هشام الجخ

المشهد الأول من إخراج (حمدين صباحى)!!

الإثنين، 02 يونيو 2014 06:07 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل شىء يحتاج للوقت.. ولقد ضرب الله لنا هذا المثل فى خلق السموات والأرض فى ستة أيام.. وهو عز وجل القادر بكلمة (كن) ولكنه – تبارك وتعالى – أراد أن يعلم بنى آدم قيمة الوقت ومدى احتياج الخلق له.

وقد مرت التجربة الديمقراطية فى مصر بالوقت اللازم لكى تصل إلى هذه المرحلة.. سأصدقكم القول.. نحن لم نصل إلى المستوى الأمثل بعد.. ولكن المتأمل لمراحل الديمقراطية ومحاولاتنا المستمرة للوصول إليها سيجد أننا قطعنا شوطا لا بأس به فى الطريق.

سأبدأ من البداية.. من الانعدام الكامل لفكرة الديمقراطية فى مصر أيام الزعيم جمال عبدالناصر.. هذا الرجل له العديد من الحسنات فى مجالات عدة.. أما فى مسألة الديمقراطية فقد كان بعيدا كل البعد عن مبادئها حتى.. هذا ليس هجوما على عبدالناصر ولكنه التاريخ والحقيقة.. ربما كانت الظروف وقتها لا تسمح بغير هذا.. من يعلم؟؟.

الخلاصة أن مصر عاشت فى فترة لا تعلم عن معنى كلمة الديمقراطية شيئا.. لا فى العمل ولا فى الإعلام ولا حتى فى العلاقات الإنسانية.. حيث كان الابن لا يناقش أباه وكانت الزوجة لا تسافر بدون إذن زوجها ولا يمكنها أن تطالب بالانفصال عنه وكان التركيب المجتمعى تركيبا قمعيا عسكريا معتمدا على فكرة السمع والطاعة من قبل المرؤوس لرئيسه.

ظل هذا النظام مسيطرا على المجتمع المصرى وتم الترويج له إعلاميا وتم ربطه بشكل ما بالعقيدة سواء الإسلام أو المسيحية وانسجم معه الشعب المصرى وتوارثوه من جيل لجيل.. وبدأ الشعب المصرى ينظر للحكومة على كونها الأب والأم والكفيل والراعى والمسؤول.. وبدأت الانهزامية واللامبالاة وإلقاء كل شىء على عاتق المسؤولين وظهر جيل الستينيات والسبعينيات الذين قدّسوا رئيسهم فى العمل وكرسوا حياتهم للتقرب منه سواء على حق أو على باطل واعتبروا هذا نوعا من الذكاء الاجتماعى وضرورة للعيش فى مجتمع يتعامل مع الأفراد بشكل هَرَمى يقبّل الصغيرُ يدَ الكبير ويعتبره الوحيد الذى من حقه اتخاذ القرارات بدون أى محاسبة أو مراجعة.

وفى عهد السادات استمرت الديمقراطية فى هجرتها خارج الأراضى المصرية.. رغم محاولات السادات (المستحية) لتكوين الأحزاب الصورية ليستطيع أن يواجه الغرب خاصةً بعد معاهدة (كامب ديفيد) التى أعادتنا للاندماج الإجبارى فى خريطة العالم.
ثم ورث (مبارك) هذه التِركة المثقلة.. ورث شعبا لم يمارس الديمقراطية منذ قرابة الثلاثين عاما.. وبدلا من محاولة إزالة آثار الثلاثين عاما المنصرمة أضاف إليها – وحده– ثلاثين عاما أخرى.. ورغم محاولاته فى السنوات الأخيرة من حكمه أن يحسن واجهته بتعديلات شكلية فى الدستور.. ورغم مسلسل انتخابات 2005 الكوميدى.. ظل المجتمع المصرى بعيدا كل البعد عن معنى الديمقراطية الحقيقى.

وفجأة.. وبدون سابق إنذار.. ثار الناس.. وانتهى حكم (مبارك) فى ثمانية عشر يوما.. وحدثت المفاجأة التى لم يستعد لها المواطن المصرى.. ووجد نفسه – فى غمضة عين – مضطرا لاختيار رئيسه ومضطرا لاختيار نائبه فى مجلس الشعب.

ذكرنى بزوجتى عندما تسألنى: أعمل لك إيه النهارده على العشاء؟
فأجيب دائما: أى حاجة.

هذه الإجابة يجيبها معظم الأزواج المصريين.. ولا أكون مبالغا عندما أقول إن منشأ هذه الإجابة المكررة نابعة من التربية التى نشأنا عليها حيث كانت أمهاتنا لا تسألنا عن نوع الطعام الذى نريده ونحن صغار.. وبالتالى عندما نُسأل فى الكبر عما نريد أن نأكله نجيب بحكم العادة: أى حاجة.

إن الإقبال الذى شهدته الانتخابات والاستفتاءات عقب ثورة يناير كان مبشرا ببداية رائعة للفكر الديمقراطى فى مصر.. ولكن – للأسف – ظهرت السنوات الستون التى هجرت مصر فيها الديمقراطية بقوة.. وبدلا من ممارسة الديمقراطية بحرية وبنعومة – كما يمارسها الغرب الذين اعتادوها – ظهرت فى مصر بشكل آخر.. شكل يحمل التعصب والتحزب والتطرف.. وظهرت مسميات لا صلة لها بالديمقراطية مثل (غزوة الصناديق) وتجمهر الناس فى الميادين لفرض رغبتهم وظهرت.. التهديدات المخربة فى حال ظهور النتيجة بشكل لا يرضى رغباتهم.

لقد رفض المصريون أن تمر الديمقراطية على بلادهم دون أن يمصّروها وأن يضعوا (التاتش بتاعهم) عليها.

الشىء الوحيد فى التجربة الديمقراطية المصرية الذى قد يبعث على التفاؤل ويجعلنى أتوقع وصول مصر للمعنى الحقيقى للديمقراطية فى يوم ما هو موقف (حمدين صباحى) عندما خسر الانتخابات أمام (السيسى).. لقد امتلك الرجل الجرأة والشجاعة والأدب لكى يخرج لمناصريه وناخبيه ويعترف بهزيمته فى الانتخابات فى مشهد حضارى قد يكون اللبنة الأولى التى يتعلم منها المصريون معنى الديمقراطية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة