صالح المسعودى يكتب: الغبى والمتغابى

الأربعاء، 13 مايو 2015 02:05 م
صالح المسعودى يكتب: الغبى والمتغابى ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فارق كبير عزيزى القارئ بين معنى الكلمتين رغم قربهما اللغوى فكثير منا يطلق كلمة غبى على أنها سبة فى جبين الشخص (قليل الفهم) وهو من وجهة نظر البعض الإنسان منخفض الذكاء وما إلى ذلك من المسميات والألفاظ التى تعرف معنى الغبى، ولكن ما علاقة المتغابى بالغبى هذا هو محور حديثنا فى هذا المقال البسيط والذى أتمنى فيه على القارئ العزيز أن يمعن النظر فى كلماته لأنها تبحث عن كيفية أن نعدل من سلوكياتنا حتى يسهل علينا التعايش داخل مجتمع متماسك.

فالمتغابى هو من يتكلف الغفلة رغم إدراكه للأمور ترفعا منه عن الصغائر ولم أجد أعظم من قول الله عز وجل يكون قريبًا من المتغافل والتغابى كقوله تعالى (ادفع بالتى هى أحسن) ففى التغافل بعد عن رد السيئة بمثلها بل وتناسيها ترفعا عن سفاسف الأمور التى لا تعقب إلا الأحقاد بين الناس ولهذا تجد بعد قوله (ادفع بالتى هى أحسن) قوله عز وجل (فإذا الذى بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم).

فتخيل معى عزيزى القارئ أنك عندما تتغافل عن زلات الغير رغم علمك بها هو نوع من دفع السيئة بحسنة فيكون المقابل أجمل وهو تحول الخصم إلى حبيب بعدما رأى منك هذا الطيب وهذه الأخلاق الراقية، ثم إننا نجد فى تراثنا الشعبى ما يؤكد تلك الكلمات من خلال أمثال توارثناها مثل (ما محبة إلا بعد عداوة) ومعناها أنك عندما كان ردك على عداوة الغير بشكل طيب نبُت فى قلب خصمك احترام لك جعله يقدر فيك هذا المعروف بل وتنقلب عداوته لحب لك.

ولله در الشاعر عندما يقول (ليس الغبى بسيد فى قومه ** ولكن سيد قومه المتغابى) فمن أراد أن يسود فى قومه وفى محيطه ومجتمعه عليه أن يتغافل عن زلات الناس وقد أعجبنى قول أحد أصدقائى لى فى هذا الصدد (من أراد أن يحتفظ بأصدقائه عليه أن يتعامل بنظام الجملة) بمعنى عدم الوقوف وعد أخطاء الغير والصديق وإن كان ولابد فعليك كل فترة كبيرة أن تعمل له كشف حساب بشكل متوازن وتعدد حسناته أولا ثم تجمع زلاته وساعتها ستجد أن حسناته أكثر بكثير من زلاته .

أما من يقوم بمحاسبة الغير أولا بأول فلن تجد له أصدقاء لأنه يتعقب الأخطاء أولا ومن الممكن أن يتغافل عن الحسنات، ولابد أن تذكر دائما انه لا يخلو شخص من نقص ، وأذكر هنا قول جميل لمحمد بن عبد الله الخزاعى قوله: سمعت عثمان بن زائدة يقول العافية عشرة أجزاء تسعة منها فى التغافل قال فحدثت به أحمد بن حنبل فقال (العافية عشرة أجزاء كلها فى التغافل).

وهناك أقوال كثيرة تدور حول التغافل و التغابى مثل قول الشافعى (عليه رحمة الله) الكيس العاقل هو الفطن المتغافل، والحسن البصرى يقول (مازال التغافل من فعل الكرام) وهناك الكثير من أقوال الحكماء التى تدور حول أهمية التغافل وترك صغائر الأمور والتغاضى عن زلات وعيوب الغير.

كم نحتاج عزيزى القارئ إلى التأسى بتلك التصرفات الجميلة وخاصة فى أيامنا هذه التى تتوالى فيها الفتن كموج البحر، كم يكون جملا أن نجد المتغافل أو المتغابى فى كل مناحى الحياة بداية من الأسرة وبين الجيران وفى العمل فقد مرت الكثير من المحن الشداد على هذا الوطن ولكنه تخطاها بفضل الله ثم بفضل تماسكه فهو فى رباط بفضل الله وعونه إلى يوم القيامة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة