دار ابن لقمان بالدقهلية.. حكاية قصر سُجن فيه لويس التاسع ملك فرنسا

الأربعاء، 20 يوليو 2022 04:30 ص
دار ابن لقمان بالدقهلية.. حكاية قصر سُجن فيه لويس التاسع ملك فرنسا
الدقهلية – مرام محمد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

"قل للفرنسيس إذا جئتهم مقال صدق من قؤول فصيح.. فساقك الحين إلى أدهم ضاق به عن ناظريك الفسيح.. وكل أصحابك أودعتهم بحسن تدبيرك بطن الضريح.. خمسون ألفا لا يرى منهم إلا قتيل أو أسير جريح.. فقل هلم إن أضمروا عودة لأخذ ثأر أو لقصد صحيح.. دار ابن لقمان على حالها والقيد باق والطواشي صبيح".. بهذه الأبيات التي كتبها ابن مطروح، تجد التاريخ يطل عليك من كل ركن وزاوية بدار ابن لقمان ليحكي لك عن يوم ملحمة النصر وأمجاد شعب عظيم جسد الوطنية في أسمى معانيها؛ معلنا بالكفاح والتضحية "هنا سجن لويس التاسع ملك فرنسا".

في زاوية من شارع بورسعيد وسط مدينة المنصورة، يقع متحف المنصورة القومي أو "دار ابن لقمان"، عنوان عزة جزيرة ورد محافظة الدقهلية، كتاب من عبق التاريخ سجلت سطوره بطولات وإنجازات شعب كافح وناضل وضحى بدمائه لفداء الوطن وتحرير أراضيه، تاريخ حافل بالذكريات التاريخية من حياة الفدائية الشعبية، توجت بانتصار الشعب المصرى فى معركة العزة ورد الكرامة ونهاية الحروب الصليبية، لتصبح المنصورة بما تحقق فيها من انتصار حاسم مقبرة لمقاومة الصليبيين في الحملة الصليبية السابعة ونهاية أسطورة لويس.

اكتسب دار ابن لقمان شهرته الواسعة لما يؤرخه من تاريخ الحملات الصليبية وبسالة المصريين في التصدي لها، كونه يعد شاهد عيان على نهاية آخر الحملات الصليبية التي غزت مصر والشرق العربي في العصور الوسطى وهي الحملة الصليبية السابعة التي قادها لويس التاسع، وما أبرزته مقتنياته الأثرية من دور الشعب المصري في تحطيم الصليبيين، حيث أسر الملك لويس التاسع ملك فرنسا به لمدة شهر بعد هزيمته المريرة على يد قوات المماليك في معركة فارسكور بالقرب من المنصورة في 8 فبراير سنة  1250م، بعدما لاحقته قوات الجيش المصري بقيادة المملوك بيبرس البنقدارى، وطوقته فى قرية ميت الخولي عبد الله شمال مدينة المنصورة وأسره المصريون هناك واقتادوه ذليلا إلى المنصورة، وهو ذات التاريخ الذي اختارته محافظة الدقهلية يوما لعيدها القومي.

يعود تاريخ الدار إلى تأسيس مدينة المنصورة سنة 616هـ-1219م عندما أمر الملك الكامل بإحضار السفن محملة بالبلاط والحجر لتأسيسه مدينة المنصورة، حيث كانت المدينة عبارة عن جزيرة صغيرة يطلق عليها جزيرة الورد، حيث بدأ العمران بها وأصبحت مُلتقى للتجارة بين الأقاليم، وكان ينسب الدار وقتها لقاضي المدينة في ذلك الوقت وهو القاضي فخر الدين إبراهيم بن لقمان كاتب ديوان الإنشاء في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب، حتى تحول اسمه لمتحف المنصورة القومي عام 1997، وذلك بعد تطويره من قبل وزارة الآثار والمركز القومي للفنون التشكيلية، تخليدا لذكرى انتصارات جيش مصر وأبناء محافظة الدقهلية.

 
 

الوصف المعمارى للدار ومقتنياته..


 

بني الدار على الطراز العربي، مسقوف بسقف من البراطيم والألواح الخشبية تتدلى منه بعض المصابيح الزجاجية المنقوشة بعبارات إسلامية، يتكون من باب كبير يصل طوله إلى ما يزيد عن مترين، منقوش أعلاه أبيات تحكي عن تاريخ الدار، ومنقسم إلى باب آخر يحويه لا يتجاوز طوله الأربعين سنتيمتر ويقال أن الباب الصغير أنشئ خصيصا في قلب هذا الباب لكي يدخل الملك لويس محني الظهر إلى غرفة الأسر.

يتكون الدار من طابقين، الطابق الأول أصبح جزءا منه بعد تطوير الدار متحفا مصغرا افتتحته وزارة الثقافة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1960، والذي يؤرخ تاريخ الحملات الصليبية بما يحتويه من لوحات فنية زيتية تاريخية وقطعا أثرية نادرة، حيث يوجد به لوحة ضخمة تمثل مسارا لمعركة المنصورة أمام الصليبين، يشرح خط سير الحملة الصليبية داخل مصر عبر نهر النيل "فرع رشيد"، حتى وصولها إلى مدينة المنصورة واشتباكها مع الأهالي، ولوحة أخرى تظهر في تفاصيلها مشاهد من المعركة التي انتهت بفوز المقاومة الشعبية على جنود الحملة وطردهم من المدينة، وشجاعة المصريين في مواجهتهم لجنود الحملة الصليبية بأدوات حديدية زراعية بسيطة، ولوحة ثالثة تظهر انسحاب جنود الحملة الفرنسية بعد أسر عدد كبير من أفرادها داخل المنصورة وهزيمتهم، ولوحة تصور لحظة أسر لويس التاسع في قرية ميت الخولي عبد الله وتوثق طريقه إلى الدار، ولوحة فنية أخرى توثق نهاية الحكاية بتصويرها للحظة الإفراج عن لويس التاسع بعدما جاءت زوجته من فرنسا ودفعت فدية كبيرة للإفراج عنه.

وتضم القاعة المتحفية بالدار بعض الخرائط المجسمة التي تصور هجوم الصليبيين وهزيمتهم، ونص خطاب لويس التاسع للملك نجم الدين، والذي هدد فيه المصريين بالحرب بعبارات الوعيد، وخطاب آخر تضمن رد المصريين عليه بعبارات الاستعداد والثأر، كما تضم تمثالا نصفيا للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتمثال الفارس المصري، إلى جانب تماثيل أخرى صنعها عدد من الفنانين للملك لويس التاسع وتوران شاه والملكة شجرة الدر وتمثالا يرمز لمدينة المنصورة، وكذلك مجموعة من الأسلحة المستخدمه في تلك المعركة من أسهم ودروع وخناجر خاصة بالأهالي، وسيوف مصرية وفرنسية، وزي عسكري واقي وخوذة مصرية مصنوعة من النحاس المؤكسد.

أما الطابق الثاني فيتكون من غرفة واحدة فقط، وهي الغرفة التي أسر بها لويس التاسع، حيث تم تجسيد الكيفية التي أسر بها ملك فرنسا آنذاك، بما يحتويها من تمثال بالحجم الطبيعي للملك لويس جالسا على كرسي من الخشب الزان مصمم على الطراز الإسلامي والأغلال في يده وخلفه الطواشي صبيح وهو حارس كان يقوم بحراسته وتلبية احتياجاته داخل الأسر، إلى جانب وجود المقعد الذي جلس عليه الملك الفرنسي وقت أسره.

 
 

الأهمية التاريخية لدار ابن لقمان..


 

ارتبطت الدار بصفحه من صفحات التاريخ الإسلامي حتى نقش فوق بابها أبيات تحكي تاريخ عظيم ما بين انتصار المصريين وهزيمة لويس التاسع ملك فرنسا، فبعد إعلانه قيادة غزوة صليبية هائلة "الحملة السابعة" عام 1249م فى عهد السلطان الأيوبى الصالح نجم الدين أيوب، وأن هدفه هو الاستيلاء على مصر التي كانت تمثل العقبة الكبرى أمام استرداده لبيت المقدس من أيدي المسلمين وذلك بعد هزيمتهم فى معركة لافوربى، جهز الصليبيون حملتهم خلال ثلاث سنوات بأسطول ضخم يتكون من نحو 1800 سفينة محملة بنحو 80 ألف مقاتل بعتادهم وسلاحهم وخيولهم، وأثناء توقف الحملة فى قبرص قبل وصول سفنها إلى المياه المصرية، علمت مصر بتحركهم نحوها فأنهى السلطان الصالح أيوب حصاره لحمص وعاد إلى مصر في أبريل 1249م وكان يعاني من شدة مرضه، وأصدر أوامره بالاستعداد وشحن دمياط بالأسلحة والأقوات والأجناد، وأمر نائبه بالقاهرة الأمير حسام الدين بن أبى على بتجهيز الأسطول، وأرسل الأمير فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ على رأس جيش كبير ليعسكر فى البر الغربى لدمياط حتى يواجه الفرنج إذا قدموا.

عندما وصلت سفن الصليبيين إلى دمياط، أرسل الملك لويس رسالة إلى السلطان الصالح أيوب يطالبه فيها بالاستسلام فرد عليه السلطان الصالح برسالة يحذره فيها من مهاجمته لمصر، وفى فجر السبت 5 يونيو 1249 نزل جنود وفرسان الحملة على بر دمياط و كانت القوات الصليبية تضم نحو 50,000 مقاتل وفارس، ونشب قتال شديد بين المسلمين والصليبيين انتهى بتراجع المسلمين، وتمكن الصليبيون من احتلال دمياط والسيطرة عليها في عام 1249، واستولوا عليها بكل ما كان فيها من سلاح ومؤونة، وحصنوا أسوارها، وحول الصليبيون جامع المدينة إلى كاتدرائية ونصبوا عليها أسقفا، وصارت دمياط مدينة صليبية وعاصمة لمملكة ما وراء البحار "أوتريميه".

وبعد سيطرة الملك لويس على دمياط، ووفاة الصالح أيوب، أخفت شجرة الدر زوجة السلطان خبر وفاته حتى مجيء ابنه توران شاه من الشام وأدارت مصر في مرحلة صعبة أعطت خلالها قيادة الجيش لفارس الدين أقطاي وبيبرس، إلا أن الخبر تسرب للويس التاسع حينها، فأعد العدة للسيطرة على المنصورة، ووافقت شجرة الدر على خطة بيبرس على استدراج الصليبيين داخل مدينة المنصورة بفتح باب من أبوابها، ففي 8 فبراير 1250، أمر بيبرس بفتح باب من أبواب المنصورة، وبالتعاون مع الجنود والأهالي، تم وضع خطة محكمة يلتزم الجميع فيها بالسكون التام والاختفاء، حتى يظن أفراد الحملة أن المدينة قد خوت من الجنود والسكان، حتى خدعوا وابتلعوا الطعم ووقعوا في الفخ بعد أن ظنوا بأن المدينة خالية، فخرج عليهم الأهالي ومنهم العربان والفلاحين فجأة وباغتوهم، حيث أخذوا يرمون الجنود الصليبيين بالرماح والحجارة، بالاشتراك مع المماليك البحرية والجمدارية، وأخذوهم بالسيوف من كل جانب في معركة قوية وحاسمة بقيادة الظاهر بيبرس، فتراجع الصليبيون إلى معسكرهم، وقُتل "المونت دارتوا"، شقيق الملك لويس التاسع.

حاول لويس الهرب مع قواته شمالا وأثناء محاولة الصليبيين الانسحاب ليلا إلى دمياط تمكن الجيش منهم واستطاعوا هزيمتهم في فارسكور بمساعدة الشعب المصري ومنهم أبناء دمياط الذين انتقلوا إلى المنصورة بعد احتلال الصليبيين لدمياط لأجل الجهاد ضد الغزاة ومحاربتهم بما يمتلكونه من أسلحة دفاع بسيطة وأدوات قتالية متواضعة، وتمكنوا من أسر لويس التاسع ملك فرنسا في بيت القاضى فخر الدين ابن لقمان قاضى القضاه "دار ابن لقمان"، حيث قيد بالأغلال هو وقائدان من قادة جيشه ولم يفرج عنه إلا بعد تخلي الفرنسيين عن دمياط ودفع 10 ملايين فرنك فدية لإطلاق سراحهم، وإطلاق سراح الأسرى المسلمين الذين فى حوزته، وأسرى المسلمين فى الشام، والتعهد بعدم العودة لمصر مرة أخرى، حتى غادر في 7 مايو 1250، لتظل الدار بما تحمله من أحداث تاريخية عظيمة شاهدة على الدور البطولي للفلاحين المصريين في مواجهة الغزو الصليبي دفاعا عن أرضهم ووطنهم.
 

أبيات-ابن-مطروح-عن-المعركة-والانتصار
أبيات-ابن-مطروح-عن-المعركة-والانتصار

 

المقتنيات-الأثرية-لمتحف-دار-ابن-لقمان
المقتنيات-الأثرية-لمتحف-دار-ابن-لقمان

 

تمثال-بالحجم-الطبيعي-للملك-لويس-التاسع-وخلفه-تمثالا-للطواشي-صبيح-القائم-بحراسة-الملك-داخل-الأسر
تمثال-بالحجم-الطبيعي-للملك-لويس-التاسع-وخلفه-تمثالا-للطواشي-صبيح-القائم-بحراسة-الملك-داخل-الأسر

 

تمثال-لويس-التاسع-أسيرا
تمثال-لويس-التاسع-أسيرا

 

تمثال-نصفي-لشجرة-الدر-من-الجبس-للفنان-عبد-القادر-رزق
تمثال-نصفي-لشجرة-الدر-من-الجبس-للفنان-عبد-القادر-رزق

 

تمثال-نصفي-للرئيس-الراحل-جمال-عبد-الناصر
تمثال-نصفي-للرئيس-الراحل-جمال-عبد-الناصر

 

تمثال-يرمز-لمدينة-المنصورة
تمثال-يرمز-لمدينة-المنصورة

 

تمثثال-نصفي-لتوران-شاه-من-الجبس-الملون-للفنان-محمد-مصطفى
تمثثال-نصفي-لتوران-شاه-من-الجبس-الملون-للفنان-محمد-مصطفى

 

خريطة-مجسمة-تصور-هجوم-الصليببيين-على-منطقة-الدقهلية-في-الفترة-من-4-يونيو-1249-إلى-8-فبراير-1250
خريطة-مجسمة-تصور-هجوم-الصليببيين-على-منطقة-الدقهلية-في-الفترة-من-4-يونيو-1249-إلى-8-فبراير-1250

 

خطاب-لويس-التاسع-للملك-نجم-الدين-وخطاب-رد-المصريين-عليه
خطاب-لويس-التاسع-للملك-نجم-الدين-وخطاب-رد-المصريين-عليه

 

دار-ابن-لقمان-بمدينة-المنصورة
دار-ابن-لقمان-بمدينة-المنصورة

 

زرد-على-شكل-قميص-أثري-استخدمه-الجنود-أثناء-المعركة
زرد-على-شكل-قميص-أثري-استخدمه-الجنود-أثناء-المعركة

 

لوحات-فنية-زيتية-تجسد-مسار-معركة-فارسكور-والقضاء-على-الصليبيين
لوحات-فنية-زيتية-تجسد-مسار-معركة-فارسكور-والقضاء-على-الصليبيين

 

لوحة-فنية-زيتية-تصور-أسر-الملك-لويس-التاسع-في-دار-ابن-لقمان
لوحة-فنية-زيتية-تصور-أسر-الملك-لويس-التاسع-في-دار-ابن-لقمان

 

لوحة-فنية-زيتية-تصور-لحظة-دفع-الملك-لويس-التاسع-للفدية-وفك-أسره
لوحة-فنية-زيتية-تصور-لحظة-دفع-الملك-لويس-التاسع-للفدية-وفك-أسره

 

لوحة-فنية-زيتية-للملك-لويس-التاسع-أثناء-أسره-بدار-ابن-لقمان
لوحة-فنية-زيتية-للملك-لويس-التاسع-أثناء-أسره-بدار-ابن-لقمان

 

متحف-المنصورة-القومي-يحكي-عن-معركة-فارسكور-وهزيمة-الصليبيين-في-المنصورة
متحف-المنصورة-القومي-يحكي-عن-معركة-فارسكور-وهزيمة-الصليبيين-في-المنصورة

 

متحف-دار-ابن-لقمان
متحف-دار-ابن-لقمان

 

مجموعة-من-الخناجر-والسيوف-المصرية-المستخدمة-في-الحرب
مجموعة-من-الخناجر-والسيوف-المصرية-المستخدمة-في-الحرب

 

مدخل-القاعة-المتحفية-بالدار-وأمامه-تمثالا-يرمز-للوحدة-العربية
مدخل-القاعة-المتحفية-بالدار-وأمامه-تمثالا-يرمز-للوحدة-العربية

 

مدخل-منزل-دار-ابن-لقمان-وموقع-الأسر
مدخل-منزل-دار-ابن-لقمان-وموقع-الأسر

 

مسار-الحملة-الصليبية-السابعة-في-مصر-وأسر-الملك-لويس
مسار-الحملة-الصليبية-السابعة-في-مصر-وأسر-الملك-لويس

 

معركة-البحر-الصغير
معركة-البحر-الصغير

 

معركة-النصر
معركة-النصر

 

معركة-فارسكور
معركة-فارسكور

 

مقتنيات-دار-ابن-لقمان-بالمنصورة
مقتنيات-دار-ابن-لقمان-بالمنصورة

 

مكان-أسر-الملك-لويس-التاسع-بدار-ابن-لقمان
مكان-أسر-الملك-لويس-التاسع-بدار-ابن-لقمان

 

موقع-أسر-لويس-التاسع-ملك-فرنسا
موقع-أسر-لويس-التاسع-ملك-فرنسا

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة