محمد ثروت

الراعي والقطيع في خطاب الفاشية الدينية

الإثنين، 17 أغسطس 2020 07:35 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم تكن عبارات "نحمل الخير للجميع"، و"نحمل الخير لكل الناس" التي رفعها تيار الإسلام السياسي سوى صورة من صور تغييب إرادة الجماهير، لصالح إرادة الجماعة وترسيخ لغياب قيم العقلانية والنقاش الحر، لتحل محلها العلاقة النفعية "نفعني ونفعك" أي كن معي أحمل لك الخير، كما رسخت لتلك الشعارات لبلاغة القطيع أي استخدام أساليب بلاغية تعتمد على الصور الحسية وحركة الغرائز في مخاطبة الجموع، بهذا تكون البلاغة أداة للهياج الجماعي مع تعالي الأصوات والحشد الجسدي ومن تنامي العنف اللفظي إلى تحوله للعنف المادي ومن العبارات الروحية إلى عبارات التكتل والمزاحمة. 
 
يركز كتاب "الحدث والخطاب دراسة في فلسفة الثقافة" للمفكر الدكتور سامي عبد العال أستاذ الفلسفة، على أثر ثقافة القطيع الذين يتحركون بصفارة الراعي وعصاه في مرحلة صعود تيارات الإسلام السياسي بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ وحتى صيف عام ٢٠١٣.
 
يستمد الكتاب عنوانه من الحدث أو وقائع ما بعد ثورة 25 يناير التي أسهمت أحداثها وتفاعلاتها في صعود الإسلاميين، والخطاب من خطب، أي العلاقة التفاعلية بين الكلام والوقائع، والفلسفة التطبيقية التي خرج بها الفيلسوف ودارس الفلسفة من برجه العاجي إلى الناس والحياة بكل أحداثها وتفاعلاتها.
 
فكرة الراعي والقطيع وردت في سياق حديث النص القرآني عن فرعون "فاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" (الزخرف54)، أي حمل القوم على الخفة، بمعنى إسقاط الوزن النوعي للمجتمع، وجعله خفيفيا لا قيمة له في الحياة، فلا يوجد كيان حقيقي للشعب.    
 
يقدم الكتاب/ الدراسة تحليلا لخطب محمد مرسي وجماعته فترة ترشحه وأُثناء عام من حكم الجماعة، فيقول المؤلف:" لم يكد مرسي يعتلي كرسي السلطة حتى ظن أنه بديل عن إرادة الشعب، حرص كل الحرص على إلباس القوانين والمؤسسات زي جماعته الدينية، وحرص على إقامة ديوان المظالم تيمنا بنظام إداري إسلامي في عصور الأمويين والعباسيين، والغريب أنه نظام مأخوذ أساسا هم الفرس والرومان.
 
كما حاول خلق مؤسسات موازية للدولة وإنشاء شبكة تحتية من العلاقات الدولية الإقليمية المحلية لمحاصرة الدولة نفسها". 
 
استخف بمعنى أزال قومه من التـأثير في مجريات الأحداث أيا كانت، فقد استعداء تعبير "أهلي وعشيرتي" من التراث العربي، ليدل على الاستعراض والقدرة على الحشد والتجمهر بطريقة واحدة وبلهجة واحدة، وبترديد واحد للعبارات، وبسمات واحدة وبخطوات ذهنية واحدة.
 
إن فكرة أهلي وعشيرتي التي تسير في منظومة الراعي والقطيع، عكس فكرة المواطنة التي تجاوزت أبعادها المحلية إلى مواطن عالمي له حقوق وعليه واجبات لا تقتصر على حدود دولته فحسب.
 
استخف قادة الحركات الإسلامية بالمجتمع، ومنحوهم شعارات وهمية مثل "إسلامية إسلامية " وهي في حقيقة الأمر تعني نفي الاتجاهات الفكرية حيث لا شرقية ولا غربية، وسلب الأفكار المغايرة لا علمانية ولا ليبرالية. واستحضار غلبة السلطة لردع المخالفين بالقرارات والقوانين.   
 
تجاوزت فكرة الراعي والقطيع المجتمع المحلي لتصل بالاستخفاف بعقول البشر من خلال الحديث عن “أستاذية العالم"، فقد جعلت الجماعة من نفسها مركز العالم، لتصبح شعوب العالم تلامذة في مدرسة الجماعة والتنظيم، هكذا دون مبررات ودون مقدمات ودون عمل ودون تحليل للنتائج سوى التربية اللاهوتية لفئة مغلقة، والانغلاق يؤدي إلى الذبول والموت، لا إلى الانطلاق. 
 
 نحتاج مثل هذه الدراسة وغيرها من الدراسات والكتب التي تحلل وتنقد وتقيم خطاب الفاشية الدينية والاستبداد باسم الدين، ومحاولة تغييب إرادة الجماهير والاستخفاف بعقولهم، بالخطب التي تمزج الديني بالسياسي والعكس، وتعمل على إقصاء وتكفير الآخر، ولكن الشخصية المصرية بتكوينها الحياتي وخبراتها الطويلة لا ترضى بديلا عن تيقظ الوعي "المصري لا يضحك عليه أحد".









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة