قبل أن ينفلت عيار الدين الخارجى.. وثائق صندوق النقد تتوقع ارتفاعه إلى 102 مليار دولار.. وخبراء: لا يزال فى الحدود الآمنة.. ويطالبون بخطة واضحة للسداد وآلية لإدارة مخاطر التعثر

الأحد، 29 يناير 2017 09:35 م
قبل أن ينفلت عيار الدين الخارجى.. وثائق صندوق النقد تتوقع ارتفاعه إلى 102 مليار دولار.. وخبراء: لا يزال فى الحدود الآمنة.. ويطالبون بخطة واضحة للسداد وآلية لإدارة مخاطر التعثر عمرو الجارحى وزير المالية
كتبت- ياسمين سمرة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

مع توسع الدولة فى الاقتراض من الخارج لسد الفجوة التمويلية التى تقدر بـ35 مليار دولار لمدة 3 سنوات، لم يكن مفاجئا أن يقفز الدين الخارجى إلى 60.2 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضى، مقابل 55.76 مليار دولار فى يونيو الماضى، بمعدل نمو 7.9% وزيادة قدرها حوالى 4.4 مليار دولار.

وفى ظل أزمة شح الدولار التى عصفت بالبلاد، وسط تراجع موارد العملة الصعبة من صادرات وسياحة واستثمار أجنبى مباشر، اضطرت الحكومة المصرية فى نهاية المطاف إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولى وتطبيق حزمة من الإصلاحات الجريئة لوضع الاقتصاد على المسار الصحيح، وهى إجراءات تأخرت كثيرا وأدى التباطؤ فى تطبيقها إلى ارتفاع تكلفتها، لدرجة أن وصفتها بعض المؤسسات بأنها دواء مر أو عملية جراحية من دون مخدر.

ولإبرام اتفاق صندوق النقد والحصول على قرض بقية 12 مليار دولار لدعم البرنامج الاقتصادى للحكومة المصرية لمدة 3 سنوات، أعلن البنك المركزى فى نوفمبر الماضى تحرير سعر الصرف وتم رفع أسعار الفائدة 300 نقطة أساس (3%) فى محاولة لاحتواء أزمة العملة الطاحنة وجذب استثمارات أجنبية لإنعاش اقتصاد البلاد. وعلاوة على ما سبق، تم اتخاذ تدابير لضبط المالية العامة كان أبرزها إصلاحات زيادة أسعار الوقود وتطبيق ضريبة القيمة المضافة.

وأظهرت وثائق قرض صندوق النقد الدولى التى تم إطلاقها مؤخرا أن الدين الخارجى مرشح للنمو إلى 102.4 مليار دولار بنهاية العام المالى 2020/2021، مقابل 55.7 مليار فى نهاية يونيو الماضى. هذا الرقم ليس مباغتا للأوساط الاقتصادية، فى ظل توسع الحكومة فى الاقتراض من الخارج خلال الفترة الماضية. ورغم عدم تخلف مصر عن الوفاء بالاتزاماتها الخارجية أبدا، لكن ثمة مخاوف من وتيرة نمو هذا الدين وعدم الإعلان عن خطة واضحة للسداد.

وأوصى خبراء وبنوك استثمار بضرورة وضع خطة واضحة لسداد الديون الخارجية، مع آلية لإدارة مخاطر التعثر، لا سيما أن الدين الخارجى مرشح للزيادة فى الفترة المقبلة، لأن الرقم الذى أعلنه البنك المركزى، لم يتضمن حزمة التمويلات والقروض التى تلقتها مصر خلال الربع الأخير من 2016، والتى تتخطى قيمتها الإجمالية 5 مليارات دولار، تشمل مليار دولار من البنك الدولى، و500 مليون دولار من بنك التنمية الإفريقى، و2.75 مليار دولار من صندوق النقد، هذا إلى جانب التمويلات الثنائية التى تم تدبيرها للحصول على قرض صندوق النقد، فيما إصدرت الحكومة سندات دولارية فى الأسواق الدولية بقيمة 4 مليارات دولار الأسبوع الماضى، ومن المقرر طرح حوالى 2 مليار أخرى فى وقت لاحق.

ويباهى المسئولون بأن مصر لم تتخلف يوما عن سداد ديونها الخارجية، وطالما أشادت مؤسسات التصنيف بتدنى نسبة الدين الخارجى لمصر إلى إجمالى الناتج المحلى المصرى- لم يتعدى 19% قبل التعويم- ورغم عدم وصوله إلى مستويات خطيرة، لكن سرعة نموه تتطلب رؤية واضحة ومصادر دولارية مستدامة لضمان عدم التعثر فى السداد وتفادى تخفيض التصنيف الائتمانى للبلاد، خاصة أن معظم الدين يتوجه إلى مشروعات اجتماعية- ليس لها مردود أو عائد مادى مباشر- أو لدعم الموازنة.

وقال عمرو حسنين، رئيس شركة الشرق الأوسط للتصنيف الائتمانى "ميرس" إن الدين الخارجى لمصر كان أحد مميزات مصر مقارنة بنفس الدول التى تقع فى نفس منطقة التصنيف الائتمانى "B"، لكنه بدأ يتزايد بصورة "مقلقة" فى النصف الثانى من 2016 مع توسع الدولة فى الاقتراض من الخارج لسد الفجوة التمويلية.

لكن حسنين يرى أن تخطى إجمالى الدين العام حاجز 100% من إجمالى الناتج المحلى هو ما يثير القلق، لكن هذه الأرقام لا تتضمن الاقتصاد غير الرسمى والذى يقدر حجمه ما بين 30-60% من حجم الناتج المحلى الرسمى، وفقا لتصريح لـ"اليوم السابع".

وبلغ الدين العام المحلى بنهاية سبتمبر الماضى 2.7 تريليون جنيه، فيما وصل صافى الدين المحلى الحكومى وحده 2.4 تريليون جنيه، وبلغ الناتج المحلى الإجمالى بسعر السوق الجارى 3.24 تريليون جنيه.

واتفق هانى توفيق مع الرأى السابق، مؤكدا أن الدين الخارجى يزال فى الحدود الآمنة، لكن إجمالى الدين العام هو ما يمثل خطرا حقيقيا، والأخطر من وجهة نظره هو عدم وجود خطة أو تدفقات بالعملة الأجنبية لسداد الدين الخارجى، فى حين أن صافى الاحتياطات من النقد الأجنبى يقدر بالسالب، موضحا أن الاحتياطى الأجنبى الذى يعلن عنه يتضمن ودائع وقروض وأقساط ديون مستحقة.

وقال توفيق فى تصريحات لـ"اليوم السابع": كنت أتمنى أن يستدعى البرلمان محافظ البنك المركزى، للتعرف على خطته لسداد هذا الدين المرشح للزيادة، مع اتجاه الدولة لتنفيذ مشروع محطة الضبعة النووية.

وتوقع الخبير الاقتصادى أن يقفز الدين الخارجى صوب 100 مليار دولار مع احتساب قيمة قرض الضبعة (25 مليار دولار)، ومديونية الهيئات الاقتصادية وباقى دفعات قرض صندوق النقد وإصدارات السندات الدولارية المقررة.

وعلى الجانب الآخر، يرى هانى جنينة، رئيس قطاع البحوث فى بنك "بلتون" للاستثمار، أن زيادة الدين الخارجى ليست مقلقة لأن معظمه قروض ميسرة بأسعار فائدة معقولة لا تتخطى 3% وطويلة الأجل.

وتابع: لقد استدانت الحكومة ولجأت إلى قرض صندوق النقد لعلاج الاختلالات الهيكيلة فى الاقتصاد وتحسين ميزان المدفوعات، كما أن التعويم من شأنه تقليص العجز فى الميزان التجارى تدريجيا وتحوليه إلى فائض لأن انخفاض قيمة العملة المحلية يرفع جاذبية الصادرات ويعزز تنافسيتها، بينما يؤدى لتراجع الواردات لارتفاع تكلفتها.

وتوقع جنينة تحسن ميزان المدفوعات بحلول النصف الثانى من 2017، وهو ما يعزز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الخارجية فى مواعيد استحقاقها.

وأيدت ريهام الدسوقى، كبير الاقتصاديين فى بنك الاستثمار "أرقام كابيتال" ومقره دبى، الرأى السابق، مؤكدة أنه لا يزال فى الحدود الآمنة.

وترى ريهام الدسوقى أن القدرة على السداد ونسبة الدين الخارجى إلى إجمالى الناتج المحلى هى الأهم، لافتة إلى أن الحكومة لديها اتجاه لاتباع أساليب جديدة فى الاقتراض مثل أن تقوم الهيئات الحكومية بالاقتراض بنفسها وتوفير تمويل مباشر لمشروعاتها وخططها لتخفيف العبء على الموازنة العامة.

وحول تأثير ارتفاع الدين الخارجى على تصنيف مصر الائتمانى، قالت الدسوقى، إن ارتفاع الدين العام يعد أحد العوامل التى تؤثر سلبا فى تصنيف البلاد، بالإضافة إلى عجز الموازنة وميزان المدفوعات والميزان التجارى والتضخم وغيرها، فى حين أن هناك بعض العوامل الإيجابية مثل الإصلاحات الجرئية التى تبنتها الدولة مؤخرا كالتعويم وتقليص الدعم وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، مما يخلق نوعا من التوازن بين العوامل السلبى والإيجابية.

ونوهت ريهام الدسوقى إلى أن تأخر الإصلاحات الاقتصادية رفع تكلفة وفاتورة الإصلاح، وهو ما سيترتب عليه ضعف فى بعض مؤشرات الاقتصاد على المدى القصير مثل ارتفاع معدلات التضخم بصورة مبالغ فيها وزيادة عجز الموازنة والدين العام، لكن تلك المؤشرات ستتحسن مع المضى قدما فى الإصلاح على المدى المتوسط والطويل.

وقالت رضوى السويفى، رئيس قسم البحوث ببنك فاروس للاستثمار، إن الدين الخارجى رغم تلك القفزة الأخيرة لا يعد كبيرا ولن يشكل تهديدا إذا تم العمل على زيادة المصادر الدولارية المستدامة مع التركيز على الاستثمار الأجنبى المباشر وزيادة الصادرات التى أصبحت أكثر جاذبية بعد تحرير سعر الصرف.

وتابعت: هناك الكثير من الدول، وبعضها مقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يتجاوز الدين العام نسبة الـ100% من إجمالى الناتج المحلى، دون أن يهدد ذلك الاقتصاد، لكن الفرق بين مصر وتلك الدول أن عملتها قوية ولديها احتياطيات ضخمة.

وأشارت إلى أن نسبة الدين الخارجى إلى إجمالى الناتج المحلى قد تضاعفت بعد تعويم الجنيه، ومع افتراض متوسط سعر صرف الدولار 18 جنيها فإن الدين الخارجى قد يصل إلى 32% من إجمالى الناتج المحلى.

وأوضحت أن الرقم الذى أعلنه البنك المركزى مرشح للزيادة لأنه لم يتضمن التدفقات الدولارية التى تسلمتها مصر مؤخرا. وأردفت: "إذا أضفنا تلك المبالغ إلى الدين الخارجى فإنه قد يصل إلى 38- 40% من إجمالى الناتج المحلى"، ورغم ذلك أكدت رئيس قسم البحوث فى "فاروس" أن الرقم لن يشكل أزمة طالما هناك خطة لتعزيز المصادر الدولارية لضمان السداد، وتفادى الاستدانة لسداد التزامات البلاد الخارجية.

أما الدكتور مدحت نافع، أستاذ التمويل والاستثمار، فيرى أن الدين الخارجى كان ولا يزال ينمو بوتيرة سريعة ومقلقة، لافتا إلى أن حجم الدين الخارجى البالغ 60 مليار دولار تضاعف بعد تعويم الجنيه ليصل إلى 1.2 ترليون جنيه تقريبا من إجمالى الناتج المحلى (مع افتراض سعر الصرف الدولار 20 جنيها)، مضيفا أن الرقم المعلن لا يتضمن القروض التى دخلت البلاد بعد سبتمبر الماضى، أو طرح السندات.

وأضاف أن مشكلة الدين الخارجى رغم أن معظم القروض ميسرة وطويلة الأجل، أنها توجه لدعم الموازنة أو مشروعات لا تدر عوائد رغم أهميتها الاجتماعية والتنموية، فضلا عن عدم وجود خريطة واضحة المعالم للسداد، محذرا من خطورة التوسع فى الاستدانة بالدولار، فى ظل التراجع الحاد فى قيمة العملة المحلية وندرة الموارد الدولارية وتراجع حجم المنح خاصة من دول الخليج.

وفى نهاية حديثه إلى "اليوم السابع": اقترح الخبير الاقتصادى ابتكار آلية لإدارة مخاطر التعثر فى السداد، وتكوين لجنة أو إنشاء وزارة لإدارة المخاطر.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة