أ.د. مجدى الحسينى عليوه

الجامعات المصرية واقتصاد المعرفة

الإثنين، 06 يوليو 2020 05:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى ظل اهتمام القيادة السياسية للبلاد بتعظيم الاستفادة من التطور التكنولوجي السريع والداعم الأكبر للاقتصادات العالمية الآن، تسعى مصر لتعزيز تنمية البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والإتصالات والخدمات الرقمية في الجهات الحكومية والجامعات وإعتبارها واحدة من الأولويات الرئيسية للدولة، وذلك لتحسين أداؤها وتطوير العملية التعليمية والخدمات المقدمة للجمهور ورفع كفاءتها من خلال تحسين بيئة العمل، فضلا عن توفير الدعم لعملية صناعة القرار وإيجاد حلول للقضايا التي تهم المجتمع.

أن مصر حالياً لديها ميزة تنافسية هامة جداً حيث يمثل الشباب 60% من الشعب، والعالم أجمع أصبح يهتم بالاستثمار في رأس المال البشري، لذلك لا يوجد أفضل من الاستثمار في الشباب المصري وقدرتهم على استخدام التكنولوجيا والتي أصبحت الرؤية المستقبلية لكل الاقتصادات.

ويعتبر التعليم أهم مصادر تعزيز التنافس الدولي، خاصة في مجتمع المعلومات باعتبار أن التعليم هو مفتاح المرور لدخول عصر المعرفة وتطوير المجتمعات من خلال تنمية حقيقية لرأس المال البشري الذي هو محور العملية التعليمية بما يعني أن مجتمع واقتصاد المعرفة مرتبط بمفهوم مجتمع التعليم الذي يتيح كل الفرص الممكنة للفرد ليتعلم كي يعرف ويعمل ويحقق ذاته ويعيش مع الأخرين. حيث نصت استراتيجية مصر 2030 في المحور السابع والخاص بالتعليم والتدريب علي (بحلول عام 2030 من المستهدف إتاحة التعليم والتدريب للجميع بجودة عالية دون تمييز، وفي إطار نظام مؤسسي كفء وعادل ومستدام ومرن، وأن يكون مرتكزا علي المتعلم والمتدرب القادر علي التفكير والمتمكن فنيا وتقنيا وتكنولوجيا، وأن يساهم أيضا في بناء الشخصية المتكاملة وإطلاق إمكاناتها إلي أقصي مدى لمواطن معتز بذاته، ومستنير ومبدع ومسئول وقابل للتعددية يحترم الاختلاف وفخور بتاريخ بلده، وشغوف ببناء مستقبلها وقادر علي التعامل تنافسيا مع الكيانات الإقليمية والعالمية).

إن التنمية العلمية والاقتصادية والاجتماعية المستدامة بالجامعات المصرية ضرورة حتمية لكي تستطيع منافسة الجامعات العالمية والحاق بركب التقدم الحضاري ومواكبة عصر الرقمنة والتي لن تتحقق إلا باستخدام أدوات (الثورة الصناعية الرابعة)، التي تحتاج إلى التفكير الابتكاري والتميز والتطوير والاختراع وريادة الأعمال وكل ذلك من أهم محاور بناء الانسان المصرى الحديث وتحسين مخرجات قطاع التعليم العالي لتضييق الفجوة بين مواصفات الخريج واحتياجات سوق العمل الذي أصبح يهتم بالتقنية والعلوم المتقدمة.

فالتوظيف المتزايد لتقنيات الإعلام والاتصال والمعلومات في مجمل الأنشطة أصبح سمة تميّز عالمنا اليوم، ومن هذا المنطلق أصبحت البشرية على عتبة عصر جديد تلعب فيه إجراءات حقن الاختراعات في الاقتصاد والإبداع في المجالات التكنولوجية، دوراً رئيسياً في زيادة سرعة إنتشار المعرفة وضخها للجميع ومن ثم النمو الاقتصادى، وفي هذا السياق بزغت مفاهيم الاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية التي تشكل المعرفة جوهرها والقوة المحركة الرئيسية فيها، حيث تعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار والرقمنة. وعلى العكس من الاقتصاد المبني على الإنتاج والذى يكون رأس المال فيه هو المورد الاستراتيجي وحيث تلعب المعرفة دورا أقل، ويكون النمو مدفوعا بعوامل الإنتاج التقليدية، بينما تعتبر الموارد البشرية المؤهلة ذات المهارات العالية أو رأس المال البشري هي أكثر الأصول قيمة في الاقتصاد الجديد المبني على المعرفة، حيث تشكل المعلومات فيه المورد الأساسي بل إنها المورد الاستراتيجي الجديد في الحياة الاقتصادية المكمل للموارد الطبيعية. وفي الاقتصاد المبني على المعرفة ترتفع المساهمة النسبية للصناعات المبنية على المعرفة أو تمكينها، وتتمثل في الغالب في الصناعات ذات التكنولوجيا المتوسطة والرفيعة، حيث يقرن اقتصاد المعرفة بالمنتجات الذكية.

ويعمل إقتصاد المعرفة من خلال اقتصاد عالمي مفتوح بفضل التطورات التقنية الهائلة علي التكامل الاقتصادي العالمي تتجدد فيه الحاجة على منتجاته المعرفية بشكل متصاعد إلي درجة تجزم باستحالة قيام نشاط ما بدون المعرفة. بجانب الاعتماد علي قوى عاملة ماهرة ذات إنتاجية عالية ومستوى تعليمي رفيع يمتلكون مهارات التقاط المعلومات وتحويلها إلى معرفة قابلة للاستخدام إضافة إلي التكيف والتعلم السريع، وإتقان التعامل مع تقنية المعلومات وتطبيقاتها في مجال العمل، والقدرة على إدارة العمل سواء ببيئات عمل تقليدية أو افتراضية، والارتباط الوثيق بمصادر المعرفة العالمية، حيث  تشكل تقنية المعلومات والاتصالات الأداة الرئيسة لفعالياته.

ويدعم هذا الاقتصاد  الدور المتنامي للابتكار والبحث العلمي والتعليم المستمر الذى يشكل أساس زيادة الإنتاجية والتنافسية الاقتصادية وتوفير المعرفة كسلعة عامة، ورأس المال المعرفي هو العنصر الأساسي المحدد للتنافسية حيث  تعتمد قدرة أي دولة على الاستفادة من اقتصاد المعرفة وتوليد الدخل على مدى سرعتها في التعلم واكتساب مهارات معرفية جديدة والتواصل مع المجتمع المعرفي العالمي. فالتقدم الحاصل في التكنولوجيا، والتغير السريع الذي تحدثه في الاقتصاد، يؤثران ليس في درجة النمو وسرعته فحسب, بل أيضاً في نوعية حياة الإنسان.

ومن المعروف أن النمو في الاقتصاد المعرفي هو نمو شبه رأسي للأعلى أي ليس خطيا كما هو الحال في الاقتصاد التقليدي حيث يبلغ حجم صناعة المعلومات في العالم الآن حوالي ثلاثة تريليونات دولار، تمثل نصف الناتج القومي للدول الصناعية. ويعتبر اقتصاد المعرفة أكثر قدرة على التغلب على المشاكل التي تسببها ندرة الموارد وأكثر فاعلية وتماشيا مع الواقع العالمي الجديد، حيث يتميز اقتصاد المعرفة بأنه يوفر حلولا للمشاكل التى تعاني منها اقتصادات معظم الدول اليوم وعلي رأسها مشكلة "الندرة"، ويتجه التحول الجوهري في أولويات الاستثمار نحو التركيز على العلوم والمعارف والبحث والتطوير لخلق منتجات جديدة، حيث يعتبر رأس المال البشري أحد أهم ميزات اقتصاد المعرفة في مواجهة التنافسية، ويدعم استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة في قطاع الصناعات وقطاعات الخدمات، إضافة إلي دعم البرامج التعليمية وبرامج التدريب المكثف.

ومع التطور الهائل لأنظمة المعلوماتية أصبحت القدرة على الإنتاج والتقدم تعتمد على القدرة على الإبداع والابتكار، وتحويل المعلومات إلى معرفة، ثم تحويل هذه المعرفة إلى منتج متميز، وأصبح للمعرفة دور كبير في توليد الثروة وزيادتها وتراكمها من خلال الإسهام في تحسين الأداء ورفع الإنتاجية وتخفيض كلفة الإنتاج مما أدى إلى ظهور اقتصاد المعرفة، الذي يتطور بسرعة ووتترسخ مبادئه وتتوسع في مواجهة الاقتصاد التقليدي.

ولأن الموارد يمكن أن تنضب من جراء الاستخدام والاستهلاك بينما تزداد المعرفة بالتعلم والممارسة والاستخدام، وكذلك فإنها تنتشر بالمشاركة وتبادل الخبرات. إن الاستثمار في المعرفة وتنمية القدرات يتميز بزيادة المردود بدلا من تناقصه، وهو ما جعل الاهتمام يتجه نحو مصادر جديدة للمنافسة لا ترتبط بكثافة رأس المال فحسب، بل بامتلاك المعارف والمعلومات والتكنولوجيات ومهارات التحكم بالتقنيات الحديثة، والاحتكام إلى أساليب متطورة ترتكز على الإبداع والابتكار والتجديد والمبادرة.

وفي هذا السياق، توضح التقارير العالمية الحديثة أن لكل زيادة في استثمارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بنسبة 20%، تقابلها زيادة في إجمالي الناتج المحلي بنسبة تصل إلى 1%، مما يؤكد قدرة قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في تمكين التحول الاقتصادي ليحقق قفزة تنموية في مصر تشمل جميع القطاعات. وتقدر الأمم المتحدة أن اقتصادات المعرفة تستأثر الآن 7٪ من الناتج المحلي الاجمالي العالمي وتنمو بمعدل 10٪ سنويا. ومن المعروف أن 50٪ من نمو الإنتاجية في الاتحاد الأوروبي هو نتيجة مباشرة لاستخدام وإنتاج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

وبما أن التعليم يعد شيئا أساسيا للإنتاجية والتنافسية الاقتصادية، فإنه يتعين على الجامعات أن توفر اليد العاملة الماهرة والمبدعة أو رأس المال البشري القادر على دمج التكنولوجيات الحديثة في العمل. وتنامى الحاجة إلى دمج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالاضافة إلي المهارات الابداعية في المناهج التعليمية وبرامج التعلم مدى الحياة، ودعم البنية التحتية الداعمة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتيسير توصيل المعلومات والمعارف والخبرات وفقا للاحتياجات المحلية.

لذلك لابد من أن تبدأ الجامعات في دعم مبادرات جديدة تعمق دور الإبداع والابتكار والتميز وتبادل الخبرات في شتى المجالات، بما يحفز الطلاب لبذل قصارى جهدهم في تطوير مهاراتهم وقدراتهم ويشجعهم على الاتجاه إلى ريادة الأعمال، وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، لتعزيز قيم الولاء والانتماء الوطني والتفاني في العمل وتحفيز الإبداع بين الطلاب وأعضاء هيئات التدريس على النحو الذي يُمكنهم من الإسهام الإيجابي الفعَّال في بناء مصر الحاضر والمستقبل. وأن تعمل الجامعات علي تطوير البنية التحتية اللازمة للتدريب علي تكنولوجيا المعلومات وطرح البرامج التعليمية الحديثة المطلوبة لسوق العمل وتوفير معامل افتراضية لتدريب الطلاب علي أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا الحديثة إلي جانب توفير فرص للطلاب للمنافسة بالمسابقات العالمية للابتكار والابداع في شتي المجالات وتوفير وسائل لعرض منتجاتهم وإبدعاتهم للشركات المهتمة وبما يسهم في تسويقها وتشجيع ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، من أجل الإسهام الفعَّال في تحقيق التنمية المستدامة وفقًا لرؤية مصر «2030».

 

 

 










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة