور

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

أن تكون حفيدا ينتهى اسمه بعميد الأدب العربى؛ فأنت لا تمضى حاملا ذكريات الجدّ وكبير العائلة فقط؛ إنما تتشارك قيمة كُبرى يشعر آلاف آخرون بالانتساب إليها مثلك تماما، وقد يشتغلون على تلك الرابطة بأكثر ما يشتغل المنتسبون بالدم؛ فكأنها مُنافسة تُضاعف العبء، لكن لعلّ الثمرة المقدسة فيها، والتى لا تقع عليها منافسة كبيرة؛ الأسرار العائلية وحكايات الهوامش اليومية بين الأبناء، وفى ذلك لا أحد يُجارى الحفيد بالأصالة؛ حتى لو كنا جميعا أحفادا له بالوعى والانتماء المعرفى.

 

التقينا المهندس حسن الزيات، حفيد عميد الأدب العربى طه حسين من ابنته «أمينة»، الذى تحدث عن علاقته بجده هو وأخواته وأولاد خاله «مؤنس»، ابن العميد الأصغر، وكيف كان يراه من منظور الطفل، كما أمدّنا بباقة من الصور النادرة، التى ربما تُنشر لأول مرة.

أحمد منصور وحسن الزيات حفيد طه حسين
أحمد منصور وحسن الزيات حفيد طه حسين

 

فى البداية، صف لنا أسرة العميد؟

ابنته الكبيرة والدتى «أمينة» والأصغر «مؤنس»، وكان أبًا حنونا، ومن حكايات جدتى ومذكراتها نعرف كيف كانت علاقته بأبنائه، وكيف كان يتناقش مع أمينة فى الأدب، وأن عائلته كانت أول شىء فى حياته وأهم ما يملك.

وماذا يأتى بعد العائلة؟

اللغة العربية بالطبع، كانت الشىء الأهم بالنسبة له بعد العائلة، وكان حبه الكبير للعلم، وهو ما شعرنا به خلال حديثنا معه.

كيف كانت زيارتكم لمنزل الجد طه حسين؟

كنا نشعر بالسعادة الغامرة، فكانت الزيارة نزهة نلعب فيها ونجرى ونمرح، كما كنا مدللين للغاية لأنه كان «بيدلعنا دلع مش متعودين عليه»، ويضحك ويحكى الحواديت، وإذا كان هناك مناسبة مثل الأعياد يعطينا النقود «ريال فضة»، ولا يرتفع صوته علينا أو يقول «افعلوا ولا تفعلوا».

أحمد منصور والمهندس حسن الزيات حفيد عميد الأدب العربى
أحمد منصور والمهندس حسن الزيات حفيد عميد الأدب العربى

 

هل لك أن تذكر لنا بعض الأزمات الصعبة فى حياته؟

شقيقته رحلت ولم يعلم عنها أحد، وشقيقه الذى كان يحلم بأن يكون طبيبًا رحل بالكوليرا، ورغم صعوبة تلك الأزمات إلا أنه ظل مرتبطا بالعائلة.

وإلى أى مدى كان يمكن أن يذهب معكم فى المرح؟

كان يسرد لنا الحكايات، ولكل حفيد حكاية خاصة، فأنا مثلا خصّنى بقصة «الشاطر حسن» بسبب اسمى، وكان يرويها بطريقة مشوقة، ويرسل لنا من خلالها باقة من القيم الإيجابية، عن التعاون والأخلاق الحميدة والتعامل مع الآخر، وأن الإنسان قادر على صنع المعجزات بوعيه وأدبه ومعرفته.

هل تذكر موقفا مع جدك لا يمكن أن يغادر الذاكرة؟

عندما بلغت 15 عاما وكنت وقتها فى الثانوية العامة، وندرس «عبقرية العقاد»، وذات يوم ونحن نتناول الغداء قلت «أعمل شاطر وأقول له إنى بدرس عبقرية العقاد وإنه معقد ومش فاهمه» وكنت أظن وقتها أنه ما زال حيا، فرد جدى: «الله يرحمة مات».

أحمد منصور والمهندس حسن الزيات حفيد طه حسين
أحمد منصور والمهندس حسن الزيات حفيد طه حسين

 

كيف كنت ترى علاقته باللغة العربية؟

كانت أشبه بقصة الحب، عندما يتحدث عن اللغة العربية تشعر أنه فى أسعد لحظات حياته، وترى الابتسامة تملأ وجهه، وعندما يُخطئ شخص فى نطق آية أو كلمة يصححها له بصوت غليظ، فيظهر عليه شعور الغضب من الخطأ، وعن العامية كانت له وجهة نظر خاصة، فيقول إذا تحدث كل بلد وكتب بعاميته الخاصة فلن يكن هناك تواصل بيننا.

من الحفيد الأقرب إلى قلب الدكتور طه حسين؟

من الصعب أن أذكر من الأقرب، فنحن الثلاثة أولاد «أمينة» لم نشعر بفارق بيننا فى التعامل، ولكن أرى أن ابنة خالى مؤنس كانت الأقرب كونها الأصغر سنا وآخر الأحفاد، فكانت «الدلوعة» إلى حد ما، وربما السبب أنها كانت تعيش مع جدى بينما كنا نسافر طوال الوقت.

متى شعرت أنك حفيد رجل مهم؟

كان هذا الشعور يتسلل لى تدريجيا، فمرة أتعامل مع جدى لأننى أحبه ومرة أخرى لأن منزله جميل ومرة ثالثة لأنه يمنحنى النقود، لكن بدأت أشعر بأننى حفيد طه حسين الرجل صاحب القيمة الرفيعة داخل مصر وخارجها خلال جنازته، فرأيت حشدا كبيرا من كل المستويات، ووقتها عرفت قدر جدى فى المجتمع.

هل تمتّعت بمعاملة مميزة لأنك حفيد العميد؟

داخل المدرسة لم يكن هناك تمييز بين طالب وآخر، أو معاملة خاصة، ولكن كان يسألنى الزملاء: «أنت بجد حفيد طه حسين».

مَن الأقرب إلى شخصية وروح طه حسين من أحفاده؟

الوحيدة الأقرب له، أو بمعنى أدق تُحب الكتابة مثله، أمينة ابنة خالى مؤنس، فقد كتبت فى الفن الآسيوى والهندى، كما أنها بنت حفيدة أمير الشعراء أحمد شوقى، وتعمل أمينا لمتحف الفن الآسيوى فى باريس، وهى أكثر شخصية لديها ميول للأدب والفن.

هل سلك أحد من أحفاد العميد طريق الأكاديمية مثله؟

كان مؤنس أقرب إلى استكمال حياته فى كلية الآداب مثل والده، وبالفعل درس فى فرنسا وحصل على شهادة أعلى من الدكتوراه، وبدأ العمل فى الجامعة بمصر، لكن الأجواء لم تساعده حيث كان غير مرحب به على حد ما أعلم، فاختار العمل فى اليونسكو وظل بها حتى رحيله.

أحمد منصور وحفيد الدكتور طه حسين
أحمد منصور وحفيد الدكتور طه حسين

 

وما أهم القيم التى تلمّستها من شخصية العميد؟

التنوّع والثراء والعطاء المتعدد، عندما تتحدث مع أى شخص عن طه حسين الآن يذكر لك أنه طبّق مجانية التعليم أو أنه صاحب فيلم «دعاء الكروان»، ولكن عندما اقتربت منه وجدت أشياء أكبر كثيرا، فاكتشفت أنه أربعة أشخاص فى شخص واحد: كاتب وروائى ومؤلف فى التاريخ وفى الدين، وكذلك أستاذ جامعة وعميد كلية ومؤسس جامعتى الإسكندرية وعين شمس وعمل وزيرا للتعليم، كانت حياته كلها فى التعليم، وكان إصراره على أنه بدون تعليم لا أمل فى الاستقلال والحرية والنهضة، وإلى جانب ذلك كان صحفيا فقد أسس العديد من الصحف وكتب فى عشرات غيرها، ولم يمنعه كل ذلك من أن يجد وقتا للسفر وتمثيل مصر فى محافل عدّة بإسبانيا وإنجلترا واليونان ولبنان وفرنسا وغيرها.

هل هناك أمور لم يُسجلها فى كتابه «الأيام»؟

كانت له مواقف مع فرنسا عندما كان وزيرا للمعارف، وأنشأ مراكز ثقافية فى إسبانيا وإنجلترا وبيروت، وكان يريد أن ينشئ مراكز فى المغرب والجزائر وتونس، وهى كانت تخضع للاحتلال الفرنسي، فكان من اللازم موافقة الحكومة الفرنسية، ولم توافق فى بداية الأمر، لكن قال لهم لديكم مراكز ثقافية ومدارس وبعثة آثار تعمل فى مصر، وكل هذا أستطيع أن أعطله بصفتى وزيرا للمعارف، ما جعلهم يتراجعون وطلبوا منه إعداد قائمة بالموظفين المصريين الذين سيعملون هناك، وبالفعل أعد القائمة ولكنهم لم يردوا لفترة طويلة،  فعاد وأبلغهم بسحب بعثة الآثار الخاصة بهم وتسليم الحفريات للأثريين المصريين، فوافقت الحكومة الفرنسية على فتح المركز الثقافى فى تونس، كما أن هناك موقفا آخر أصابه بالإحباط فى عام 1956 مع العدوان الثلاثى، فقال لفرنسا: «تتحدثون عن الاستقلال والحرية وحقوق الإنسان وتشتركون مع الإنجليز والإسرائيليين  فى الهجوم على مصر»، وبناء عليه ردّ لهم قلادة منحتها له الحكومة الفرنسية.

تحول منزل العائلة إلى متحف.. هل تزوره؟

زرته فى وقت قريب وسأذهب مرات أخرى، ولكن ما يحزننى هو أن طه حسين عاش طفولته فى ريف الصعيد، وأول صفحة من «الأيام» تتحدث عن الهواء والشجر والترعة والطيور، وهو ما افتقده عندما جاء لمصر وأقام فى حى الزمالك، ومع ازدحامه فكّر فى أن يعيش فى مكان قريب لجو الريف داخل منزل تحيطه الأشجار، فاشترى «رامتان» لكن عندما تحول إلى متحف تم بيع نصف الأرض، والنصف الآخر وُضع به «البلاط» واختفت الأشجار والزهور.

ماذا عن مكتبة الدكتور طه حسين؟

وزارة الثقافة تسلمت البيت بالمكتبة بحسب اتفاق خالى مؤنس معهم آنذاك، والكتب تم تجليدها ووضعها داخل دولاب بنوافذ زجاجية.

هل فكرت أن تكون كاتبا على أثر الجد؟

لا.. أنا قارئ أو مستهلك جيد، أقرأ كتابا كل ثلاثة أيام، وإنتاجى الوحيد فى التصوير الفوتوغرافى، وشاركت فى العديد من المعارض داخل مصر.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة