علاء عبد الهادى

عندما يكون الحاكم.. باحثا ومفكرا

الأحد، 04 نوفمبر 2018 10:00 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أشياء كثيرة فى هذا الزعيم العربى تجعلنى، كمصرى، محب له، ومنحازا لتجربته، متابعا لنشاطاته وتصريحاته، وأنا كصحفى محسوب على الجماعة الثقافية، منحاز أكثر له، ومثمن لمجمل تجربته فى صنع نهضة إمارة الشارقة التى ترتكز بأكملها على الثقافة، وعلى بناء الإنسان وبعده يأتى كل شىء، لأنك إذا بنيت الإنسان فهو قادر على البناء والأهم أن يكون قادرا على المحافظة على ما بنى والدفاع عنه، فى مواجهة الأفكار الهدامة التى أصبحت تتسرب من بين خلايانا عبر كل شىء، حتى الهواء الذى نتنفسه.. من أتحدث عنه هو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ولكى تعرف سر متابعتى لمسيرة هذا الحاكم، أدعوك أن تكتب اسمه وبعده تكتب مصر، ستجد فيضا من الحب والعشق من القاسمى لوطنه الثانى: مصر، بالأقوال والأفعال معا، وستجد أغلب مساهماته لها بصمة ثقافية بحكم اهتمامات الرجل الذى يحمل عدة درجات «حقيقية» للدكتوراه، ناهيك عن الشرفية.. ما الذى ذكرنى بهذا الزعيم الآن؟
 
المناسبة افتتاحه مؤخرا للدورة الـ37 من معرض الشارقة للكتاب، هذا الذى أصبح أحد أهم معارض الكتاب فى العالم، رغم أن دورته الأولى التى بدأت سنة 1982 بدعوة مجانية لعدد من دور النشر التى ترددت فى المشاركة، وبدعوة الجمهور عبر ميكرفونات تجوب الشوارع، اليوم الوضع اختلف تماما من النقيض إلى النقيض، وأصبح هذا المعرض أحد أهم اربعة معارض للكتب على مستوى العالم، وبعد شهرين من الآن تحتفل الشارقة باختيارها عاصمة الكتاب العالمية لتكون الأولى خليجيا، والثالثة عربيا، والـ19 عالميا، كل هذا لم يأت بين يوم وليلة، ولا وليد الصدفة، ولا بقوة المال، أو الجاه، أو السطوة، لأن هذا مجال لا مجال فيه لمثل تلك الألاعيب، يقول الدكتور الشيخ القاسمى: أربعون سنةً من دون توقف، ونحن نبذلُ كل ما لدينا من طاقاتٍ، وكل ما أوتينا من فكرٍ أن نرتقى بالإنسان، هذا الإنسان الذى ليس موجودا فقط على أرض الشارقة أو دولة الإمارات، وإنما على الإنسان فى أى مكان، نلتقى به فى الكلمة الصادقة والمحبة والتعاون، ووجودنا نحنُ جميعاً فى إنسانيةٍ، نتمنى أن تكتمل صورة الإنسانية.
 
ويغلب دائما على حديث وخطب هذا الزعيم العربى لغة الأدب والفكر والثقافة، اقرأ ايضا معى وهو يكمل: قرأتُ فى كتاب «النسب للنبلاء» للكاتب جى. هوريس راند، يقول فى مقدمته: ليست للحقيقة يسعى الرجال، وإنما لما يطيبُ تصديقه، تقف الحقيقةُ بائسة، فقيرة، متشحة بالبؤس، على ناصية الطريق، ذلك لأنهم طالما تعدوها باحثين عما يرغبون. وأقول للسيد راند، لو زرتنا لوجدت الحقيقة فى مكانها، فلو زرتنى فى سحرٍ بين حفيف الرقاط وصفير القلم لوجدتنى أبحثُ عن الحقيقة. وقد علمنا أبناءنا وبناتنا حب الكلمة الصادقة، وبالمصادفة فى اللغة العربية، الكلمة تسمى: النقيّة، عجبى من هذه اللغة، والكلماتُ تسمى أنقياء، ونحنً منجذبون بذلك لحبنا للحقيقة.
 
هذا التطور الذى يكمل عامه الأربعين العام المقبل، لم يأتِ صدفة، كما يضيف الدكتور القاسمى، وهذا لقب بالمناسبة يعتز به، ولن يأتى من أُناسٍ لا يؤمنون بهذه الأفكار، وإنما الجميعُ كان يعمل، والعطاءُ كان متواصلاً، ولستُ أقولُ إننى الذى فعلت، وإنما أقول لمن فعلوا وعملوا وسهروا: أنتم لكم الشكر.
 
وترتكز تجربة الدكتور القاسمى على كل ما له علاقة ببناء الإنسان، وقال مقولة شهيرة إن بناء الإنسان عندنا أهم من «الكونكريت» فى إشارة إلى البناء بالأسمنت والمشروعات.. كان رهانا صعبا، ويكاد يكون مستحيلا فى عالم متغير، تعصف فيه المتغيرات بكل شىء وبقسوة، ولكن عندما تطأ قدماك أرض الشارقة، تستشعر أن هناك شيئا ما استظلك، وأن هناك شيئا مختلفا، وأن الغلبة هنا للقيمة، وللإنسان وللثقافة وللتراث، تلحظ ذلك حتى فى تصميم المبانى الحكومية، وفى الأنشطة والفعاليات التى يحرص الدكتور القاسمى على أن يرعاها بنفسه.
 
ما أعجبنى وأبهرنى فى الوقت ذاته، أن هذا الزعيم العربى المثقف الواعى الدكتور المفكر الباحث فاجأ الحضور بقصيدة لقرينته ورفيقة دربه يشكرها فيها على ما قدمته من عطاءات مستمرة للمرأة والطفولة والناشئة، ومكافحة الأمراض المستعصية، ومساعدة اللاجئبن قائلاً: ولو شكرنا جميع من كان يعمل، فهم كثر، لا نستطيع أن نحصيهم عددا، ولكن نريد أن نقدم لمن عمل واجتهد وثابر تكريما من الشارقة.
 
وقبل أن ينتهى الحضور من حالة الانبهار، كانت هناك المفاجأة الثانية التى تؤكد أننا أمام زعيم عربى، عندما احتفل بتوقيع أحدث رواياته التى قدمها للحياة الثقافية بالعربية والإنجليزية.. هل انتهينا؟
 
لا أزيدك من الشعر بيتًا، بالأمس احتشد زوار معرض الشارقة للكتاب فى القاعة الرئيسية التى تسع عدة آلاف، لسماع محاضرة لحاكم الشارقة.. المحاضرة لا علاقة لها بالسياسة، ولا بالشأن العام الإماراتى أو حتى العربى أو الدولى، كانت المحاضرة عن ابن ماجد، حيث خلع القاسمى ثوب الحاكم، وارتدى ثوب الباحث التاريخى، والمحقق التراثى، من أجل تدقيق معلومة تاريخية تتعلق بدور ابن ماجد فى المركب الاستكشافية لفاسكو ديجاما، وأصول ابن ماجد، والعصر الذى عاش فيه.. وعرض للحضور نتاج بحثه العالمى الذى استغرق منه 18 عاما من البحث والتقصى فى العديد من مكتبات العالم الكبرى المختلفة، ودراسة العشرات من المخطوطات النادرة والمهمة والتى كشفت عن الموطن الحقيقى وتاريخ رحلات ابن ماجد وسلالته وعشيرته، وكشف أن ابن ماجد لم يكن هو الذى أرشد فاسكو دى جاما فى رحلته لاستكشاف العالم الجديد، وإنما الذى أرشده شخص مسيحى من منطقة غُوجراتْ يُسمى كَاَنا.
 
تفصلنا عدة أسابيع عن الاحتفال باليوبيل الذهبى لإنشاء معرض القاهرة الدولى للكتاب، وأراها فرصة ذهبية لدعوة حاكم الشارقة، ليكون ضمن كوكبة زعماء عرب، تربوا فى هذا المدرسة، ونهلوا منها.. دعوته لها عدة صفات: صفة الباحث المدقق، والأديب، والباحث التاريخى، وأستاذ الجامعة، وحاكم الشارقة المصرى الهوى، والابن الشرعى للقوة الناعمة لمصر.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة