د. مشيرة خطاب تكتب: ثقافة الطهارة.. والأمل فى التعليم..أحكام القضاء بإدانة أطباء الختان ترسل رسالة قوية لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجريمة بحق الفتيات مرة أخرى

الأحد، 01 فبراير 2015 01:49 م
د. مشيرة خطاب تكتب: ثقافة الطهارة.. والأمل فى التعليم..أحكام القضاء بإدانة أطباء الختان ترسل رسالة قوية لكل من تسول له نفسه ارتكاب الجريمة بحق الفتيات مرة أخرى مشيرة خطاب
"نقلاً عن العدد اليومى"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نساء مصر سطرن التاريخ بحروف من نور، ما بين العهد الفرعونى حيث قادت الجيوش وحكمت البلاد وثورة 30 يونيو التى أعطت مصر فرصة ثانية لاستعادة هويتها السمحة والمستنيرة فى ظل سيادة القانون. خلال هذه القرون نهضت مصر فى ظل ثقافة تحترم النساء، وتعثرت عندما سادت مفاهيم التخلف.

اكتب كلماتى هذه فى لحظة انتصرت فيها ثقافة التنوير على قوى الظلام بانتصار دولة القانون. فقد أصدرت محكمة استئناف أجا منذ أيام فى يوم السادس والعشرين من شهر يناير الجارى حكما تاريخيا فى قضية سهير الباتع ذات الثلاثة عشر ربيعا، والتى ماتت فى عيادة الطبيب رسلان فضل إثر قيامه بقطع جزء من أعضائها التناسلية. يقضى الحكم بحبس الطبيب سنتين مع الشغل وتغريمه 500 جنيه عن جريمة القتل الخطأ وغلق مركز الحرمين للجراحة الذى وقعت فيه الجريمة لمدة عام.

ما يجعلنا نعتبر هذا الحكم حكما تاريخيا هو أنه يمثل المرة الأولى التى تجرى فيه محاكمة جنائية لمرتكبى هذه الجريمة بموجب المادة 242 مكرر من قانون العقوبات ويصدر فيها حكم بإدانة الجناة. كما أنه أول حكم يعتبر ولى الأمر الذى اقتاد ابنته إلى الطبيب جانيا تطبق عليه عقوبة الحبس، وإن كانت مع وقف التنفيذ. فالجانى ليس فقط من قام بالقطع أو البتر أو التشويه، ولكن أيضا من سهل أو مهد لوقوع الجريمة.


ومما لا شك فيه أن صدور حكم محكمة الاستئناف لم يكن بالأمر الهين، فقد تابعنا المراوغة والمناورة وتغيير المواقف. لقد أذهلنى أن تقضى محكمة أجا الابتدائية فى شهر نوفمبر الماضى بانقضاء الدعوى الجنائية فى القتل الخطأ بعد التصالح بين الجناة وهما الطبيب ووالد الضحية.

كما تابعت المناورات التى قاما بها وهى معتادة ومتوقعة. فقد أبلغ الوالد عن الواقعة بعد وفاة الطفلة واتهم الطبيب بالإهمال الجسيم أثناء إجرائه «الختان»، الأمر الذى تسبب فى الوفاة. ثم عاد وأنكر إجراء الختان عندما تبين أن القانون يجرمه لاقتياده ابنته إلى الطبيب.

كما تابعت مراوغات الطبيب الذى أنكر قيامه بالختان وأن ما قام به هو إزالة زوائد جلدية. وكانت خيبة أملى عظيمة عندما ترنحت تقارير أعدتها جهات طبية تفيد بعدم الإهمال وأن الموت نتيجة صدمة عصبية وأن تدخل الطبيب كان سليما.

واعترف أن صدور الحكم أثار لدى مشاعر متناقضة، مشاعر بالرضى والفخر مثلما أثار مشاعر بالأسى، أشعر بالرضا لأنه الأول الذى يصدر تنفيذا لقانون العقوبات المعدل بالقانون 126 لعام 2008 فى مادته 242 مكرر. وأشعر أيضا بالخجل وأنا أصف الحكم بأنه حكم تاريخى. لكنه واقعنا المرير الذى أصبح ينسب هذه الممارسات الوحشية إلى ثقافتنا.

ويتعين أن نعترف بأن الجهود المستميتة التى تبذل للقضاء عليها توضح صعوبة القضاء على ممارسة تجذرت على مدى قرون طويلة وأصبحت جزءا من العادات والتقاليد أى جزء من الثقافة، وسمى تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى بالطهارة رغم أنه صنيعة ثقافة الظلام والقهر والخوف والترويع ثم تطورت التسمية إلى ختان الاناث فى محاولة لإضفاء الشرعية على جريمة مكتملة الأركان.

ويكتسب صدور الحكم أهمية خاصة، حيث يصدر فى وقت تخوض فيه مصر معركة ضارية مع قوى ظلامية، ليؤكد للعالم أنها دولة قانون واحترام حقوق الإنسان. ولا يفوتنى أن أشيد بجهود نساء ورجال البرنامج القومى لمناهضة ختان الإناث وتلمسهم كل السبل لكشف الحقيقة وتنفيذ القانون والتى كان لها أبلغ الأثر فى صدور حكم الاستئناف ليعلى سمعة القضاء المصرى، ويدعونا لأن نفخر بنقطة نور تضىء سجل مصر فى السعى لإعلاء حقوق الإنسان وحماية نسائها.

ولا أخفى شعورى بالفخر لصدور هذا الحكم. فقد كان لى شرف المبادرة باقتراح ووضع المسودة الأولى للقانون ضمن إصلاح قانونى شامل لم يقف عند تعديل قانون العقوبات فقط، بل شمل قانون الأحوال المدنية وقانون الطفل رقم 16 لعام 1996. وعلى مدى سنوات خمس تم طرح مشروع القانون لحوار شعبى فى جميع محافظات مصر، فى شراكة رائعة مع والإعلام ورجال الدين والقانون والأطباء والمجتمع المدنى وقادة الرأى والأسر والشباب. وقامت لجنة من خيرة الخبرات القانونية بصياغته النهائية.

ونجح هؤلاء جميعا على مدى عقد كامل فى دحض الخرافات ونشر ثقافة تليق بمصر صاحبة الحضارة وتنقيها من الشوائب الدخيلة. إن تجريم ختان الإناث كان هدفا يبدو مستحيلا، لكنه تحقق بفضل هؤلاء الشركاء وخاصة الأسر الشجاعة التى قررت أن تتحدى الضغوط والخرافات وحطمت الاصنام. هذه الأسر تبحث اليوم عن القدوة والنموذج.

وعلى الرغم من الإخفاقات التى تعرضت لها هذه الجهود على مدى ثلاث سنوات من الأربع الماضية، فإن الأمل كبير فى استعادة الزخم واستكمال المسيرة. فلم يعد القانون رقم 126 لعام 2008 يقف بمفرده فى مواجهة هذه الجريمة وغيرها. بل بات مدعوما بدستورنا الجديد الصادر عام 2014 والذى ينص فى مادته رقم 60 بان» لجسد الإنسان حرمة، والاعتداء عليه أو تشويهه، أو التمثيل به جريمة يعاقب عليها القانون». وأضم صوتى للمطالبين بتفعيل الدستور، ورفع وعى المواطنين بحقوقهم.

ولعل هذا الحكم يحرك المياه الراكدة ويسترد حيوية الجهود الوطنية لمناهضة هذه الجريمة، تلك الجهود التى ألهمت دولا كثيرة تعانى من نفس المشكلة وأعطت مصر دورا رائدا على مستوى العالم، يكفى أن نقارن بين أصداء وفاة بدور عام 2007 ووفاة سهير الباتع عام 2013. فبينما ألهبت وفاة بدور ضمير الأمة ونقلت عدسات التليفزيون ووسائل الإعلام الجنازات الجماعية الصامتة تقودها الفتيات والمحافظون ورجال الدين والأطباء لتجوب محافظات مصر وهم يحملون صور بدور وينددون بالجريمة، ولم تمض أيام قليلة ليصدر قرار وزير الصحة بمعاقبة من يقوم بهذه الجريمة، ثم تصاعدت وتيرة إعلان القرى نبذها لهذه العادة، وفى العام التالى صدر القانون 126/2008 ليجرمها تماما. وعلى النقيض رحلت سهير الباتع فى هدوء.


هذا التداعى يتطلب منا نظرة واقعية ومتعمقة للثقافة التى تحكم وضع المرأة المصرية. والثقافة التى أعنيها ليست الفنون والأدب الراقى بل الثقافة بمفهومها العصرى الذى يعنى العادات والتقاليد وأنماط حياة الجماهير وهو مفهوم يضع المواطن البسيط فى القلب منه. وتنقية الثقافة المصرية العريقة من الشوائب التى نسبت إليها زورا، لن تتم بدون الاهتمام بالتعليم. والتعليم الذى أقصده لا يقتصر على الأبجدية والرياضيات، بل يعنى كل ما يتعلق بتنمية إحساس الإنسان بالكرامة المتأصلة فى البشر ويبدأ فى المراحل الأولى للتعليم ويستمر إلى نهايته.

هو تعليم لا يقف فقط عند أبواب المدارس بل يمتد إلى ما يدور فى وسائل الإعلام والمساجد والكنائس ومراكز الشباب وقصور الثقافة والساحات الشعبية. وأدعو وسائل الإعلام التى حركت ضمير الأمة عقب وفاة بدور، ألا يستغرقها اليوم الإرهاب السياسى ويشغلها عن الإرهاب الفكرى الذى يعصف بنا.

أدعوها أن تساهم فى تطهير ثقافتنا من هذه الشوائب؟
إن صدور حكم الإدانة بالغ الأهمية ويرسل رسالة قوية لكل من تسول له نفسه ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء، إلا أنه لن يكفى وحده للقضاء على هذه العادة المقيتة التى تتستر وراء الظلام بل يجب أن تتبعه إجراءات تستعيد حيوية دور المجتمع المدنى باعتباره رقيبا على تنفيذ القانون، والتزاما سياسيا واضحا بعدم التهاون فى تنفيذ القانون، والتواصل مع القاعدة الشعبية، والقضاء على مخاوفها، وتمثيل المرأة تمثيلا عادلا فى مواقع صنع القرار، والقيام بثورة دينية تطهر مجتمعنا من الفكر المتطرف، وأن تتضافر جهود المثقفين والقائمين على الثقافة والتعليم وعلماء الدين والقانون وقادة الفكر والأطباء لاستعادة الثقافة المصرية الأصيلة التى تحترم المرأة وتحميها من أى شكل من أشكال العنف أو الإساءة أو التمييز، وبدون ذلك لن تكون سهير الباتع آخر من تموت ضحية للفكر الظلامى.


التعليق - 2015-02 - اليوم السابع









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة