حــســـن زايــــد يكتب: تلك هى الثورة الحقيقية

الجمعة، 06 نوفمبر 2015 12:17 م
حــســـن زايــــد يكتب: تلك هى الثورة الحقيقية الثورة المصرية - أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
قد يحلو للبعض توهماً أن يركب موجة الدعوة إلى ثورة مجدداً، بعد ثورتين. أولاهما: توفر لها أسبابها المنطقية التى قد تدفع إلى الثورة. فقد توفرت مشاعر الغضب المكبوتة، من استشراء الفساد، والإيغال فى التوحش الرأسمالى والاستغلال، والزواج غير الشرعى بين السلطة ورأس المال، وتضافر شريعة الغاب مع غياب منطق العقل والعدل، وانعدام تكافؤ الفرص، وصارت اللامساواة مبدأً فى العدل والظلم على السواء. هنا تفجرت براكين الغضب، واندفعت حممها من مكامنها، دون أن يدرك أحد مستقرها ومستودعها، ودون أن يملك لزمامها اتجاهاً، ولا لمستقرها خزاماً. وما ثارت الجماهير حين ثارت إلا عند انسداد الأفق بدياجير الظلام، وتخييمها على العقول والمدارك، وانهيار منظومات القيم الموروثة، ثارت الجماهير بفقد المنطق والعقل ومكامن الأحلام . ثم كانت الثورة الثانية، عندما أدرك الشعب أن ثورته الأولى، قد أتت اكلها بثمار حنظلية، جماعة ركبت ذات المركب، ولكن بنصوص دينية، تحتفظ لذاتها بحق تأويلها فى المطلق . وكل ما سعت إليه بكل ما أوتيت من قوة، هو إحلال أتباعها محل العاملين فى مؤسسات الدولة، فهاجمت الجيش وقياداته، والشرطة وقياداتها، والقضاء ورجالاته، وحاصروا المحكمة الدستورية العليا، وقادوا البلاد إلى كارثة، كسائق أعمى، يقود سيارة بلا فرامل، إلى منحدر ليس له قرار.

فإذا كانت هذه الجماعة تقف موقفاً عدائياً من مؤسسات الدولة، بل وتسعى إلى هدمها لإحلال مليشياتها محلها، فمن يعمل معها؟. ولمن تعمل إذن؟. خاصة أن هذه المؤسسات ليست مستوردة، ولا هى فئوية، وإنما هى من ذات النسيج المجتمعى الذى تسعى إلى قيادته، وهى من ذات القماشة التى تعمل عليها، وبها . ومن هنا جاءت الثورة الثانية التى أطاحت بهذه الجماعة، وهى ثورة بحق وليست انقلاباً كما يذهب البعض. وما كان دور الجيش فيها سوى تحييد القوة الباطشة المسلحة لهذه الجماعة التى نرى أثارها أعمالاً تخريبية ودموية ما زالت شاهدة على كارثة قيادتها لبلد بحجم مصر.

واليوم نسمع دعوات إلى ثورة ثالثة، وكأنى بالثورات الصواعق، دعوة يصدرها أى ناعق، فيخرج المجتمع فى إثره زاعق . كأنما الدعوة إلى ثورة كالدعوة إلى نزهة ينتظرها المجتمع على ناصية أى شارع أو حارة ليتسلى بها وقت الفراغ. فالشعوب حين تثور فإن لثورتها كلفة وأثاراً على كل أبعادها، طولاً وعرضاً، وعمقاً وارتفاعاً، فبثورتها تتزلزل الأرض والأقدام، وتتقلقل الثوابت والأركان، وتنحرث الأرض، وتخرج الحشرات والديدان، وتطفوا الطفيليات، وتنتشر الصراصير والفئران. ومع الثورات تتوالد الأحلام، وترتفع أسقف الطموحات والأمال، وكأن الثورة بذاتها تتخلق معها الأشياء، وتنصلح معها وبها الأحوال، وتتحول الحياة من مآل إلى مآل.

ويبدو أننا نسينا أن الثورات بذاتها لا تؤتى ثماراً، ولا تزيح نظاماً، ولا تعالج فساداً . وإنما فقط تزيح رأس النظام، وتطيح بعنقه. ويعيش المجتمع كله حالة من السيولة العارمة. فهل بذلك تكون قد اكتملت الثورة؟. وهل باندلاع شرارتها، ينزاح الفساد، وتعمر الذمم، وتستيقظ الضمائر، وتنصلح القيم، وتتهذب الأنفس، وتستقيم المسالك، وتتفتح العقول، وتتسع الأفهام؟. هيهات هيهات لما تحلمون. إن الثورة حتى تكتمل حلقاتها، وتؤتى ثمارها، فلابد أن تشتمل على ثورات أخرى . فنحن جميعاً، ودون استثناء، فى حاجة ملحة إلى ثورة على النفس، وثورة على العقل، وثورة على طرائق التفكير ومناهجها، وثورة على العشوائيات التى تعشش فى كل جنبات حياتنا، وثورة على الضمائر، وثورة على الذمم، وثورة على الخرائب، وثورة على التلوث السمعى والبصرى والأخلاقى، ثورة على فقر الفكر وفكر الفقر. تلك هى الثورة الحقيقية. وبتعبير الدين، إذا اعتبرنا الثورة جهاداً، فقد رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.
حينئذ لن يكون هناك محل للتساؤل: ماذا فعلت لنا الثورة؟. لأن الثورة لا تفعل لنا، وإنما نفعل نحن للثورة، وحين يكون الأمر كذلك، نكون قد فقهنا معنى الثورة ومدلولها .












مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة