مرصد الأزهر ردا على "هل يجوز إجبار أصحاب الديانات على اعتناق الإسلام؟".. ديننا لا يُفرق فى التعامل الحسن بين المسلم وغيره.. ويستشهد بآراء المستشرقين.. ويشير إلى حديث نبيل لوقا بباوى: "لم ينتشر بالسيف"

الخميس، 22 أكتوبر 2015 02:00 ص
مرصد الأزهر ردا على "هل يجوز إجبار أصحاب الديانات على اعتناق الإسلام؟".. ديننا لا يُفرق فى التعامل الحسن بين المسلم وغيره.. ويستشهد بآراء المستشرقين.. ويشير إلى حديث نبيل لوقا بباوى: "لم ينتشر بالسيف" مشيخة الأزهر
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى أحدث تقاريره قال مرصد الأزهر الشريف، فى إجابته على سؤال هل يجوز إجبار أصحاب الديانات الأخرى على اعتناق الإسلام؟: "إن الإسلام دين يدعو إلى كل خير، ويَنهى عن كلِّ شر؛ يدعو إلى الإحسان إلى الناس كافَّة، والتعامل معهم بالحسنى؛ قال الله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِى أَحْسَنُ﴾ وقال عز وجل: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾، والإسلام لا يُفرِّق فى التعامل الحَسَن بين المسلم وغير المسلم، سواء كان مشركًا أو يهوديًّا أو نصرانيًّا أو مجوسيًّا، ولقد أوصى النبى محمد صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى كلِّ الناس، قريبًا كان أو بعيدًا، مسلمًا كان أو كافرًا، وليس الإسلام دينًا يجبر غير المسلمين على اعتناقه، أو يُملى على أتباعه الإرهابَ، وسَفْك الدم، وقتْل النفس لجبر الناس على اعتناقه،بل أقرَّ الإسلامُ لغير المسلمين حقوقًا، وألزم أتباعَه القيام بها على خير الوجوه وأحسنها".

وأوضح أن الإسلام أوجب على المسلمين أن يُراعوا الكرامةَ الإنسانيَّة التى وهبها الله تعالى للإنسان لم يُفرِّق فيها بين المسلم وغير المسلم، كما قامت مبادئه وتعاليمه وقِيَمه كلها على احترام الكرامة الإنسانية وصونها وحِفْظها، وعلى تعميق الشعور الإنسانى بصيانة وحماية هذه الكرامة.

وأضاف: "من هذا المنطلق كفل الإسلام الحريات فى حقِّ غير المسلمين: أولاها حرية الاعتقاد والعبادة، فلم يُجبِر الإسلامُ الناسَ ولم يُكرِههم على الدخول فيه، بل وكَل الأمر إلى أنفسهم؛ فقال الله عز وجل: (لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَىِّ) وقوله عز شأنه: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، وقوله سبحانه: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر)، وقوله تبارك وتعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، وقوله سبحانه: (وما أنت عليهم بجبار)، إلى ما يقرب من مائتى آية فى القرآن الكريم كلها تؤكد على حرية الإنسان فى اختيار عقيدته وما يتدين به، وامتثالاً لهذه الآيات الكريمات دأب المسلمون على دعوة الناس إلى الإسلام وعَرْضه عليهم من دون إكراه وإجبار، فهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه يَمُر بعجوز نصرانيَّة، ويَعرِض عليها الإسلامَ ويدعوها إليه قائلاً: أَسلِمى أيتها العجوز تسلمى، أن الله بعث محمدًا بالحق، قالت: أنا عجوز كبيرة والموت إلى قريب، فقال عمر رضى الله عنه: اللهم اشهد، وتلا قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَى﴾".

واستند على قول المستشرقة الإيطالية لورا فيشيا فاغليرى فى كتابها "دفاع عن الإسلام": "كان المسلمون لا يكادون يَعقِدون الاتفاقات مع الشعوب حتى يتركوا لها حريَّة المعتقد، وحتى يُحجِموا عن إكراه أحد من أبنائها على الدخول فى الدين الجديد".

لقد كفَل الإسلامُ لغير المسلمين فى المجتمع الإسلامى حرية المعتقد وحرية العبادة، وحماية معابدهم وصوامعهم وبِيَعهم، وجعل هذا من أسباب الإذن للمسلمين فى القتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إن اللَّهَ لَقَوِى عَزِيزٌ﴾.

وأشار إلى أن توماس أرنولد، أكد فى كتابه الشهير "الدعوة إلى الإسلام": "وقد حافَظ المسلمون على كنائس النصارى، ولم يَمسُّوها بسوء، يقول البطريق النسطورى ياف الثالث فى رسالة بعث بها إلى سمعان مطران ريفاردشير ورئيس أساقفة فارس: وأن العرب الذين منَحهم الله سلطان الدنيا يشاهدون ما أنتم عليه، وهم بينكم كما تعلمون ذلك حق العلم، ومع ذلك فهم لا يُحارِبون العقيدة المسيحية، بل على العكس يَعطِفون على ديننا، ويُكرِمون قُسسَنا وقديسى الرب، ويجودون بالفضل على الكنائس والأديار".

لقد تَمتَّع أهل هذه الديانات لا بحرية الاعتقاد فقط، وإنما أيضا بحرية مناظرة علماء الإسلام فى مجالس الخلفاء إبان مجد وقوة وعظمة الخلافة الإسلامية، ولقد أورد السير توماس أرنولد ـ بإعجاب - كيف أن زعيم المانوية المجوس فى فارس "يزدانبخت" قد أتى بغداد، وناظَر المتكلمين المسلمين، فى حضرة الخليفة المأمون، فلما أفحمه علماء الإسلام، تاق المأمون إلى أن يُسلِم "يزدانبخت"، ففاتحه فى ذلك، لكنه رفض فى أدب، وقال للخليفة: نصيحتك يا أمير المؤمنين مسموعة، وقولك مقبول، ولكنك ممن لا يُجبِر الناسَ على ترْك مذهبهم، فتركه المأمون وشأنه، بل وطلب حمايته من العامة حتى يَبلُغ مأمنه بين أتباعه وأنصار مذهبه من المجوس".

وأشار المرصد إلى قول المفكر المصرى المسيحى الدكتور نبيل لوقا بباوى: "التسامح الدينى الذى حقَّقته الدولة الإسلاميَّة فى مصر، وحرية العقيدة الدينية التى أقرَّها الإسلام لغير المسلمين، وتركهم أحرارًا فى ممارسة شعائرهم الدينية داخل كنائسهم، وتطبيق شرائع مِلَّتهم فى الأحوال الشخصية؛ مصداقًا لقوله تعالى فى سورة البقرة: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ﴾، وتحقيق العدالة والمساواة فى الحقوق والواجبات بين المسلمين وغير المسلمين فى الدولة الإسلامية؛ إعمالاً للقاعدة الإسلامية: "لهم ما لنا، وعليهم ما علينا"، وهذا يُثبِت أن الإسلام لم يَنتشِر بالسيف والقوة؛ لأنه تَمَّ تخيير غير المسلمين بين قَبُول الإسلام أو البقاء على دينهم مع دفع الجزية ـ ضريبة الدفاع عنهم وحمايتهم وتمتُّعهم بالخِدْمات ـ فمن اختار البقاءَ على دينه فهو حُرٌّ، وقد كان فى قدرة الدولة الإسلامية أن تُجبِر المسيحيين على الدخول فى الإسلام بقوتها، أو أن تقضى عليهم بالقتل إذا لم يدخلوا قهرًا، ولكن الدولة الإسلامية لم تفعل ذلك؛ تنفيذًا لتعاليم الإسلام ومبادئه، فأين دعوى انتشار الإسلام بالسيف؟".

وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "العرب لم يَفرِضوا على الشعوب المغلوبة الدخولَ فى الإسلام؛ فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قَبْل الإسلام أبشعَ أمثلة للتعصب الدينى وأفظعها، سُمِح لهم جميعًا دون أى عائق يَمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترَك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يَمسُّوهم بأدنى أذى، أوَليس هذا منتهى التسامح؟".

أقام الإسلام المجتمعَ على دعائم قوية ثابتة؛ منها: العدل بين الناس على اختلاف أجناسهم وطبقاتهم،وأسسه على المساواة والبر، والتسامح والتعايش بين بنى البشر، والتعاون على البِرِّ والتقوى، ولا يَنهى عن الإحسان إلى الناس مهما اختلفت أديانهم وألوانهم وأوطانهم، ويَصون كرامة الإنسان وحريته فى الاعتقاد، والعيش الحر الكريم، وقد أمر الله تعالى عبادَه المؤمنين بالبِرِّ مع غير المسلمين والإحسان إليهم: ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ﴾ [الممتحنة: 8]، وتلك القاعدة فى معاملة غير المسلمين هى أعدل القواعد التى تتَّفِق مع طبيعة هذا الدين ووِجْهته ونظرته إلى الحياة الإنسانية، بل نظرته الكلية لهذا الوجود كله.

إن مشكلة تنظيم ما يسمى (داعش) اليوم أنهم يؤمنون بأن الإسلام جاء بالذبح وبالقتل لحمل الناس على الإسلام وفرضه عليهم بالقوة، لذا فلا حرج عنده أن يذبح الإنسان ويقتله ويحرقه ويرعبه ويروعه ظنًّا منهم أن هذا هو الإسلام، وغاب عن هؤلاء أن الإسلام جاء لإسعاد البشرية وإزالة الشقاء عنهم قال تعالى: (طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، وأن الله تبارك وتعالى منح الحرية للإنسان أن يؤمن أو يكفر فى الحياة الدنيا، ولا حساب ولا عقاب ينتظره إلا فى الدار الآخرة، وأن النفس الإنسانية كما علمنا القرآن وشهد بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مصونة محترمة لا يجوز انتهاكها وسفك دمها إلا بحقها وحسابها على الله.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة