المشردون فى المياه الإقليمية.. رحلة صيادى بحيرة المنزلة إلى إريتريا تنتهى باحتجازهم فى السودان.. العائدون القصر: طلبنا من الشرطة السودانية ملابسنا لبرودة الجو فانهالوا علينا بالمياه الباردة

الخميس، 23 أبريل 2015 10:34 ص
المشردون فى المياه الإقليمية.. رحلة صيادى بحيرة المنزلة إلى إريتريا تنتهى باحتجازهم فى السودان.. العائدون القصر: طلبنا من الشرطة السودانية ملابسنا لبرودة الجو فانهالوا علينا بالمياه الباردة بحيرة المنزلة - أرشيفية
كتبت سماح عبد الحميد - رامى سعيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«انقلبت الدنيا على واقعة تعذيب كلب.. بينما لم يتحرك مسؤول واحد عندما لقى 28 صيادًا حتفهم فى المياه الإقليمية.. صيادو مدينة المطرية دقهلية للأسف لا يساوون هذا الكلب»، بهذه الكلمات عبر نقيب صيادى المطرية السابق عن الأوضاع المتردية التى تعيشها مدينتهم المنسية، والتى كانت فى وقتٍ سابق مدينة متألقة يعيش الأهالى على حرفة الصيد من بحيرتهم بحيرة المنزلة.

واقعة حبس عدد من صيادى المطرية بالسودان كشفت عن واقع أليم تشهده بحيرة المنزلة التى تحولت من مصدر رزق للأهالى لمصدر عبء ونقل أمراض بعدما تحولت البحيرة من ثروة سمكية إلى بحيرة غارقة بالصرف الصحى والصناعى والزراعى، وهو الأمر الذى دفع الصيادين نحو المياه الإقليمية، وهو أيضا ما دفع 3 مراكب محملة بـ 108 صيادًا من ميناء «برانيس» إلى إريتريا للصيد والارتزاق من هناك، إلا أنهم أثناء عبورهم بالمياه ألقت الشرطة السودانية القبض عليهم واحتجزتهم.

المياة الإقليمية


«اليوم السابع» انتقلت إلى مدينة المطرية بالدقهلية والتقى بعدد من الصيادين العائدين من السجون السودانية كما استمع إلى أهالى المحتجزين الذين تحدثوا عن وقائع احتجازهم والمعاملة السيئة التى تعرضوا لها.

محمد كمال البالغ من العمر خمسة عشرة عاما، ويعمل صيادًا، قال «سافرنا علشان نجيب عشرة جنيه مش علشان نتلطم التلطيمة دية»، ويضيف «فى البداية خرجنا على متن 3 سفن يمتلكها الحج رشاد علوش وكان عددنا 108 وأثناء سيرنا بالمياه الإقليمية متجهين إلى إريتريا فوجئنا برصاصات طائشة أجبرتنا على الوقوف ليصعد بعدها مسلحون قادونا إلى البر».

وأضاف لـ«اليوم السابع»: «تعرضنا للضرب والتعذيب على الشاطئ وعندنا أخبرناهم بأن البرد قارص ونريد أن نرتدى ملابس ثقيلة سكبوا علينا مية ساقعة وأهانونا بألفاظ خادشة»، مشيرًا إلى أنهم نقلوهم بعد ذلك للسجن.

ولصغر سن «كمال» لم يحتجز مع باقى الصيادين وتم التحفظ علية بمكان آخر إذ يقول: احتجزونا بعيدًا عن نطاق السفينة أنا و5 آخرون وبعد التحفظ علينا بأيام تم عرضنا على القاضى الذى حاكمنا نحن وباقى الصيادين وحكم علينا بـ6 شهور وغرامة 5000 جنيه.

ويوضح كمال أنه بعد النطق بالحكم قال بعض الصيادين حسبنا الله ونعم الوكيل فرد القاضى «وشهر كمان علشان الحسبنة»، مشيرا إلى أنه بعد الحكم عرضوا مرة أخرى بعدما استطاع مالك السفينة من توكيل محامٍ سودانى للدفاع، وأمام المحكمة سأل القاضى: هل أنتم مخطئون؟ فقلنا: لا، فقال: أنت مخطئون، فقلنا مخطئون مخطئين بس نمشى، وهنا وقع القاضى على أوراق إخلاء السبيل.

السفارة المصرية


ويؤكد كمال أن السفارة المصرية التقتهم بعد الإفراج عنهم وقدمت لهم طعامًا وهو 5 دون السن ومسن واصطحبتهم إلى المطار وأعادتهم إلى ذويهم مرة أخرى، ويشير «م. ك» إلى أنه رغم ما تعرض إليه من إهانات وصعوبات سيسافر مرة أخرى لأن الصيد مصدر رزقه الوحيد.

وبنبرة طفولية خالصة روى عبدالرحمن عربى البالغ من العمر خمسة عشرة عاما قصة احتجازه هو وأخيه وأبيه قائلاً: «كان معانا تصريح صيد بإريتريا إلا أننا فوجئنا ونحن نتقدم بالمياه الإقليمية بضرب نار وقفنا وانتظرنا الشرطة التى جاءت واصطحبنا إلى البر، وهناك قالوا لنا سنلقى نظرة على التصاريح ونطلق سراحكم إلا أنهم لم يفعلوا ذلك واحتجزونا وأهانونا».

ويضيف «عربى»: فى السجن لم يقدموا إلينا أى طعام وبعد حبستنا بأيام وقفنا أمام المحكمة والقاضى أخلى سبيلنا ولكنه قال إذا رأيتكم مرة أخرى ستكون هناك محاكمة غير تلك، وبسؤال «عربى» إن كان ينتوى النزول للمياه مرة أخرى والصيد قال بإنه سيفعل لأنه لا يمتلك خيارًا آخر.

بجلباب أسود بسيط، ونقاب لم يكشف عن ملامح وجهها لكنه لم يخف صوتها المبحوح، أو الدموع التى ملأت عيناها جلست أم أحد شهداء البحر تحكى قصة فقد ابنها ورجلها الوحيد، الذى فقدته كما تقول ميتا فى بحر السويس الذى حاول أن يبحث فيه عن مصدر رزق جديد بعد أن ضاق رزق بحيرة المنزلة بأهلها.

السيدة رفضت تماما توجيه أى لوم لأى من شباب القرية الذين يقررون باستمرار السفر لممارسة مهنتهم فى مياه أخرى غير البحيرة حتى وإن كان الثمن فقدان حياتهم أو اعتقالهم كما هو الحال فى الأزمة الأخيرة، حيث تقول «لو فى شغل فى المطرية الشباب مش هيطلعوا برة بيروحوا يدوروا على شغل على جنيه مش لاقيينه فى بلدنا».

الحادثة التى تعرض لها ابنها يعود تاريخها إلى ديسمبر الماضى بمنطقة جبل الزيت بالبحر الأحمر حيث توفى 13 صيادا من المطرية، بعد أن صدمتهم سفينة تجارية، وهى واحدة من عدة حوادث يتعرض لها صيادو المطرية فى أماكن مختلفة فى كل مرة يقررون الذهاب للصيد فى منطقة جديدة لعدم وجود أسماك فى المنزلة بسبب الصرف الصحى الذى يتسبب إما فى نفوقها أو هروبها من المياه.

وتستطرد «م. ن» قائلة «ابنى مات وساب بنت عندها 9 شهور اتحرمت من إنها تقول كلمة بابا والحكومة لم تهتم»، وبسؤالها عما إذا كانت حصلت حتى على تعويض أكدت أنهم لم يحصلوا على تعويض وأن التعويض لا يفرق معها فى شىء، مضيفة: «التعويض عمره ما هيرجعلى اللى راح منى الفلوس مش هترجعلى خبطة ابنى على الباب ولا هتسمع بنته كلمة يا بابا لو حد من المسؤولين يوافق يتنازل عن ابنه وأديله فلوس أوافق أنا بالتعويض».

البحيرة ماتت والقرية كلها ماتت معاها بهذه الكلمات بدا فهمى عبدالبديع حديثه، وهو أحد الصيادين الذين توقفوا عن نزول البحيرة منذ سنتين رغم أن الصيد هو مصدر رزقه الوحيد، مؤكدا أن الأزمة الرئيسية التى طالب الأهالى مرارا وتكرارا بحلها هى تحويل الصرف عن البحيرة.

وقال عبدالبديع «بحيرة المنزلة كانت كبيرة جدا ولكن الحكومة أهملتها منذ الثمانينات والأهالى وحدهم هم من يدفعون الثمن حاليا فبعض أجزاء البحيرة استولى عليها مجموعة من البلطجية حتى تقلصت مساحة البحيرة ولم يعد فيها مكان للصيد ولا مكان تعيش فيه الأسماك بسبب الصرف الصحى الذى يصب فيها من تسع محافظات».

وأضاف «أهل القرية يموتون كل يوم فى مكان شكل، رغم أن المسؤولين يعرفون أزمة البحيرة والحل فى أيديهم ولكنهم يتجاهلونه، كل ما نحتاجه هو تحويل الصرف عن القرية لا نحتاج إلى أى مكان آخر حتى يتمكن الأهالى من معاودة الاعتماد على البحيرة كمصدر رئيسى للصيد ولا يضطرون إلى السفر لبلاد أخرى فلا يوجد منا من يسعى إلى الموت بنفسه».

«زوجى مركب شرايح فى ظهره واتصل بينا وعيط، وقالى اتحكم علينا بـ7 شهور، إنها «س. م» التى لا تعرف أين يسافر زوجها الصياد فهو كل مرة يغيب عدة أيام ويعود بما رزقه الله إلا أنه هذه المرة لم يعد واتصل بزوجته وأخبرها بأنه محبوس فى سجن بالسودان.

وأضافت «أخبرت زوجى بأن يخطر المسؤولين ويظهر لهم ظهره والمسامير فبكى وقال ليس لديهم رحمة لا يقدمون لنا طعامًا، ويجبرونا على حمل شكائر الملح، مضيفة أنه لولا الظروف ما سافر زوجها وتغرب لأنه مريض ويحتاج للمساعدة والاهتمام بحالته الصحية».

نسيم بدر الدين نقيب صيادين المطرية السابق يُرجع أصل مشكلة المحتجزين فى السودان إلى بحيرة المنزلة التى تردت أوضاعها بدءًا من السبعينيات وذلك بعدما أسندت إلى هيئة الثروة السمكية بعد أن كانت فى حوزة حرس الحدود والقوات المسلحة.

وتحدث نسيم لـ«اليوم السابع» عن أوضاع الصيادين وما آلت إليه الأمور قائلاً: أوضاع صيادى بحيرة المنزلة سيئة للغاية، فتقريبا صياد المطرية لف العالم كله بحثًا عن لقمة العيش ورغم ذلك لم يجد من يحنو عليه سواء كانت الدولة أو مسؤولاً.

واستطرد «نسيم» كشفًا عن حادث مأساوى وقع للمدينة من عدة شهور: «مركبة بدر الإسلام خرجت إلى للصيد فمات 28 صيادا ولم يسأل أحد، مشيرًا إلى أن الدولة بأكملها انتفضت من أجل واقعة تعذيب كلب لكنها لم تتحرك ساكنا لموت الصيادين، ولم نتلق برقية عزاء حتى من محافظ الدقهلية، وكأن الكلب أفضل من البشر».


موضوعات متعلقة:


محافظ دمياط: تطوير بحيرة المنزلة يسهم فى زيادة الدخل القومى








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة