محمد أبو هرجة يكتب: جرعة زائدة

الأحد، 17 يناير 2016 04:05 م
محمد أبو هرجة يكتب: جرعة زائدة فيس بوك

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى هذا اليوم وبعد طول تفكير اتخذ القرار الهام وقرر الذهاب إلى أحد الأطباء النفسيين وجلس فى انتظار دوره فى الدخول حتى جاء موعد دخوله ودخل إلى الدكتور فهو رجل فى منتصف الأربعينيات طويل ورشيق الجسم ويبدو أنه يمارس الرياضة منذ فترة كبيرة ويرتدى بدلة أنيقة سوداء وتفوح من ملابسه رائحة العطور الفرنسية الشهيرة فلا يبدو للوهلة الأولى أنه مريض من الأساس واستقبله الدكتور بابتسامة معتادة واستغراب واندهاش قائلا
الدكتور: اتفضل يا أستاذ أهلا بيك
يرد الرجل: أهلا بيك انت يا دكتور
الدكتور: بيانات حضرتك كلها أمامى لكن السؤال هو مين اللى مريض سيادتك
الرجل: أنا
الدكتور: أيوة احكيلى بقى تعبان من إيه وبتشتكى من إيه
الرجل: مفيش موش بشتكى من أى حاجة ولا حاسس بأى حاجة
الدكتور: أمال جاى ليه سيادتك عشان ويبتسم ابتسامة تحمل معانى الاستغراب
الرجل: أنا جاى اتعالج من الإدمان
الدكتور: إدمان إيه بالضبط أنا موش شايف أى علامات للإدمان على حضرتك
الرجل: إدمان المحمول سيادتك
الدكتور مبتسما: بس أنا لم أدرس الحالة دى قبل كدة ولا أخدناها فى الكلية ولا حتى فى أى مؤتمر ولا فى دراسات الماجيستير أو الدكتوراه أو حتى أبحاث بتتكلم عن علاج للحالة دى
يرد الرجل: أنا هحكيلك يا دكتور
الدكتور اتفضل خد راحتك
الرجل: شوف يا دكتور علاقتى بالمحمول بدأت من زمان أوى من أيام الموبايلات الأبيض والأسود ولعبة الثعبان الشهيرة دى عموما وقتها مكنش فيه مشكلة لأنه كان بيستخدم للاتصالات فقط بس بمرور الوقت تطورت الموبايلات وتطور الإدمان حتى وصلت للحالة اللى أنا فيها دى ممكن تقول حالة مستعصية

طلع الموبايل من جيب البدلة وهو بيتكلم وقال: لقد دمر هذا الهاتف حياتى تقريبا. أصبحت حياتى باردة ليس لها معنى كل يوم بيزداد الموبايل ذكاء وبتزداد نسبة الغباء عند البشر. أنا من كتر ارتباطى بيه بدخل بيه الحمام أحيانا بقعد لمدة تتجاوز الساعتين على فيس بوك وعلى برامج التواصل. حتى أصدقائى عندما نلتقى كل واحد فينا بيلتزم الصمت ويرتبط بالواى فاى التى أصبحت مثل الماء والهواء ليدخل إلى الانترنت ولا يتحدث أحد منا للآخر وتمر الساعة ونحن نحملق فى هذا الهاتف الملعون حتى نغادر ولا نتكلم فى أى موضوع فنصبح مثل الأصنام.

لم تعد هناك حفلات أعياد ميلاد أو حتى زيارة مريض أو زيارة الأهل والأحباب فالهاتف سهل كل المناسبات وأصبحت صورة التورتة أو تقديم التعازى فى حالات الوفاة أو إرسال باقات الورد هى البديل. كله بقى صور فى صور أصابتنا بالجمود والبرود والغربة مع الجميع حتى أننا أصبحنا نتقبل بعضنا البعض الكترونيا فقط وليس على الطبيعة فزادت المشاكل بين الناس مابين لايكات وكومنتات ومشاجرات فى التعليقات وتريقة وتلقيح بالكلام وشتائم أحيانا والسبب أننا طالما موش شايفين بعض بتبقى البجاحة والجرأة فوق الحدود. وهنا وصلت لمرحلة أعراض الإدمان فأنا لا أطيق أن أتخلى عن هاتفى ولو لنصف يوم وليس يوم كامل فتحدث معى أعراض انسحاب مثل المخدرات تماما من توتر وانفعال وارتفاع فى الضغط. وهنا فقط أدركت الخطر وأن ده إدمان فقررت العلاج وقررت القدوم لسيادتك حتى أتمكن من العلاج المناسب قبل أن تتطور الحالة أكثر وأكثر.

الدكتور: طب تقترح العلاج ممكن يكون إيه من وجهة نظرك.


الرجل: لو كنت أعرف العلاج مكنتش قررت الكشف عند سيادتك.
الدكتور ضاحكا وهو يخرج من جيبه جهاز محمول أيضا: أنا كمان محتاج علاج للإدمان من المحمول ده.

الرجل ضاحكا: بيت النجار مخلع


وهم الرجل بالانصراف وعلامات الخيبة تبدو عليه وانصرف دون أن يسلم على الدكتور.
فصاح الدكتور: يا أستاذ اوعى تنسى تاخد فلوس الكشف وأنت ماشى
فيرد الرجل وهو على مسافة كبيرة ولا يظهر إلا وجهه: لا خليها يا دكتور وحاول تكشف بيه عند دكتور تانى جايز تلاقى العلاج ورقم التليفون عندك وابقى كلمنى وعرفنى سلام.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة