محمد أبو هرجة يكتب: مدينة المآسى

السبت، 19 ديسمبر 2015 10:00 ص
محمد أبو هرجة يكتب: مدينة المآسى صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاءت سيارة الشرطة مسرعة بصوتها المعروف قوته وتخترق الحارة المتواضعة وتقف فجأة وينزل منها الضابط مسرعا ومعه أربعة من معاونيه ويدخلون منزلا قديما متهالكا لدقائق وينزلون ومعهم هذا الشاب صاحب العشرين عاما وسط ذهول الجميع وعدم مقاومته ومحاولته إخفاء وجهه واستسلامه وبكاؤه تعطى انطباعا عن الجريمة التى ارتكبها والتى عرفها الجميع بالتفصيل فيما بعد وتنصرف الشرطة بنفس السرعة التى جاءت بها وسط صمت الجميع سواء كانوا فى الشارع أو فى البالكونات والشبابيك وعلى الأسطح وبعد دقائق اكتسح الخبر مواقع التواصل الاجتماعى قبل الصحف بخبر القبض على قاتل الفنانة المشهورة وتقديمه فى أقرب وقت للمحاكمة.

كانت القصة كما تكررت كثير وفقدت بريقها هى القتل من أجل السرقة وهى أن المتهم كان يعمل سائقا لدى الفنانة المشهورة رغم صغر سنه إلا أنه نال ثقتها فى خلال شهور بسيطة نتيجة التزامه الشديد وأمانته، حيث كان قادما من إحدى قرى الوجه البحرى ومازالت لديه بعض أخلاقيات الريف.

وكان يقود سيارتها الفارهة ويقوم بتوصيلها إلى أرقى الأماكن فى مصر أماكن أصابته بالذهول والجنون أحيانا والقهر كثيرا والحسرة غالبا. مظاهر بذخ لم يعتد عليها. البدل الرسمية والعطور الفرنسية التى تعطر ملابسه حيث يبلغ سعر الواحدة منها ما يصلح لأن يكون مقدم شقة. كل هذه المظاهر أصابته بجنون لحظى سولت له نفسه سرقة هذه الفنانة وقتلها فى وقت واحد. لم يكن فى يوم من الأيام يسرق جنيها واحد وحتى الآن لا يعرف ماذا حدث فى هذه اللحظة كيف قتلها؟ كيف حدث هذا؟ . وتم عرضه على النيابة التى باشرت التحقيق فى الواقعه ومع مرور الوقت لم يعد يهتم الناس بالتحقيقات كالعادة، فالحوادث الجديدة فى الأيام التالية أفقدت الاهتمام بالقضية.

ولكن لو قمنا بتحليل هذه النوع من الجرائم المتكررة كثيرا والتى راح ضحيتها الكثير سواء كانوا فنانين أو اشخاص عاديين والسبب معروف ولا يمكن تجاهله هو تصادم الطبقات الاجتماعية الفقر يواجه الغنى الفاحش. والضعف أمام القوة. والهيبة والكرامة أمام الذل والإهانة. وملابس تحمل ماركات عالمية أمام ملابس بالية تمتلئ بالفجوات. تصادم يبرز الفجوة الهائلة التى تهدد المجتمع فكلما زادت المسافة بين الطبقات زادت معدلات الجريمة وخصوصا فى المدن الكبرى مثل القاهرة أنها المدينة القاسية، حيث لا يعرف الناس بعضهم بعضا ولا توجد الرحمة إلا فى شهر واحد فقط مثل موائد الرحمن فى شهر رمضان.

ولكن هذه المدينة التى تمتلئ بالمتناقضات تعج بالمساجد من جانب والملاهى الليلية من جانب آخر. تمتلئ بالعمارات الشاهقة المليئة بالشقق الفاخرة الخاوية من ناحية وبجوارها ينام المشردون فى عشش الصفيح. المحلات العالمية تنتشر فى المراكز التجارية من جانب وملابس مستعملة رخيصة فى الجانب الآخر. نوادٍ رياضية يتكلف الاشتراك فيها مئات الآلاف من الجنيهات من جانب وأطفال فقراء يلعبون فى الشوارع فى الجانب الآخر.

هذه المدينة ينزح إليها الملايين من كل أنحاء مصر هروبا أحيانا أو طلبا للرزق أو أملا فى السفر أو العلاج. وأحيانا يتغير الهدف وتصبح القاهرة التى كانت أجمل مدن العالم مرتعا للإجرام والبلطجة. متى نواجه هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة وكيف نستطيع تقليل الفوارق بين الطبقات.

وكيف نوجه القوة الهائلة للشباب فى جميع أنحاء مصر إلى مشروعات ضخمة بمرتبات كافية تمنعهم من محاولات الهروب إلى أوروبا. نحتاج إلى تكاتف الجميع وأن تكون هناك رحمة بهذه الطبقات التى تعتبر قنبلة موقوتة فى وجه المجتمع المصرى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة