هل سمعت عن عفاريت المحمل.. وما علاقتهم بـ الحج؟

الأربعاء، 24 فبراير 2021 04:00 م
هل سمعت عن عفاريت المحمل.. وما علاقتهم بـ الحج؟ محمل الحج
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عفاريت المحمل قصة مهمة فى التراث المصرى، لا نعرف عنها الكثير وقد وردوا فى بعض الكتب ومن ذلك ما قاله كتاب "تراث مصرى" لـ أيمن عثمان.

 يقول الكتاب:

"ولد عفريت" اختزال اتفقت عليه الأمهات ضمنيًا لوصف طفل ذكى كثير الحركة، وأحيانًا مزعج بشكل مقبول أو مؤذٍ بحسن نية.

هذا الاختزال، وهذا الموروث الشعبى النفسى بحالاته انتقل وصفًا لأرباب المساخر، والمساخر لفظ عامى استخدم فى العصر الأيوبى بمعنى الكوميديا، وهم سادة الكوميديا والتهريج، رأتهن الأمهات أقرب إلى أطفالهن فى اللعب وكثرة الحركة والإزعاج اللطيف والجراءة درجة المخاطرة، وفى الدهشة التى يرسمونها على الوجوه بأفعالهم الطفولية والصبيانية، فأطلقن عليهم كما يطلقن على أبنائهن "عفاريت".
 
واقترن ظهورهم فى الشارع المصرى بيوم دوران محمل كسوة الكعبة، فاختفى من أذهان العامة اللقب الأيوبى للطائفة أرباب المساخر، وأطلق عليهم لقب مصرى خالص "عفاريت المحمل".
 
تبدأ منذ طواف المنادى معلنًا عن اليوم الذى حدده الوالى لدوران موكب محمل كسوة الكعبة، والذى غالبًا ما يكون يومًا من العشر الأواخر فى شوال، فور الإعلان عن اليوم المحدد يستعد المصريون للاحتفال بيوم الدوران بتأجير المنازل والمحلات القريبة من خط سير الموكب، وبتزيين جدران المنازل والشوارع، وبالاحتشاد من كل مكان فى خط سير الرحلة منذ ليلة الموكب لوداع الكسوة، ولمسها تبركًا بها، ولمشاهدة ألعاب العفاريت نجوم الاحتفالية.
 
والمحمل كما وصفه كلوت بك "صندوق من الخشب توضع فيه نسختان من القرآن، ويتبعه عفش أمير الحج، وصندوق يحتوى على صرة من المال مرسل من قبل السلطان إلى الحرم النبوى، وكسوة الكعبة الشريفة المشغولة فى القاهرة من الحرير الأسود".. صرة المال المرسلة من السلطان للحرم النبوى كانت مقررة على مصر كجزية بديلة عن تلك التى أعفتها الدولة العثمانية على مكة.
 
أما طريق دوران المحمل كما أشار إليه الجبرتى هو الطريق الرابط ما بين ميدان الرميلة –القلعة- ومسجد الحسين، حيث يجتمع الحجاج مسلمو أفريقيا وتركيا وألبانيا ومصر لبدء رحلة الحج إلى الحجاز.
 
مدة الرحلة هى الاحتفال الحقيقى للمصريين، وفيه يتبركون بلمس الكسوة، ويستمتعون بمشاهدة الألعاب المضحكة البسيطة فى هيئتها.
 
بساطة المصريين فى هذا اليوم يقابلها دائمًا استعراض ثروة وجاه وفخفخة من المماليك.. قال الجبرتى عن 22 أغسطس 1786 "كان خروج المحمل فى صحبة أمير الحج محمد بك.. ازدحمت الناس للفرجة عليه، وكان لابسًا على هيئة العجم، وعلى رأسه تاج من ذهب مزرد، مخروط الشكل، وعليه عصابة لطيفة من حرير مرصعة بالجواهر، ولها ذوائب على آذانه وحواجبه، وعليه عباءة لطخ قصب أصفر".
 
المنازل والمحال التجارية تزينها الأعلام والرايات، وفى الشرفات يطل الناس فى فرحة وبهجة، والأهالى على جانبى الطريق جالسون على الأرض يتسامرون، ومن بينهم يمر باعة المشروبات والسقاؤون.. الأطفال يمرحون ويلعبون، والنساء يزغردن بشكل متقطع، والرجال يصفقون.. ما إن ينكشف طرف موكب المحمل حتى يقف الجميع استعدادًا للحظة انتظروها أيامًا.. فى هذه اللحظة بدأت مراسم الاحتفال..
الموكب يقترب، ويتصدره أبطال حكايتنا.
أيها السادة نحن الآن فى حضرة عفاريت المحمل.
فى حضرة الجعيدية وتشخيصهم المضحك الذى كان يقدم خلال العام فى مقاهى باب اللوق وبولاق والأزبكية، وفى حفلات الزفاف والختان..
فى حضرة البلياتشو بملابسه وألوانه المعروفة، وتفاعلاته المباشرة مع الجمهور..
فى حضرة البهلوان الذى يسير على أرجل خشبية قد ترتفع إلى ثلاثة أمتار تقريبًا، ويسدل عليها معطف طويل يغطى هذه الأرجل الخشبية، ويخفى وجهه بالألوان..
فى حضرة هذا التنوع الفنى الذى ندر أن يتجمع معًا.. الجنابظة الذين يقومون بقفزات خطيرة على الأرض، ومحترفو المصارعة، ومدربو القردة والدببة والجمال والحمير، والأراجوز المصري، والغجر الذين يرقصون على الحبال المشدودة، والحباظية لاعبو خيال الظل الذين يحركون تماثيل بخيوط وراء ستار بيضاء، ويصاحب حركة التماثيل حكايات من التراث، والحواة الذين يوهمون المتفرجين أنهم يغرزون فى جسم أحدهم نصلًا أو رمحًا من الحديد، والمبارزون من فوق الخيول، والمنشدون، والمغنيون، والحكاؤون للسير الشعبية.
كل هؤلاء أتوا للاحتفال مع الأهالي، وإمتاعهم بألعابهم، وكلما زادت المتعة والإبداع.. زاد نثر الجمهور عليهم العملات المعدنية تحية لهم وإعجابًا وحبًا، والناثرون على يقين أن الأموال المنثورة سترد إلى أصحابها أضعافًا مضاعفة ببركة المحمل والكسوة الشريفة.
 
كانوا مجتهدين فى ألعابهم، ومجددين لها، ومبتكرين لكل ما هو طريف وعجيب وخطير.. ذكر المؤرخ الدكتور محمد كامل حسين أن احدهم أراد أن يجدد فى ألعابه، وأن يأتى بشيء أبعد ما يكون عن الفن التقليدى الذى عرفوا به، فربط طرف حبل فى مآذن جامع السلطان حسن، وربط الطرف الآخر فى أعلى طباق القلعة، وانتظر مرور المحمل بالقرب من القلعة، ومشى على الحبل على يديه ورجليه بين إعجاب الناس وتهليلهم حتى إذا اقترب من الميدان الذى بين القلعة والمسجد أخذ ينزل على حبل دقيق آخر كان قد ربطه فى الحبل الأول، وأخذ يقوم بعرض الحركات المضحكة وهو فى طريقه إلى الأرض، والناس مبهورون به وبمهارته، وصار هذا البهلوان حديث الناس لمدة طويلة.
 
وعن أشهر البهلوانات فى منتصف القرن الخامس عشر "يزبك الجركسي" أكد ابن حجر العسقلانى أنه كان يمشى على حبل ممدود بين جامع السلطان حسن وقمة قصر الإشرافية فى القلعة، وكان أثناء مشيه يرمى بالسهام من قوس صغير، فضمه السلطان إلى المماليك، وأنعم عليه برتبة "راكب حصان"
تعالى يزبك الجركسى بلعبته على المصريين وتحداهم، فنافسه صبى ابن بلد، وأضاف على ما فعله يزبك أنه كان ينام على الحبل المشدود بين نفس المئذنتين، وكان ينزل بحبل إلى الأرض ورأسه لأسفل ثم يعود إلى أعلى بنفس الوضعية، وإذا كان «يزبك» تعلم ما تعلمه من أصول البهلوانية على يد أسرة أوروبية، فالفتى المصرى علم نفسه بنفسه، واعتمد على إرادته الخاصة كما ذكر المقريزى فى كتابه «السلوك»، لكنه للأسف لم يذكر اسمه. 
 
كانت الهبات التى يتحصل عليها "عفاريت المحمل" من العامة سبب طمع بعض المماليك، فاتخذوا عام 1460م فى عصر السلطان "الأشرف إينال العلائى" زى عفاريت المحمل المضحكة، وقلدوهم يوم الدوران فى حركاتهم وألعابهم وتمثيلهم، ولعبوا على ظهور الخيول ألعابًا مزعجة جعلت العامة ينفرون منهم، ويمتنعون عن نثر الهبات عليهم، وأطلقوا عليهم لقب "أوباش المماليك السلطانية" سخرية منهم وتقليلًا من شأنهم، ورفضوا أن يصفوهم بـ "عفاريت المحمل"..
حقد أوباش المماليك على الشعب، وانتهزوا فرصة زحام الناس فى هذا اليوم، واقتحموا بيوت الأهالي، وخطفوا النساء، وهتكوا الأعراض، وسلبوا الأموال، وضربوا الأطفال، فطفح كيل الناس من فسادهم، وتمنوا أن يمر هذا اليوم ليستريحوا من أفعال عفاريت المحمل المماليك، وبعد أن كان الشعب ينتظر هذا العيد أصبح يخشاه.. ثار الأهالى على المماليك، وبادلوهم عنفًا بعنف، فاضطر السلطان إلى النزول بنفسه لتهدئه الناس، وإخماد ثورتهم، وعاقب المماليك الذين آذوا الشعب.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة