أسماء راغب نوار تكتب: أن تحب نفسك أولًا!

الجمعة، 19 أغسطس 2016 12:00 م
أسماء راغب نوار تكتب: أن تحب نفسك أولًا! ورقة وقلم - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سألت ابن أختى وأول حفيد لأمى منذ ما يعدو على عشر سنوات وكان لم يكمل الخامسة من عمره إذا كان يبادلنى مشاعر الحب نفسها التى أكنها له ردَّ على بكل حماس بقوله طبعًا! 
 
سعدت بالطبع سعادة بالغة بهذه المشاعر المتبادلة، واستزدت فى سؤالى – كعادتى مع الصغار وبعض الكبار- عمن يحب أيضًا ممن يعرف؛ فأخذ يعدُّ لى حبه لأمه وأبيه وباقى أفراد الأسرة حسب ورودهم على خاطره ثم صمت قليلًا وقال: "لكنى أحب نفسى أولًا". كانت عبارته مثيرة لتأملى طويلًا لدرجة أنه شعر أننى لم انتبه لبقية كلامه.
 
تساءلت فى نفسى كيف لابن الخامسة أن يصرِّح بهذه الحقيقة بكل وضوح وبيان من دون المواربة التى دائمًا ما يسلكها الكبار؛ فقد لمس بهذا التصريح ما يشغلنى منذ البلوغ؛ فالإنسان عندما يبلغ تنشب داخله قوى الغضب والشهوة وهى المعنى الجامع للنفس فإما أن ينساق وراء هذا القوى أو يقاومها بالاسترشاد بخالقها. 
 
وعند نشوب قوى الغضب والشهوة هذه تتجلى قدرة الخالق فى التحول من الطبع الملائكى ورؤية الأمور من منظور ملائكى إلى رؤيتها من منظور بشرى محفوف بالرغبات والأهواء.
 
وتصاحب الإنسان نفسه إلى أن تصير ذاته التى يُعرف بها؛ وبذلك يتداعى السؤال: أى وجه يحب أن يرى الإنسان نفسه ؟ 
والنفس داخل الإنسان كالضيف دائم الإقامة الذى دائمًا ما يتمنى الإنسان أن يغدقه بكرم ضيافته لكن أى كرم؟ هل الكرم الذى به يقدم لها كل شئ حتى المحرمات؟ أم يقدم لها كل ما لذَّ وطاب فى إطار ما يحفظها ويزكيها؟
 
فعند بلوغ الإنسان تنقلب الدنيا رأسًا على عقب أمامه ويختل لديه التوازن ويزول هدوء نفسه وتستيقظ صراعات داخله وتضطرب أحواله وينشد الاستقرار لنفسه؛ ذلك الاستقرار الذى لا يتأتى إلا بعقد اتفاق معها على منهج يبصره بطبيعة ما طرأ عليه من تطورات ونشب داخله من صراعات، وإلا لا يمكنه أن يتكهن بنتائج هذه التطورات على تفكيره أو وجدانه أو سلوكه وقد تلازمه هذه النتائج طيلة عمره.
 
ذلك المنهج الذى من المفترض أن يكون الأب والأم قد زرعا قواعده فى أولادهما استعدادًا لحمل مسئولية البلوغ وتبعاته، فيخطئ الإنسان عند البلوغ ويتخبط لكنه يجد مرجعًا يستند إليه ومرفأً يرتاح عليه؛ فردود أفعال المراهقين ما هى إلى نتيجة ما زرع آباؤهم.
 
وتعد فترة البلوغ أهم فترة فى حياة الإنسان لأنها الفترة التى عندها تكون الشخصية قد تكونت ومن ثم يتحدد مصيره كإنسان ناضج التكوين.
وحب النفس فطرة لدى الإنسان، لكن يبقى السؤال عند البلوغ أو لنقل عند مفترق الطرق على أى وجه يحب الإنسان نفسه؛ فحب النفس له وجهان.
فإما أن يحب الإنسان نفسه بأن يتعرف إليها ويتفق معها على منهج فى الحياة لأنه ونفسه متلازمان أو إنه يحبها لدرجة أن يجعلها تقوده فيخسر أعظم اختبار فى القوة.. فالقوى من يملك نفسه.
 
وإما أن يحبها ويعدل بينها وبين الناس أو أنه يظلمها بأن يضعها فوق البشر ظنًا منه أنه يحبها.             
وإما أن يعرف حقوقها ويساعدها فى نيلها حتى تلبى له ما يُطلب منها من أجل التهذيب أو أنه يضيع لها حقوقها – ظنًا منه أن هذا نوعًا من الايثار المحمود!- فيختل الرباط الذى بينه وبينها ويخفق فى انقيادها.
 
وإما يحب الإنسان لنفسه الخيلاء والحقد والطمع والجشع والشره والسخط والغيرة، التى تؤول إلى حسد، والأثرة وما إلى ذلك أو أن يحب نفسه فيقيها شر كل ذلك بتهذيبها وتزكيتها ويقى الناس شرها وهو ما يُطلق عليه الأنانية المستنيرة.
 
وإما أن يحب الإنسان نفسه بأن يمنحها حريتها بأن يسلمها لخالقها ليوجهها ويسترشد به أو يستعبدها بشهواتها على أنواعها ظنًا منه أنه بذلك يسعدها!
والنفس تحب أن تكون قوية ولكن حبها للقوة فى ذاتها يختلف؛ فنفس ترى أنها تقوى على غيرها ونفس أخرى ترى أن قبل أن تقوى على سواها تقوى على نفسها فى أن تقاوم أمراضها التى تطرأ بين الحين والآخر على حسب طاقتها فى المقاومة، وثمة نفوس لا تقوى على نفسها ولا على ما سواها.. فماذا يحب الإنسان لنفسه أن تكون؟
 
وأخيرًا أرى أنه إذا أحب الإنسان نفسه حفظها من شرورها ووقاها مذلاتها، فكانت الصديق الدائم له الذى يود مقابلته ليأنس به فى أى وقت.
أما إذا أحب الإنسان نفسه بأن جعل قوة الغضب والشهوة هى التى تقود اتسعت الفجوة التى بينه وبينها وأصبحت الشخص الوحيد الذى لا يود أن يقابله.
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة