شيخ الأزهر يدعو لمراجعة أمينة لبعض مفاهيم التراث الإسلامى فى افتتاح منتدى تعزيز السلم بالإمارات.. أحمد الطيب: ما كان للإسلام أن ينتشر لولا تسامحه وهناك ضرورة لجمع مطبوعات الجماعات الإرهابية لمحاصرتها

الثلاثاء، 28 أبريل 2015 01:26 م
شيخ الأزهر يدعو لمراجعة أمينة لبعض مفاهيم التراث الإسلامى فى افتتاح منتدى تعزيز السلم بالإمارات.. أحمد الطيب: ما كان للإسلام أن ينتشر لولا تسامحه وهناك ضرورة لجمع مطبوعات الجماعات الإرهابية لمحاصرتها شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
افتتح الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، مؤتمر مُنتدى تعزيزِ السِّلم بالمجتمعات الإسلامية بالإمارات، منذ قليل، بكلمة له شملت الحديث عن تعزيز السلم ومحاصرة العنف من خلال عمل جماعى مشترك لتحقيق الأمن ونشر السلام ودحر العنف ومحاصرته والقضاء عليه.

وقال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر: نحْنُ فى أشدّ الحاجَة إلى مراجعةٍ أمينةٍ وقراءةٍ نقديَّةٍ لبعض المفاهيم فى تراثنا الإسلامى وبيانها للنَّاشِئة فى مُقرَّراتٍ دِراسِيَّةٍ جادَّةٍ تُسهم فى تحصينهم مِن الجماعات المُسلَّحة.

وأضاف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال كلمته فى افتتاح مُنتدى تعزيزِ السِّلم بالمجتمعات الإسلامية بالإمارات، لا بُدَّ من الاتفاق على رؤيةٍ إستراتيجيةٍ واضِحة المَعَالِم لانتِشال شبابنا من حالة الاضطراب والتَّذَبذُبِ العَقدى والفكرى فى إدراك أُصُول الدِّين وأُمَّهَات قضايا العقيدة والأخلاق.

وأشار الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إلى أن الحضارة الإسلاميَّة لَمْ تَكُن لتنتَشـر فى فترةٍ زمنيَّةٍ قصيرةٍ لَولا ارتكازها على مبدأ السَّلام بين النَّاس، قائلا: ما أظنُّ أن هناك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبى الإسلام، متسائلا: ما علاقة الإنسان المسلم بغيره عَلاقةٍ زمالةٍ وصُحبةٍ وارتفاقٍ، تقوم أوَّل ما تقوم على مبدأ السَّلام والتَّعارُف.

وأوضح الإمام الأكبر، أن مُهِمَّة إحيَاء فِقه السَّلام فى دينِ الإسلام: أصُولًا وتُراثًا أمر لَمْ يَعُد ترفًا أو خيارًا مُمكِنًا، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن، حيث أن بعض الفتَاوى أو الأحكَام الَّتى أصدرها هذا الفَقيه أو ذَاك فى العُصُور الخَوالى إنَّما صَدَرت لِمُواجَهة ظروف استِثنائيَّة لا يُمْكِن القِياس عليها الآن.

وشدد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، على أن هناك ضرورة لجمع الكُتب والمجَلَّات التَّى تصدرها الجماعات الإرهابية المُسَلَّحة وتَصنِيفها ونقضها جُملةً وتفصيلًا، مؤكدا أنه لابُدَّ مِن مُحَاصَرة القواعِد العقديَّة الَّتى تنطلق منها جماعَات القَتل المُسَلَّحة وتضلل بها الشباب.

وإلى نص البيان الذى تلاه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، على مسامع 350 عالم وفقيه من قادة الرأى فى العالم..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد النبى الأمى وعلى آله وصحبه..
سمو الشيخ/ عبد الله بن زايد آل نهيان - راعى المنتدى
السَّـادَة العُلَمَــاء والمُفَكِّــرون والمُثَقَّفُــون!
الحَفْــلُ الكَــريم! السَّلامُ عَليكُم وَرَحمَة الله وَبرَكَاتُه..

فى بِداية كَلِمَتى هَذِه يَسُـرنى أن أتقدَّم بِخَالِص الشُّكر والتَّقدير لِدَولَة الإمَارات العَرَبيَّة المُتَّحِدة: حُكومةً راشِدة، وشَعبًا نبيلاً، لرعايتها الكَريمة لِهَذا المُنتَدى، وحرصها المشكور على انعقاده كُل عام، بحُضور دُعَاة السَّلام ومُحبِّى الإنسَانيَّة مِن كُلِّ أصقاع الدُّنيَا.

كَمَا يُسْعدنى أن أزجى الشُّكر مَمزوجًا بالتَّقْدير والإِكبَار لأخى الشَّيخ الجَليل فضيلة الدكتور عبد الله بن بيه رئيسِ هذا المُنتَدى على هذا الجُهد الكَبير فيإعداد هذا المُنتَدى الَّذى نَرجو له النَّجَاح والتَّوفِيق وتحقِيق المقَاصِد والغَايات.

وإذا كانت الورقة التَّصويريَّة قد حَدَّدَت غاية هذا المُلتقى فى إعادة الكَشف عن ثقافة السِّلم وبَيان محوريته فى الإسلام: مِن خِلال قِراءة دَقيقة لنُصُوص الوحى وتُراث السَّلَف، فإنَّ هَذِه الغَاية لا شَكَّ هى مِن أنبَل الغايَات الَّتى يجب أن تَتوفَّر عليها أقلام أهل الاختِصاص، لإِزالة مَا رانَ على فِقه السَّلام من ظُلمَات بعضها فوق بعض، بسبب القراءة المغلوطة والتَّفسيرات الملتوية، التى أدَّت إلى أنْتتحوَّل الأسلحة فى أيدى جماعة من المسلمين إلى صدور مجتمعاتهم وأهليهم بعيدًا عن صُدور أعدائهم ومقاتليهم.


نعم نَحْنُ الآن فى أشدّ الحاجَة إلى مراجعة أمينة وقراءة نقدية لهذه المفاهيم فى تراثنا الإسلامي، وبيانها للنَّاشِئة مِن التَّلاميذ ولِطُلَّاب الجَامِعَات فى مُقرَّرات دِراسِيَّة جادَّة تسهم فى تحصين شَباب العَرَب والمسلمين من الوقوع فى براثن هذه الجماعات المُسَلَّحة، ولا مفرّ لمنتدانا هذا من دعوةالمُختَصِّين واجتماعهم للاتفاق على رؤية استراتيجية واضِحة المَعَالِم بَيِّنة الأهداف والغَايات لانتِشال شبابنا من حالة الاضطراب والتَّذَبذُب العَقديوالفكرى فى إدراك أُصُول الدِّين وأُمَّهَات قضايا العقيدة والأخلاق، إلى حالة الهدوء النَّفسـى والاستقرار الإيمانى والفَهمِ الصَّحِيح لدين أسهَم فى صنع حضارة عالميَّة، وتأسيس أخوة بشـريَّة، وزمالة عالميَّة لم يُنسج على مِنوالها حتَّى يَوم النَّاس هذا..هذه الحضارة الَّتى لَمْ تَكُن لتنتَشـر من غَربالمعمورة إلى شـرقها فى فترة زمنية قصيرة حيَّرت عُلَمَاء التَّاريخ والحضَارة حَتَّى اليَوم - لَولا ارتكازها على مبدأ السَّلام بين النَّاس، ولَولا أن نبى هذه الحضارة قد بُعث رحمة للعالمين أجمعين، ولم يُبعَث رحمة للمسلمين فقط، أو لعَالَم الإنسانية فحَسب بل كما بُعث رحمة للإنسان بُعث أيضًا رحمة للحيوان والنَّبات والجَماد، «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»{الأنبياء: 107}، والرَّحمَة يلزمها السَّلام، بل هى مع السَّلام وجهان لعُملة واحدة، ومَا أظُن أن هُنَاك دينًا من الأديانِ ولا نِظامًا اجتماعيًّا أو دستوريًّا رَحم الإنسان وعَصمَ دمه مثل ما عصمه نبى الإسلام.. ومن المؤكَّد أن القرآن الكريم هو الكتاب الأوحد الذى جمع على قاتل الناس عقوبتين: القصاص فى الدنيا والعذاب العظيم فى الآخرة.. ويكفى أن القُرآن يسوى بين قتل نفس واحدة -بغير حق أو فسادٍ فى الأرض- وقتل سَائِر النَّاس، وبين إحياء هذه النَّفس وإحياء جميع البشـر.. «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَــا النَّاسَ جَمِيعًا»{المائدة: 32}.

بل أن الإسلام ليُحرِّم مجرد ترويع الإنسان وتخويفه، حتى لو كان التَّرويع على سَبيل المُداعبة والمزاح، يقول النبي«منْ أشارَ إلى أخيه بحديدةٍ، فإنَّ الملائكةَ تلعنُهُ حتَّى يَدَعهُ وإن كان أخاه لأبيهِ وأُمِّهِ»( )، وقال: «لَايَحِلُّلِمُسْلِمٍأَنْيُرَوِّعَمُسْلِمًا»( )، ولقد بلغت رحمته ورفقُه بالحيوان أنَّه رأى مرة جملاً تتساقط الدموع من عينيه، وتبدو عليه أمارات التَّعَب والإرهاق، فاستدعى صاحب الجمل وكان غُلامًا من الأنصار وقال له: «أفلا تتقى اللهَ فى هذه البهيمة التى مَلَّكَكَ اللهُ إياها؟ فإنه شكى إلى أنك تُجيعه وتُدئبه»( )، ولا ينبغى أن نستنكر –أيُّهاالإخوة- هذا التَّواصل الحَى بين الأنبياء وبين الكائنات الأخرى من حيوان ونبات وجماد، أو نستبعد حدوثه انطلاقًا من أن النَّاس لا يعرفون حيوانًا تحدَّث إلى إنسان وشكى إليه، فإنَّك لو ذهبت تتعرَّف على علاقة الإنسان بالكائنات فى منظور الإسلام، فإنَّه سَيُدهشك أن تعلم أن هذا الكون بكل عوالمه – فى منظور القُرآن الكَريم - ليس ميتًا أو جمادًا أصم محرومًا من الوعى والإدراك ومن حياة تناسبه، وصَريح القُرآن يدل دلالة واضحة على أن هذا الكون بكل عناصره، أيًّا كانت هذه العناصر، يعبُد الله ويُسبِّحه، بل ويَسجُد له أيضًا، وإنْ كُنَّا نفقد الأهلية والشـروط التى تمكننا من أن نرى سجوده أو نفقَه تَسبيحه، والآيات الواردة فى هذا الشَّأن كثيرة جِدًا وتُفتتح بها سور عِدَّة، والعَقل لا يتصوَّر تسبيحًا ولا سجودًا من ميِّت لا إدراك له ولا حياة فيه، بل وصف الحياة للكائن المُسَبِّح السَّاجد يسبق بالضَّـرورة وصفه بالسُّجود والتَّسبيح: «وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا»{الإسراء: 44}، "أَلَمْ تَرَ أن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّــجَرُ وَالــدَّوَابُّ وَكَثِيـــرٌ مِّنَ النَّاسِ» {الحج: 18}، "وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِى مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ» {سبأ: 10}، ومعنى أَوِّبِى معه: «رجِّعِى معه» الذِّكر والتسبيح.


وبِهذا المَنطق نفهَم قول النَّبى  فيما رواه الإمام مُسلم:
«إِنِّيلَأَعْرِفُحَجَرًابِمَكَّةَكَانَيُسَلِّمُعَلَيَّقَبْلَأَنْأُبْعَثَإِنِّيلَأَعْرِفُهُالْآنَ»( )، وانطِلاقًا مِن هَذِه النُّصُوص القاطِعة يَتبيَّن لنا أن علاقة الإنسان المسلم بغيره أيًّا كان هذا الغير إنسانًا أو حيوانًا أو نباتًا أو جمادًا هى فى فلسفة الإسلام علاقة زمالة وصُحبة وارتفاق، تقوم أوَّل ما تقوم على مبدأ السَّلام والتَّعارُف، وأنَّ الإسلام من هذا لمُنطلق تحديدًا لا يُبيح القَتل إلَّا فى حالة واحدة وحيدة هى ردّ الاعتِداء، أو استيفاء حَقّ من حُقوقِ الله تعالى الثابتة بنص قطعى الدَّلالة والثُّبوت، ومن هُنَا ندرك لماذا حَرَّم الإسلام على المُسلِمين قتل الضُّعَفَاء فى مُعسكر العَدو، ومنع من هَدم بنيانهم، وحرق أشجارهم وقتل نحلهم وحيواناتهم إلَّا لضـرورة الأكل وعلى قدرها، لا تتجاوزه ولا تتعداه وذلك لأن كل أولئك لا يتصور منهم عُدوان ولا اعتداء، حتَّى قال الأديب المشهور (مصطفى الرافعي): "إنَّ لسيوف المُسْلِمين أخلَاقًا".

أيُّهَا الحَفْلُ الكَـريم:


إنَّ مُهِمَّة إحيَاء فِقه السَّلام فى دينِ الإسلام: أصُولًا وتُراثًا أمر لَمْ يَعُد ترفًا أو خيارًا مُمكِنًا، بل هو أشبه بطوق النجاة الآن. وحسنًا فعل هذا المنتدى الكريم فى تبنِّى مسؤولية جَمع هذا الفِقه وتجليته للخامل والنَّبِيه على السَّواء، وأرى أن يتبنَّى المُنتدَى بالتَّوازى عمَلًا آخر هو جمع الكُتب والمجَلَّات التَّى تصدرها الجماعات الإرهابية المُسَلَّحة، وبخاصَّة عبر وسائِل النشـر الإلكترونيَّة، وتظهر بأكثر من لُغة غير اللُّغة العَرَبيَّة، والَّتى تحمل خَطرًا داهِمًا على الشَّباب، هذه الكتب والمقالات لابُدَّ من جمعها وتَصنِيفها ونقضها جُملةً وتفصيلًا، وثَمَّة عمل ثالث لابُدَّ مِنه لِمُحَاصَرة القواعِد العقديَّة الَّتى تنطلق منها جماعَات القَتل المُسَلَّحة، وبِخَاصَّة: قاعِدة التَّكفير، أو مَبدأ التَّكفير الَّذى أصَّلوه فى أدبياتهم وضَلَّلوا به قِطَاعًا عَريضًا مِن الشَّباب المُسلِم فى الشَّـرقِ والغَرب، ومِن المُحزِن – أيُّها الحَفلُ الكَريم - أن تصدر فى هَذِه الأيَّام الصعبة الَّتى نعيشها الآن كُتب ومَنشُورات بأقلام طائفة مِن المُنتَسبين للعِلم، يتناولون فيها مسألة التَّكفير، ويفرِّقون فيها بين التَّكفير الجَائِز وهو تكفير المُطلق وتكفير المُعيَن الجَائِز بشـروط، ومثل هَذِه الأقوال لَا تُناسِب ظروف الأُمَّة الآن بِحال من الأحوال، ولَا تدعم قَضيَّة السَّلام الَّذى نسعى إليه جميعاً، ونَحْنُ لا نُنَاقِش هُنَا مَسألة تكفير المُطلق وتكفير المعيَن، وكيف أن هذا التَّقسيم لَمْ يَرِد فى كِتاب ولا سُنَّة، وإنَّما هو مِن أقوال المُتأخِّرين، الَّتى تخضع لإعمال النظر والأخذِ والرَّد.

ولكنا نُنبِّه فقط إلى أن بعض الفتَاوى أو الأحكَام الَّتى يَصدرها هذا الفَقيه أو ذَاك فى العُصُور الخَوالى إنَّما صَدَرت لِمُواجَهة ظروف استِثنائيَّة لا يُمْكِن القِياس عليها الآن، وقَضيَّة التَّكفير أصدَق مِثال على دعوانا هَذِه، حيثُ نرى جماعات الإرهاب المُسَلَّح اليَوم تستند إلى أحكام يَنقلونها عن ابن تَيمية وابن كَثير رَحِمَهما الله، تَنُص على أن النُطق بالشَّهادتين لا يَكفى للحُكْم بإسلام الشَّخص، بَل لابُدَّ من اقْتِران العَمَل بهما والخُضُوع الكَامِل لأحكَام الإسلام، والالتِزام "بالدِّفاع عن الجَماعة والدَّولَة الإسلاميَّة والشَّـريعة"( )، فإذا خَرج المُسْلِم، أو المُسْلِمُون عن هَذِه الشُّـروط فَهُم كُفَّار يَجب قِتالهم.. وجَليَّة القَول فى هذا الفَهم المَغلُوط أن ابن تيمية رَحِمَه الله إنَّما قال ذلك الكلام فى القرن السَّابع والقرن الثَّامن الهجريين، وكان مشغولًا بمُواجهة المعَارك العَنِيفَة الدَّامية بين المسلمين وغارات التَّتار الذين أسقطوا بغداد واستولوا على الشَّام ووصَلوا إلى مصـر التى هزمتهم فى عين جالوت.. وكان التَّتار فى ذلكم الوقت يُظهرون إسلامهم ويُبطنون كُفرهم، وكان حُكَّام الدُّويلات المُسْلِمة لا يجدون حرجًا من الاستعانة بهم فى السَّيطرة على ما تبقَّى فى أيديهم من البِلاد، وفى هذه الظروف تحديدًا قال ابن تيمية مَا قال من أنه لابُدَّ مِن اقِتران العَمَل بالشَّهادتين حتَّى يَمتاز المسلم عن غيره من المُتظَاهرين بالإسلام الذين يَكيدون للمسلمين ويقتلونهم.. والسُّؤال هو: كَيف يَصِحّ قياس مُجتمعاتنا الإسلاميَّة الآن على مجتمعات اختلط فيها المُسْلِم بالكافر والمُنافق، والعَرَب بالتَّتار والمَغُول؟! وهل يمكن أن يسوَّى فى الحُكم الواحد بين المجتمعات المُسْلِمة فى القَرن الواحد والعشـرين وبينها فى القرن السَّابع والثَّامن الهجريين!! وكيف أُلغيت كُل الفُروق والسِّياقات والمُلابسَاتِ الفقهيَّة والسِّياسيَّة والظروفِ القاسية الَّتى أثمرت هذا النَّوع من الفَتَاوى المؤقَّتة لِتطُل برأسها من جديد وتُبرِّر لجماعات التكفير إعلان الجِهاد على مجتمعات تُؤمن بالله ورسوله وتُقيم الصَّلاة وتُؤتى الزَّكاة وتَصُومُ رمضان وتحج إلى بيت الله الحَرام، ثُمَّ أين ما اتَّفق عليه فقهاء الأمة من أن الفَتوى تَتغيَّر بتغيُّر الزمان والمكان والظروف والأحوال!!.

أن هَذِه الفَوضى الدَّمَويِّة -الَّتى تتَّخِذ من مَقُولة التَّكفير حُجَّةً وسَندًا-تحتاج إلى استِنفار علمائى يَتصَدَّى لهذه الفِتنة فى كُل عَواصِم العَالَم العَرَبي، بَل فى كُل مَدينة فيه، ولا يَتحقَّق ذَلِك إلَّا بالنزول إلى حقول التَّعليم وبخاصَّة: التَّعليم قَبل الجامعي.. ولَعَلَ اجتماعًا يلتقى فيه المسؤولون عن التَّعليم فى العالم العربى وأيضاً المسؤولون عن المدارس والمعَاهِد الدِّينية لِوضع مَنهج عِلمى مُشترك يستند إلى رأى الجمهور فى النَّهى عن التَّكفير نهيًا قاطعاً لا لفَّ فيه ولا دوران، ويصاغ فى مُقرَّر دراسى جاد يفند أغاليط التَّكفيريين تفنيدا فكريًّا وتربويًّا على مستوى الوطن العَرَبى - أقول لَعَلَ اجتماعًا كهذا أصبَح الآن ضَرورة من الضَّرورات القُصوى، ذلكم أن التركيز على التَّعليم أو الخِطاب التَّعليمى أهَم وأجدى من التَّركيز على خِطَاب الجُمهور، لأن القَاعِدة العَريضة من الجَماهير لاتزال مُحصَّنة ضِدَّ ثقافة التَّكفير، بِخلاف الجيل الجَديد الَّذى يعول فى اكتساب المعرفة على وسائل الاتصال الإلكترونية، وهى مُخترقة اختراقًا كاملًا من قِبل هذه الجماعات، وتستهدف أوَّل ما تستهدف شباب الطلاب من المرحلة الثانويَّة والجامعيَّة.

واسمحوا لى أيُّها السَّادة الفُضلاء أن أختم كلمتى ببيان أن الحملات التى تشنها وسائل الإعلام على الخطاب الدِّينى بحسبانه المسؤول الأوَّل والأخير عن ظهور "داعش" وأخواتها وبنيها وحفدتها هى حملات تتصف بالسطحية فى تبسيط الأمور، وهى إذ تختزل أسباب ظهور هذه الجماعات فى سبب واحد هو: الخطاب الدِّينى فإنها تتغافل أو تتعامى عن عوامِل أخرى دفينة دفعَت بهؤلاء الشباب إلى انتهاج العنف المُسَلَّح كحل أخير يائس لتغيير مجتمعاتهم! أن الإخفاقات المتتالية وثقافة التهمييش التى عاشها هذا الجيل على أكثر من مستوى أسهمت إسهامًا واضحًا فى شعور الكثيرين بالإحباط واليأس، وبخاصة الإخفاقات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والنَّفسيَّة، والخِطاب الدِّينى وحده لَيس هو الحَل، بل هو جزء من حل المشكلة، فهناك خطابات عِدَّة: سِياسيَّة واقتصاديَّة وتعليميَّة وثقافيَّة وإعلاميَّة وفنيَّة كانت كلها معاول هَدم وتحطيم لآمال النَّاس وأحلامهم وتحتاج الأن إلى إصلاح لا يقل شأنًا ولا خطرًا عن إصلاح الخِطاب الدِّيني.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة