القارئة دينا أبو حلوة تكتب: ذكرى الرحيل الأبدى

الإثنين، 17 أغسطس 2020 04:00 م
 القارئة دينا أبو حلوة تكتب: ذكرى الرحيل الأبدى الفراق - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

لم تشعر بنفسها إلا بعد ان أنهكها التعب حيثُ توقفت فجأة وانسحبت من تلك الدائرة الملتفة حولها أثناء رقصها في ذاك الحفل الصاخب الذي دُعيت إليه مؤخراً من قِبل إحدى رفاقها.. نعم لقد ألقت بنفسها منتشيةً في أحضان الرقص وكأنه تلك اليد التى ستلقفها من براثن الاكتئاب.. ذهبت إلى الشرفة واستندت على ذاك العمود المزخرف ثم أشعلت لفافة من التبغ بعد أن كانت قد امتنعت عن التدخين لفترة طويلة.. لم تعد تطيق إدمان الأشياء أو بالأحرى أن يستعبدها شىء.

أخذت تنفث دخان سيجارتها في تعالٍ.. فاليوم هو الذكرى السنوية الأولى على رحيله عنها.. ذكرى الفراق هكذا أسمتها، فالجميع يحتفلون بذكرى الحب، أو ذكرى الزواج أو تلك الذكريات التى تجمع حبيبين ببعضهم البعض بينما هي قررت أن تُحيي ذكرى الفراق داخلها.. لازال صدى صوته يرن في أذنيها وكأنه كان معها فقط بالأمس ولم يمر عام كامل على انفصالهما، ثم استوقفتها ذاكرتها إلى كلماته الأخيرة التى قالها لها (لقد خانني قلبي وتعلّق بأخرى لا تشبهكِ في الصفات ولكن بأية حال فقد انجذبتُ إليها.. لا أعلم كيف حدث ذلك! ولكنه بالأخير قد حدث، ترددتُ كثيراً في أن أصارحك بهذا الأمر..) ثم توقف عن حديثه ما أن طلبتُ النادل حينها قطع الجاتوه المفضل لدىّ ، شعر وكأن كل ما قاله لم يعنِ لي شىء البته، والحقيقة أنه في مثل هذا الموقف تثور الكثير من الفتيات، وربما يصل الأمر مع بعضهن إلى مزيد من السباب أو ترك الطاولة وإنهاء الحوار، وأما عن هؤلاء  القويات اللاتي يظهِّرن الثبات والتعالي أكثر في مثل تلك المواقف لإثبات بأن الأمر لم يُنقص شيئاً من أنوثتهن، ولكن مع صلابتهن تلك  فما أن يحين الليل بقساوته تنزف أعينهن دمعاً ..

وأما عني فقد كانت تلك الكلمات بمثابة دعابة أو نكتة ساخرة أفسحت الطريق لضحكات رنانة حتى أن جميع منْ بالكافيه قد انتبهوا لي، وحتى أنه هو نفسه قد اعترته الصدمة وبدا ذلك جلياً على ملامحه.. لم يكن يتخيل بأن ردة فعلي ستكون على هذا النحو.. كان يعلم أنه لو طلب عيناً مني لأعطيته الاثنتين دون أن أسأل لماذا ! .. وأخيراً ابتسمت له وكأنها ابتسامة الخيبة من جديد !.

حقيقة الأمر أنني الأخرى عندما انتهى ذاك المشهد الغريب بيننا بالفراق الأبدي دون أن أُعلّق على شىء مما قاله استعجبتُ من نفسي حتى أني شعرتُ بأن كلامه لم يكن جدياً على الإطلاق.. لم أبكِ حينها، فقط تناولت قطعة الجاتوه التى بدت شهية على أمعاء فارغة إلا من الخيبات.. لم أنس حينها أنه قد رمقني باستفزاز وكأنه يريد أن يشعر بثمة غيرة عليه أو أن يعلو صوتي بصرخات لكونه سيتركني للأبد .. لا أعلم حقاً لما تملكني التبلد أمامه إلى ذاك الحد، وحينها فقط وجدته قد ترك فاتورة الحساب على الطاولة وتركني ورحل. كل شىء انتهى في صمتٍ بالغ .

لم تكن خيبتي الأولى ولن تكون الأخيرة.. هكذا تعلمت.. نعم أحببته حد الجنون ولكنه رجمنى بكلماته حد الموت.. لا أعلم كيف مرّ الأسبوع الاول على هجره التام لي !.. في كل دقيقة كنتُ أنظر إلى هاتفي كالمجنونة لعله أرسل لي رسالة ولو سهواً أو حتى فارغة.. المهم شعوري بأنه لازال يتذكرني.. صرتُ أتتبع حسابه الشخصي على الفيس بوك.. فيتسرب الأمل إلى قلبي من جديد بأني لازالت في قائمة أصدقائه.. حاولت أن أُحادثه ذات مرة وكأني أطمئن عليه ولكنه لم يجب علىّ، حتى جاء اليوم الذي أعلن صراحة على حسابه الشخصي بارتباطه الرسمي بفتاته التى يحبها.. لا أعلم أى انتقام هذا الذي فعله بي !! بل أى جُرم قد ارتكبته ! حينها فقط شعرتُ بأن الغيرة بمثابة نيران قد اشتعلت بروحي..

كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل.. لا أعلم كيف تسربت الجرأة إلىّ إلى هذا الحد!.. حيثُ ارتديتُ ما وجدتُ أمامي في خزانة ملابسي وهرولتُ مسرعة إلى حيث سيارتي.. حتى أن عامل الجراج قد أُصيب بذعر ما أن رآني بتلك الساعة.. فلم أعيره انتباها.. انطلقتُ بسيارتي على أقصى سرعة دون علمٍ بوجهة محددة أقصدها.. حينها فقط انهمرت دموعي كسيلٍ جارف.. وما أن وصلت إلى أعلى مكان بالمقطم حيث الجو بدا باراً والمكان خاوياً من كل شىء.. حينها ترجّلتُ من السيارة وبدأ صوت نحيبي يعلو ويعلو حتى تحول إلى صرخات متتالية.. كيف يُعقل أن ندفع أنفسنا إلى حافة الهلاك باسم الحب ! وأى أذى هذا الذي نرتكبه بحق الروح ! ربما في لحظات ضعفي تلك كنتُ سأكون فريسة سهلة للشيطان كى أدفع بنفسي من تلك القمة العالية.. مسحت دموعي وتراجعتُ قليلاً إلى الخلف.. كانت الساعة قد شارفت على الثالثة فجراً، مرّ الاسبوع الثاني ولازال أنين روحي لا يهدأ لا سيما بعد كل مرة أرى بها حسابه الشخصي فأرى ثمة صور جديدة قد وضعها هو وحبيبته تلك .. فأشعر بالانتكاسة من جديد .. مضى شهرُ على هذا الحال .. شعرتُ بأني لن أتعافى مطلقاً منه طالما لازالتُ اراقبه فى اليوم ما يقرب من المئة مرة .. قررتُ أن أُفعّل " البلوك " ليس فقط من صفحات الفيس ومحتوياته ورسائله لدىّ ولكن " بلوك من قلبي أولاً " مرت ستة أشهر وأنا أحاول أن أتعافى من حبه .. حاولت أن أنشغل بأشياءٍ أخرى .. تعلمتُ فنون الديكور والموسيقى والرسم .. سبحتُ في عالمٍ آخر لم أكن أعرفه .. أصبحت أدرس كل ما له علاقة بالأرقام والحسابات حتى لا أعطي فرصة لعقلي للتفكير فيه .. نعم عانيتُ كثيراً لا سيما وأنا فتاة لا يستهويها الأرقام منذ أن كانت صغيرة ..لم أحاول ان أٌلقى بنفسي في شِباك رجل آخر لا سيما وأن الفرص كانت سانحة لي بكل الطرق ولكن لن أفعل بنفسي هذا مطلقاً .. اتسعت دائرة معارفي وأصدقائي ، حتى أنني استثمرت كل ما تعلمت خلال الأشهر السابقة في بداية مشروع صغير ، وصِرنا لا نتوانى عن المقابلات وربما اقامة الحفلات الصغيرة .. حتى أنني قابلته منذ شهر واحد فقط مع حبيبته يتعانقان.. حينها وددتُ لو أن أذهب إليه وأبادله السلام، ولكن تذكرتُ أنه بالاخير شرقي مريضُ بداء الكبر.. وربما سيفهم سلامي هذا ضعف واستجداء محبته من جديد .. فتراجعتُ عن تلك الخطوة واكتفيت بأن مررتُ عليه وكأني لم أره ..

صار صوت الموسيقى يعلو ويعلو بينما أنا قد أطلقتُ تنهيدة عميقة مع آخر نفس بتلك السيجارة التى أدخنها وأنا أشعر بثمة نضج قد اعتراني قبل الأوان حتى أنني لم أعد ألتفت لأشياء كبيرة في الحياة دوماً ما سعيتُ إليها دون أن كللِ أو ملل إلا أنها لم تتجرأ على التقدم نحوي ولو بخطوة واحدة .

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة