حازم الشريف يكتب: معركة الوعي والاستعمار الفكرى

الخميس، 25 أغسطس 2022 03:53 م
حازم الشريف يكتب: معركة الوعي والاستعمار الفكرى حازم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لعدة قرون مضت كانت الشعوب والبلدان تعانى من تسلط بعض القوى العالمية وبطشها واحتلالها لهذه البلدان، بالأسلوب التقليدى القديم، وما تجسّد فى مفهوم الاستعمار من استلاب وتحكم وهيمنة هذه القوى النفوذية على هذه الشعوب المسالمة، وكان ذلك بالطبع يتطلب قوات عسكرية متأهبة، ومعدات وأسلحة بتكلفة عالية، وتخطيط استراتيجى عسكرى محكم، بل وربما خسائر بشرية فادحة، وكان الأمر محفوفا بمخاطر وصعوبات عديدة. ناهيك عن رفض فكرة الاستعمار والاحتلال لدى هذه الشعوب والصمود والنضال، لنيل الاستقلال والحرية والكرامة وتجسيد الإرادة والوعي الشعبى فى أبهى صوره.

 

ولكن في العقود الأخيرة اختلف الاستهداف والمقصد ليتحول من إحتلال الأرض إلى احتلال العقل أو ليقتصر بالفعل على احتلال الإرادة والعقل، وانتقلت المعارك من الميادين وساحات القتال إلى العقول وغزو الفكر واغتياله لأنه الطريق الأفضل والأسهل للسيطرة على الدول والهيمنة عليها، فاستبدل الاحتلال المباشر باختراق الوعى الشعبى العام من خلال اختراق صفوفه بما تم تسميته «الطابور الخامس» الذي يصطف فى صفوفه خونة الأوطان فهؤلاء يؤدون عمالة مباشرة وغير مباشرة بتضليل الرأي العام الشعبى واختراقه ليبدو كأن الآراء المطروحة على الساحة هى آراء شعبية، ولكن هى فى حقيقة الأمر نابعة من عناصر تقوم بشكل ممنهج ومنظم بإعادة برمجة الوعي الشعبى العام وتؤجج مشاعره، لبث ما يُراد من أفكار تضليلية، هدفها اللعب بهذا الوعى السليم وهدم القيم والثوابت الوطنية، واستبدال كل القيم الدينية والأخلاقية التى تمثل الفطرة الإنسانية بتوجهاتهم الشيطانية الخبيثة التى تعمل على التوغل والتغلغل في الوعى الإنسانى وهى فى طريقها إلى نجاح مخططها وفرض حالة من الاستعمار الفكرى الكامل.

 

فقد عانت بعض الدول ومنها مصر وطننا الحبيب من الاحتلالات والاستعمارات القديمة، ولا تزال تعانى كمقصد إستراتيجى مهم، ولكن هذه المرة ليس فقط من تفتيت الجغرافيا، وإنما أيضاً تفتيت الوعى والعقل والدين، من خلال صناعة الفوضى الفكرية التي أنتجت التطرف والتعصب وفكرة المليشيات المسلحة، والانقضاض على السلطة، واغتصاب زمام كل الأمور وصنعت الأذرع والأتباع والموالين والإرهاب الفكرى والدينى المتطرف. كما صنعت أدوات التوغل فى الوعى بتشويه التاريخ وهدم ثوابت الوطنية وثوابت الأمن القومى وفكرة المواطنة بشكل عام.

 

ومع اختلاف المقصد المراد اختلفت معه الأساليب والتقنيات التى تناسب تحقيقه، فأصبحت ما بين مراكز أبحاث ودراسات تعمل ليل نهار على اختراق الفكر العام، وما بين مجندين لبث السموم الفكرية والسياسية على وسائل التواصل الإلكترونى، وما بين إعلام يبث من الخارج كل ما يقوله أو يشير إليه، هو تزييف الحقائق، وعكس صورة الواقع، وبين ما يطلقون على أنفسهم مفكرين وناشطين سياسين تابعين للنهج الإقصائى المتطرف، يقومون بدورهم بالاختراق الفكرى والتاريخى لنصل فى نهاية الأمر إلى تابعين بسطاء سُذّج نقوم بتصديق كل مايملى على مسامعنا من نشر أكاذيب وأفكارٍ سامة يُخترق بها ثوابت الوطن وأمنه وإستقلاله.

 

هناك تحديات كبيرة تمر بها دول المنطقة نتيجة اختلاف بعض المتغيرات على الساحة العالمية واختلاف الخريطة الاقتصادية للعالم أجمع، على الجانب الآخر توجد خفافيش ظلام ومحرضين فتنة متأهبين لفرصة الانقضاض على مقدرات الشعوب وحقوق أبنائها، ولا ييأسون من المحاولات بشتى الطرق وأقذر الدوافع، للنيل من هذه الأوطان الآمنة المستقرة والعبث بمستقبلها.

 

فاحتلال العقل وتغييب الوعى أخطر بكثير من احتلال الأرض فهو يمثل الخطر الأكبر على الشعوب والمجتمعات، ولا يخفى علينا اليوم هناك أوطان يتم هدمها وتفكيكها على أيدى أبنائها سواء بقصد وهم ما يطلق عليهم خونة الأوطان أو بدون بسبب عدم إدراك ما يحاك بهم من مؤامرات وإستخدامهم لهدم أوطانهم فى شكل من أشكال الإختراق الفكرى أو إحتلال وتجنيد العقول (فوضى الوعي) لتمرير جميع أشكال الأجندات والمشاريع التي تعمل على الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب.

 

فلا مجال هنا لتعطيل العقول وتمرير مايملى عليها.. وهنا تصبح الحاجة ملحة إلى مزيد من الوعي والإدراك حول الآلية التي يتبناها "رواد الفوضى"، عبر أداة التغييب الفكرى، بهدف تحويل المجتمعات نحو الفوضى، وإن كانت هذه الأساليب تبدو جديدة ومختلفة نوعاً ما عن الاستراتيجية القديمة التى قامت على المواجهات المباشرة، ومعرفة أطراف المواجهة، فيقظة الوعي هنا لابد وأن تكون حاضرة بكل قوة وإرادة حتى لايأتى علينا يوم لا نلوم فيه إلا أنفسنا.

 

حفظ الله الوطن ودام حراً مستقلاً..










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة