دعوة «البشير» للحوار الوطنى مبادرة لـ«الإبقاء على النظام».. الرئيس السودانى يسعى لكسب الأقاليم المتمردة على حكمه تجنباً لانفصالها بعد ضياع الجنوب

السبت، 31 أكتوبر 2015 12:50 م
دعوة «البشير» للحوار الوطنى مبادرة لـ«الإبقاء على النظام».. الرئيس السودانى يسعى لكسب الأقاليم المتمردة على حكمه تجنباً لانفصالها بعد ضياع الجنوب عمر البشير
تحليل تكتبه: سهيلة فوزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جددت دعوة البشير للحوار الوطنى مع المعارضة النقاش حول قدرة النظام الحالى فى السودان على إنهاء الحرب الأهلية المشتعلة فى عدة أقاليم، خاصة أن الدعوة لم تلق ترحيبًا داخل أوساط المعارضة والحركات المسلحة حتى الآن، فهل يسعى البشير لإنقاذ ما تبقى من وحدة السودان عبر دعوة الحوار الوطنى، أم يسعى لإنقاذ ما تبقى من نظامه الحاكم؟.. هل من الممكن أن يتحول صانع الأزمة إلى عامل مؤثر فى معادلة الحل؟

لم يدرك البشير وحلفاؤه من الإسلاميين بعد وصولهم للحكم فى السودان عام 1989 - بعد انقلاب عسكرى - أن تميز السودان ينبع من تنوعه العرقى، والدينى، وثقافاته المتعددة التى نجحت فى العيش منسجمة معًا لسنوات طويلة، واعتقدوا أن حل مشاكل السودان تكمن فى توحيد هويته الدينية والعرقية.

انفصل جنوب السودان تحت أعين «البشير» بعد أن فشلت حكومته فى إقناع أهل الجنوب بالإبقاء على السودان موحدًا بعد وقف إطلاق النار بين الشمال والجنوب، ولم تفلح فى تقديم رؤية تنموية لإقليم الجنوب لمحو آثار الحرب التى دارت رحاها لسنوات طويلة وإعادة إعماره، ودمجه مع السودان الأم فى كيان واحد بلا تمييز عرقى يقبل الاختلاف تحت راية وطن موحد بالقضاء على التمرد فى الجنوب، ليصوت بعدها الجنوبيون بنسبة %98 لصالح الانفصال عن الشمال.

كان من الأولى بـ«البشير» أن يستفيد من أخطاء الماضى، ويدرك أن القوة العسكرية ليست الحل الأمثل دائمًا، ويعمل على لم شمل الفرقاء فى السودان، منعًا لتكرار سيناريو الانفصال، وتفكك السودان إلى عدة دويلات، بما يهدر موارده الاقتصادية والبشرية، وقدراته العسكرية أيضًا.

بعد وصول «البشير» للحكم بدأ الترويج لما عرف بالمشروع الإسلامى الحضارى ليقدم من خلاله السودان فى ثوب الدولة العربية الإسلامية وفقط، مما جعل النظام يتمادى فى دعم كل ما هو إسلامى، وصولًا إلى الجماعات المتطرفة التى لاقت ترحيبًا وضيافة على الأراضى السودانية، أبرزهم أسامة بن لادن الذى حل ضيفًا على السودان بعد سيطرة «البشير» على مقاليد الحكم.

هذا الإصرار على حصر السودان فى محور العروبة والإسلام بما يتنافى مع واقع المجتمع السودانى المتعدد الأعراق والديانات أيضًا

. صحيح أن الدين الإسلامى يمثل أغلبية، ولكن الهوية العربية ليست سائدة بما يكفى لنفى الهويات الأخرى، كذلك هناك قبائل أفريقية متعددة تتبع ثقافات تختلف كثيرًا عن الثقافة العربية بجانب انتشار ديانات أفريقية - ليست سماوية - بين تلك القبائل بجانب الإسلام والمسيحية.

أما عمل حكومة الخرطوم على إعلاء العرق العربى الإسلامى فى السودان، وتهميش المواطن السودانى ذى الأصول الأفريقية أو غير المسلم داخل وطنه كان رأس المفاسد ولا يزال.

كان على «البشير» أن ينهى الصراع فى دارفور بوضع خطط تنموية عاجلة لإقليم يعانى من صراعات قبلية حول النفوذ على مناطق الرعى والأراضى الزراعية، ولكن بدلًا من ذلك دعم القبائل العربية بالسلاح فى مواجهاتها مع القبائل ذات الأصول الأفريقية، مع العلم أن أغلب سكان دارفور من المسلمين، سواء العرب أو الأفارقة.

وقد حاول «البشير» مرارًا نفى دعمه لميليشيات «الجنجويد» العربية فى مواجهاتها مع القبائل الأفريقية فى دارفور، ولكن منظمات المجتمع الدولى أكدت دعم «البشير» لـ«الجنجويد» حتى أن محكمة العدل الدولية اتهمت «البشير» بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية فى دارفور لمسؤوليته عن دعم ميليشيات «الجنجويد» المتهمة بقتل الآلاف فى دارفور.

فيما اعترف «البشير» بمقتل 10 آلاف شخص فى الصراع الدائر فى دارفور، بينما قدرت الأمم المتحدة القتلى بـ 500 ألف قتيل.

أبى «البشير» أن تسير الأمور فى اتجاهها المتفق عليه عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل مع حركة تحرير السودان، والتى نصت على إجراء مشورة شعبية عبر الاستفتاء داخل ولاية النيل الأزرق لمعرفة رأى السكان فى اتفاقية السلام، ومدى تحقيقها لتطلعات سكان الإقليم، وجاء انتخاب حاكم ولاية النيل الأزرق كأحد المكاسب المهمة لتوقيع الاتفاقية، ولكن «البشير» قرر عزله فى سبتمبر 2011، بجانب هجوم قوات الجيش على سيارات تابعة لحركة تحرير السودان، حركة المعارضة الرئيسية فى الإقليم، الطرف الثانى فى اتفاقية السلام التى نتج عن الانتخابات فوزها بمنصب الوالى، مما أدى إلى تجدد الاشتباكات المسلحة بين قوات الجيش وجيش التحرير التابع لحركة تحرير السودان، قطاع شمال.

وتعود أسباب الصراع فى النيل الأزرق إلى معاناة السكان من التهميش، ونقص الخدمات والتنمية داخل اللإقليم، والنزاع على بعض ملكيات الأراضى الزراعية أو مناطق رعوية، وانتهجت الحكومة نفس سيناريو دارفور بدعم قبائل على حساب الأخرى.

قبائل النوبة زحفت جنوبًا تاركة شمال السودان كى تحافظ على هويتها الثقافية، ودينها المسيحى بعد الفتح الإسلامى للسودان، وحتى بعد انتشار الإسلام بين قبائل النوبة لم تسلم تلك المناطق من بطش «البشير» أيضًا بعد استقلال الجنوب باستخدام نفس سياساته المتبعة بدعم القبائل العربية فى أى مواجهة مع القبائل ذات الأصول الأفريقية، فكما الحال فى النيل الأزرق، تشن القوات الحكومية حربًا شرسة ضد حركة تحرير السودان فى جبال النوبة منذ أربعة سنوات للقضاء على الحركة المسلحة.

استخدم الجيش السودانى كل ما يمكن تصوره من وسائل لحسم الصراع لصالحه، منها قصف المدارس والمستشفيات، واستخدام القنابل العنقودية المحرمة دوليًا، حسب تقارير منظمة العفو الدولية، وأكدت المنظمة فى تقاريرها حول الصراع فى جبال النوبة أن القوات الحكومية السودانية تصب القذائف والقنابل بشكل عشوائى على السكان المدنيين، مدمرة بذلك حياة الناس، ومصادر رزقهم، ومتسببة فى حدوث أزمة إنسانية ضخمة.

وقال مبعوث الأمم المتحدة إن دارفور شهدت أول إبادة جماعية فى القرن الحادى عشر، وما يحدث فى جبال النوبة قد تكون الإبادة الجماعية الثانية فى هذا القرن.

يأتى ذلك فيما ترفض الحكومة السودانية إدخال المساعدات الإنسانية إلى الأماكن التى تسيطر عليها حركة تحرير السودان، حتى إنها منعت وصول مصل الحصبة إلى الأطفال فى المناطق التى تسيطر عليها حركة التحرير، مما أدى إلى وفاة 30 طفلًا.

وحذرت الأمم المتحدة من حدوث فجوة غذائية فى جبال النوبة مطلع 2016 إذا ما استمرت الحكومة فى سياستها الرافضة لإدخال المساعدات الإنسانية، وقصف الحقول الزراعية.

يذكر أن «البشير» أعلن وقف إطلاق النيران فى تلك المناطق لإجراء الحوار الوطنى الذى دعا إليه، ولكن من يمكنه الوثوق فيمن تسبب فى مقتل الآلاف، وتشريد الملايين على مدى السنوات الماضية وفقًا لقناعات أيديولوجية لا يبدو أن تغيرًا ما قد طرأ عليها فى ليلة وضحاها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة