بيت الأشباح.. عرض مسرحى يحررك من الخوف

الأحد، 21 يوليو 2019 06:43 ص
بيت الأشباح.. عرض مسرحى يحررك من الخوف العرض المسرحى "بيت الأشباح"
كتب محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
"لا تخف! الخوف لا يمنع من الموت لكنه يمنع من الحياة، ولستم يا أهل حارتنا أحياء ولن تتاح لكم الحياة ما دمتم تخافون الموت" هكذا قال الأديب العالمى الراحل نجيب محفوظ فى روايته "أولاد حارتنا"، تعبيرا عن ذلك الشعور الذى يقتل الأمل ويطفئ آخر شعاع للنور، ويطلق العنان للظلام ليأكل الروح، وهو تماما الرسالة التى حاول العرض المسرحى "بيت الأشباح" أن يقدمها.
 
"بيت الأشباح" الذى يعرض حاليا على المسرح العائم الصغير، من إنتاج مسرح الشباب بالبيت الفنى للمسرح، ومن بطولة 30 شابا وشابة من خريجى ورشة التمثيل المسرحى "ابدأ حلمك"، إخراج وتأليف محمود جمال حدينى، ويدور حول شخص يدعى "حسن" يقوم بتأجير شقة، بهدف الحصول على السكينة والوحدة التى ينشدها، هربا من واقع تحاول أسرته إجباره عليه، ليكتشف فيما بعد إن هذه الشقة مسكونة بالأشباح، وبمرور الأحداث يظهرون له ويألفهم، فيعطونه من خلال تجاربهم السابقة فى الحياة، دفعة وشحنة عاطفية لحب الحياة والإقدام عليها والانفتاح على الواقع بكل أمل وحيوية.
 
العرض المسرحى بيت الاشباح (4)
 
العرض جاء فى قالب اجتماعى درامى فانتازى، ورغم تطابق اسمه مع اسم فيلم الكوميديان إسماعيل ياسين "بيت الأشباح" إنتاج عام 1951م، وتشابه فكرته مع أعمال أخرى سواء سينمائية أو مسرحية، لكنه ربما جاء مناسبا لفكرة العمل والجمهور المستهدف، فالعرض حاول تقديم رسائل جميعها تهدف إلى حب الحياة، والانطلاق فيها بكل حيوية، للبحث عن السعادة، وحب الفن، والانغماس فى الحب دون توقف، أن نعطى الأشياء حقها إلى النهاية، نغنى وكأن العالم كله يستمع إلينا، نشجع بحماس وحب حتى وإن تأخر الهدف، أن نحزن ونغضب لكن دون أن يمتلكنا اليأس ونذهب بكل إرادتنا إلى الموت، خوفا من مواجهة الحياة، وكأننا جميعا مجرد أرواح معلقة بين السماء والأرض، بين الموت والحياة، وكأنه يدعونا لمواجهة الدنيا ببراءة وشجاعة معا.
 
من جانب آخر فإن العرض أبرز طاقات تمثيلية وإبداعية هائلة لدى 30 شابا وشابة هم أبطال العرض، واستطاعوا أن يقدموا من خلال تجربتهم المسرحية الأولى -بخلاف مشروع تخرجهم "نظرة ومدد"-، رسالة صادقة ومعبرة عن اليأس الذى يتملك الشباب من الواقع العبثى، وحلم السعادة المفقود فى ظل سلطوية الآباء، وتشعر على مدار ساعتين هما فترة العرض بالإبداع الخالص، والأداء القوى والحركة المنضبطة والموسيقى والرقص والغناء والكوميديا والدراما، كما يظهر تنافس أبطاله الإيجابى فى التكامل والتفانى الذى يصب فى مصلحة الفريق جميعا.
 
العرض المسرحى بيت الاشباح (6)
 
العرض جسد حالات إنسانية عبر بورتريهات شخصية رائعة، واستطاع من خلال قصص شخصيات مفترض إنهم أموات، أن يغوص فى أعماق مشاكل اجتماعية عدة، بأداء مميز، ورغم حالة الزحام التى قد تبدو أمامك، بسبب تواجد أكثر من 20 شخصية من شخصيات العرض، على خشبة المسرح فى نفس التوقيت، إلا أن كل شخصية قادرة أن تجذبك إليها، وتشعر وكأنها تخاطبك أنت بشكل مفرد، فقد ترى نفسك فى المشجع الذى انتظر فوز فريقه سنوات طويلة، أو الرجل الذى لم يقل لزوجته أى كلمة حب، رغم أنه أحبها للنهاية.
 
العديد من المشاهد جاءت تجسيدا لواقع ملموس، وأخرى رسمت أملا مأمولا، يحمل رسائل هادفة، فمشهد مثل مشهد (لقاء حسن وعائلته) رغم قصر مدته مقارنة بباقى مشاهد العرض إلا أنه كان عملا مشهديا محوريا لاستكشاف تركيبة البطل النفسية، كما أن أبطال المشهد رغم ظهورهم فى هذا المشهد فقط، لكن حضورهم الخفيف وتأثيرهم يجعلك تتعايش مع المشهد، مشهد آخر اعتبره يقدم خلاصة فكر العرض، وهو المشهد الذى يحث فيه "الأشباح" حسن "بطل العرض" على الخروج من الشقة، والانطلاق فى الحياة، وألا يترك أمرا من أمور الدنيا وكأنه مسلم به، أن يفكر فى ذاته وفيما يفعل، أن يفكر فى كل شىء حتى لو كان الله، وكأنها دعوة للتفكير فى عالم أصبح المسلمات أسلوب حياة.
 
العرض المسرحى بيت الاشباح (2)
 
مخرج ومؤلف العرض محمود جمال حدينى، وهو مؤلف عرضى "1980 وأنت طالع" و"البروفة"، استطاع فى أولى تجربة إخراج له بمسرح الدولة، أن يستفيد من تجاربه السابقة، فرغم اختلاف محتوى العرض عن سابقيه، إلا أن العمل جاء مثل العملين السابقين ملئ بالأجواء الحماسية التى تستطيع أن تشحن عواطفك من خلال جمل لها تأثير مباشر لارتباطها بواقع الحياة، وتُحررك من الخوف.
 
تبدو فقط الزيادات التى أضيفت على الإطار الدرامى للعرض وتسببت فى وصول مدة العرض لما يقرب الساعتين، خطأ وقع فيه المخرج، فكانت هناك العديد من "القفلات" الجيدة للعرض، تصلح لنهاية مناسبة تماما، لكننا بعدها نكتشف وجود مشاهد أخرى جديدة، ربما إذا أزيلت تفاصيله لن تؤثر على الخط الدرامى للعمل.
 
سينوغرافيا العرض جاءت ثابتة فى ديكورتها التى قدمت كلوحة زيتية من المدرسة الانطباعية، غير واضحة التفاصيل من خلال أشكال ليست لها دلائل بصرية مباشرة، ربما لتتفق مع رسالة العرض وهى أن الحياة ثابتة لكن نظرة كل واحد منا لها هو من يغير تفاصيلها البسيطة، كما كانت الموسيقى المصاحبة للعرض جيدة، استطاعت أن تقارب المشاهد من الحالة النفسية لأبطال العمل، أما الاستعراضات فكانت مميزة واستطاعت صناعة أجواء من البهجة فى نفوس الحضور.
 
العرض المسرحى بيت الاشباح
 
فى النهاية قدم العرض وجبة فنية دسمة، وعبر أبطاله عن العديد من المشاعر التى تدور فى نفس كل واحد منا، فربما بداخل كل منا شبح معلق بين السماء والأرض، وربما علينا أن نواجه الحياة بشجاعة أكثر ونتحرر الخوف الكامن فى أنفسنا، وعلينا أيضا أن نشيد بمثل هذا العمل الذى يقدم حالات إنسانية رائعة وصادقة، تجذبك لمشاهدة العرض أكثر من مرة.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة