هشام الجخ

سعادة السفير والدور الغائب

الثلاثاء، 18 فبراير 2014 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعود اليوم إلى القاهرة بعد رحلتين متتاليتين إلى الكويت ومنها إلى الرياض.. هذه هى المرة الأولى فى حياتى التى أسافر فيها من دولة إلى دولة مباشرة بدون العودة إلى مصر.. رغم أن الفترة لم تتعد الثمانية أيام فى البلدين، ولكنى أشعر بحنين لا يمكن وصفه تجاه مصر.. ربما واسانى فى فترة الزيارة التفاف المصريين حولى فى البلدين، ولكنى تساءلت بصدق: كيف يحتمل هؤلاء المصريون البقاء خارج مصر كل هذه الفترة؟
بعيدا عن تقليب المواجع على المصريين المقيمين بالخارج.. فكلهم يعملون لقوت أولادهم، وأرزاقهم حكمت عليهم بهذا.. الخلاصة أن المصريين كانوا سلواى وكنت سلواهم فى فترة إقامتى بالكويت والسعودية وبالحفلتين اللتين التقيت بهم فيهما.
فى الكويت «مهرجان هلا فبراير» كان الحضور أكبر، حيث كانت الشركة المنظمة شركة غير حكومية، وبالتالى كان الاهتمام بالدعاية التسويقية للحفل أكبر مما كان عليه الحال فى الرياض «مهرجان الجنادرية»، والذى ترعاه الدولة، ونحن نعلم أن التنظيم الحكومى فى معظم الدول العربية يكون أردأ وأقل كفاءة من تنظيم الشركات الخاصة.. لكن فى الحالتين كان التنظيم والاستقبال والحفاوة والكرم لا يقلّان فى المستوى فى الدولتين العزيزتين.
فى البلدين استقبلنى المصريون من المطار كعادتنا - نحن المصريين - نحب مصريتنا ونفتخر بها ونتسابق نحو كل ما هو مصرى ويزداد هذا الشعور ويظهر جليا عند المصريين المغتربين، ولن يفهمه أبدا المصريون الذين لم يسافروا للخارج.
فى جلساتنا الخاصة أميل إلى السماع أكثر من الحديث.. أحب أن أعرف من الناس مشاكلهم.. كيف يعيشون وكيف يعانون وكيف ينعمون.. فى فترة حكم «مرسى» كان المصريون فى الخارج ينتقدون سياساته بشدة وكنت أعتقد وقتها أنه نقد طبيعى، فكل حاكم مكروه أو على الأقل منتقَد من قبل العامة الذين لن يرضوا أبدا حتى لو جاءهم حاكم ملَك من السماء، فهناك طموحات للشعب وهذه الطموحات والمطالب لا سقف لها، خاصة فى المجتمعات عديمة الشفافية مثل المجتمعات العربية.. وظننتُ أن رحيل «مرسى» سيخلق نوعا من التعاطف معه بعد رحيله كما حدث مع «مبارك»، ولكن يبدو أن سياسة «مرسى» كانت أسوأ بكثير من أن تخلق له تعاطفا شعبيا بعد رحيله، على الأقل فى الدولتين اللتين أتحدث عنهما، ربما لو كانت الزيارة لدول أخرى لاختلف الأمر.
المشكلة التى دفعتنى لكتابة هذا المقال هى موقف الجاليات المصرية فى الخارج والمعاناة التى يعانون منها، لقد اعتمد نظام «مبارك» المستقر جدا - آنذاك - على اختيار سفراء قد لا يملكون المقومات الكافية لتولى هذا المنصب، ولكن كان ما يهمه - وبشدة - ويعتمده كمقوّم أساسى ورئيسى هو الولاء.. الولاء المطلق للرئيس.. الرئيس وقتها كان هو الدولة.. مصر تعنى «مبارك» و«مبارك» يعنى مصر.. ثم قامت الثورة وكان من الطبيعى أن تتغير هذه الفكرة التى جثمت على صدور المصريين لسنوات وأضاعت الفرص من مصر وشبابها وكيانها.. ولكن للأسف جاء «مرسى» برجاله ووضع نفس المقوّم «الكارثى» مرة أخرى.
عندما يكون المقوّم الرئيسى للمنصب هو الولاء يظهر فكر موازٍ للفكر الأول، ولكن هذه المرة يكون الفكر نابعا من السفير ذاته وليس من الرئيس.. هذا الفكر باختصار هو مبدأ «فرّق تسد».. ويبدأ سيادة السفير - وأنا هنا أتحدث عما حكى لى من الجالية السعودية - فى تشتيت جهود المصريين من أعضاء الجالية المصرية ومنع البعض من مزاولة الأنشطة الخدمية وتهميش من يريد وتعظيم من يريد ثم تتفيهه مرة أخرى وتعظيم غيره، وهكذا إلى أن تكثر الخلافات بين أعضاء الجالية المصرية وتتشرذم وتصبح ضجيجا بلا طحين، وبهذا يستقر له ولرئيسه الوضع فى هذه الدولة ويضمن عدم وجود كيانات معارضة منظمة أو حتى كيانات موالية منظمة خشية أن تنقلب عليه ذات يوم.
هذا هو الفكر «المباركى» القديم والذى لم يتخلص منه السلك الدبلوماسى بعد.
المشكلة تكمن فى المرحلة وفى الدولة.. الدولة هنا أتحدث عن المملكة العربية السعودية ولا يخفى علينا دورها فى مساندة مصر والضغط على دول العالم لمساندة مصر، ولا يخفى علينا أيضا عدد المصريين الكبير جدا العاملين بالمملكة.. والمرحلة هنا أتحدث عن مرحلة الاستفتاء والانتخابات القادمة.
أنا أرى - مما حُكِىَ لى بإجماع من المصريين الذين استقبلونى فى المطار وظلوا معى طيلة الرحلة - أن سعادة سفير مصر فى السعودية يحتاج إلى إعادة نظر دبلوماسية فى توفيق وتقريب وجهات النظر بينه وبين أعضاء الجالية المصرية، خاصةً أنه رجل ذو ثقل سياسى معروف ومشهود له ولكنه - على ما يبدو - أخطأ فى تقدير الفترة الحرجة التى تمر بها مصر حاليا.
هذا المقال لا يمثل هجوما على شخص سعادة السفير، فأنا لم ألتقِ به حتى - وهذه علامة استفهام أخرى أن يكون هناك ضيف مصرى بدعوة من خادم الحرمين الشريفين شخصيا ولا يستقبله السفير أو يرسل من ينوب عنه - ولكن ليست هذه هى المسألة المهمة.. المهم هم المصريون المقيمون بالمملكة وحالة التناحر والخلاف التى يغذيها سعادة السفير - بحسب رواياتهم - بين أعضاء الجالية المصرية بالمملكة.
نحن الآن بحاجة إلى توحيد الصف فى الداخل والخارج.. وأنا أوجه هنا حديثى لسعادة السفير المصرى بالمملكة صاحب التاريخ المشرف والأداء المشهود طيلة السنوات المنصرمة أن يتبنى سياسة أخرى «غير تصادمية» مع أعضاء الجالية المصرية وأحسبه قادرا على ذلك بما هو معروف عنه من كياسة وفطنة.. والله الموفق.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة