بيشوى رمزى

استنساخ شيراك.. ماكرون "بطل من ورق" فى القدس

الجمعة، 24 يناير 2020 08:19 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

موقف بدا فى ظاهره صارما للرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون أمام كنيسة "سانت آن" فى القدس المحتلة، خلال جولته الروحية التى جاءت على هامش الزيارة التى قام بها للمدينة المقدسة، عندما صرخ موبخا ضابطا إسرائيليا أراد الدخول معه، بينما حمل فى طياته استعراضا أراد تقديم به رسائل، بعضها للخارج، أهمها التذكير بملكية باريس لتلك الكنيسة التاريخية، التى يرفرف فوقها العلم الفرنسى، ولكن تبقى أغلبها للداخل فى ظل تأزم موقفه فى المرحلة الراهنة، مع تصاعد الاضطرابات، والتى تتراوح بين الاحتجاجات تارة، والإضرابات تارة أخرى، فى الوقت الذى يصعد فيه نجم اليمين المتطرف، والمتمثل فى غريمته السياسية مارين لوبان.

الانتهاك البروتوكولى للضابط الإسرائيلى، والذى ربما توقعه ماكرون قبل حدوثه، كان فرصة له لاستدعاء روح الرئيس الفرنسى الأسبق جاك شيراك، والذى اتخذ موقفا مماثلا فى نفس المكان فى التسعينيات من القرن الماضى، وهو الأمر الذى حظى بقبول كبير فى الداخل الفرنسى آنذاك، مع الوضع فى الاعتبار حقيقة مفادها أن ثمة اختلاف بين الكاريزما الشخصية لشيراك، وشعبيته الكبيرة إبان وجوده فى السلطة، من جانب، وموقف ماكرون الراهن، وهو الأمر الذى يعد بمثابة أحد النقاط الفارقة، التى لا تصب بالطبع فى صالح الأخير.

ولكن بالرغم من إدراك لهذه الحقيقة، إلا أنه ربما أراد مغازلة التيارات اليمينية، وعلى رأسها حزب الجبهة الوطنية، بزعامة لوبان، والتى أصبحت تشكل تهديدا صارخا له، فى ظل دعمهم الكبير للتظاهرات التى سبق وأن قادتها حركة السترات الصفراء، منذ أواخر 2018، بينما امتدت مؤخرا فى صورة إضرابات عمالية أصابت المدن الفرنسية بالشلل احتجاجا على الإجراءات الإصلاحية التى اتخذتها الحكومة، تزامنا مع ارتفاع سقف المطالب، التى وصلت إلى حد المطالبة بإقالة الرئيس، وحل البرلمان، وهو الأمر الذى يعد سابقة فى تاريخ، ليس فرنسا وحدها، ولكن أيضا كافة دول المعسكر الغربى لعقود طويلة من الزمن.

ماكرون ربما أدرك أن الحاجة أصبحت ملحة لإيجاد أرضية مشتركة مع بعض أحزاب اليمين، وخاصة حزب الجمهوريين، والذى كان ينتمى له شيراك نفسه، للاحتفاظ بالسلطة، وتحقيق قدر أكبر من الاستقرار فى الداخل، ومجابهة تيار لوبان الجارف، والذى أصبح يتمتع بشعبية جارفة فى الآونة الأخيرة بسبب نجاحه المنقطع النظير فى الاختباء خلف حراك الشارع عبر دعم الاحتجاجات والمظاهرات، مما ساهم فى حصولهم على نقاط سياسية إضافية على حساب ماكرون وحزبه.

الرئيس الفرنسى ربما اختار مكان "انتفاضته" بعناية، بحيث يكون أمام "كنيسة فرنسية" فى أرض أجنبية، وهو ما يسمح له بمداعبة مشاعر المتدينين، والذين بزغ نجمهم على الساحة السياسية بصورة كبيرة، عبر تصدير صورة "المسيحى الغيور" ذو التوجهات السياسية الليبرالية، كما أنها تفتح الباب أمامه لمداعبة أنصار التيارات القومية التى تمثل مركز النفوذ السياسى لحزب لوبان.

موقف ماكرون أمام كنيسة "سانت آن" يمثل امتدادا للعديد من المواقف السابقة التى حاول خلالها تقديم نفسه بصورة "البطل"، عبر انتهاج خطابات تقليدية، حول حقوق الإنسان والديمقراطية تارة، أو الاتحاد الأوروبى تارة أخرى، وأخيرا محاولته لاستنساخ صورة شيراك، إلا أنه فشل فى كل مرة تقديم ما يميزه باعتباره قائدا سياسيا يمكنه قيادة دفة البلاد فى المرحلة الراهنة.










مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة