هشام الجخ

هذا المقال - غالبا - لن يصرح له بالنشر

الأربعاء، 29 يناير 2014 08:13 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد أسرف المصريون القدماء فى حبهم للاستقرار.. والقارئ لتاريخ مصر سيجد إصرارا كبيرا من الشعب المصرى وحكومته لفرض فكرة الاستتاب وعدم التجديد والسير على نهج الأقدمين بطريقة تفوق كل الشعوب فى العالم، حتى الفتوحات والحروب التى خاضها المصريون - خارج حدود مصر - على مر العصور منذ الفراعنة كانت محدودة وعلى استحياء ولم تتسع رقعة الأرض المصرية إلا فى عصور معينة وكانت إما نتيجة لتأمين الحدود أو لرغبة خاصة عند الحاكم.
وسرعان ما كانت تنكمش هذه الحدود وتعود إلى أصلها مرة أخرى، الحقيقة أن المواطن المصرى يعشق كلمة (الاستقرار) حتى لو وصل معنى هذا الاستقرار إلى معنى أكبر وأخطر وهو الركود والبلادة.
وقد نشأتُ أنا شخصيا فى مدينة سوهاج بصعيد مصر وكنتُ أمرُّ وأنا - صغير - على بعض مناطق الأرياف والقرى الصغيرة المجاورة للمدينة وأرى (بعينى) العديد من المشاهد التى لا يمكن رؤيتها فى أى مكان بالعالم إلا فى الأفلام التاريخية.. لقد شاهدتُ (بعينى) فى الريف الصعيدى المصرى فلاحين مازالوا يستخدمون (الشادوف) فى الرى ويبنون بيوتهم من الطين اللبن.
هذه المشاهد التى رأيتُها بعينى وأنا صغير وكانت جزءًا من حياتى اليومية شاهدتُها بتفاصيلها - عندما كبرتُ - فى (القرية الفرعونية بالجيزة) يتحدثون عنها السيّاح وكأنها سلوكيات بائدة من التراث المصرى ولا يدرون أنها كانت موجودة (بتفاصيلها) منذ أقل من عشرين عاما وربما كانت موجودة فى بعض القرى المصرية النائية حتى الآن.
أذكر أحد أعمامى الكبار وهو عم (سيد أبوعسران) رحمه الله.. المولود فى عام 1907 والمتوفَّى فى عام 1999 كان لا يشرب إلا من قلّته الخاصة رغم دخول الكهرباء ووجود ثلاجة فى بيته ولكنه كان يصرّ على الشرب من القلّة القديمة المنهكة ولا يجد فى ماء الثلاجة ريَّاً ولا متعة، نحن - الشعب المصرى - نميل بطبعنا للماضى ونتمسك به بشكل مفرط.. وهذا الشعب المصرى - بطبيعة الحال - أفرز لنا شخوصا أصبحوا فيما بعد من القادة وشكّلوا حكومات مصرية تسيطر وتتحكم فى مصير مصر.
هذه الحكومات أيضا لم تنفصل عن الشعب المصرى فيما يخص هذه النقطة.. فمازالوا - للأسف - يتعاملون بقوانين الخمسينيات المعدّلة فى الستينيات. أذكر فى نهاية التسعينيات عندما كان حديث الساعة ينصب فى موضوع (إطلاق القمر الصناعى المصرى نايل سات) أن أحد المسؤولين الكبار جاء إلى جامعة عين شمس - وكنتُ ما زلت طالبا فيها آنذاك - ليلقى محاضرة بعنوان (النايل سات خطوة نحو المستقبل)..
أذكر وقتها أن السيد المحاضر كان مسهباً فى الكلام حتى قاطعه أحد الطلاب وقال له: متى سيعمل النايل سات؟ فأجاب المسؤول - ببلاهة-:
عندما ننتهى من الإجراءات. علمتُ بعدها فى الغرف المغلقة - بصفتى أحد قيادات الأنشطة الطلابية فى الجامعة - أن الإجراءات التى يتحدث عنها سيادة المسؤول الكبير تخص بند فى الجهاز المركزى للمحاسبات وهو بند قديم جدا فى القانون من أيام جمال عبدالناصر اسمه بند ((التكهين)).. وأن هذا البند يمثل أحد العوائق الرئيسية لإطلاق القمر الصناعى حيث إنه لا يمكن استلام أى جسم أو منشأة وإدخالها فى النظام المحاسبى للدولة دون أن يكون لها موظف مسؤول عنها على سبيل (العُهدة) وأن هذا الموظف لا يمكن خروجه على المعاش دون أن يسلم عهدته إلى ما يسمى بقطاع التكهين فى الدولة!..
أى أن إطلاق القمر الصناعى متوقف - مؤقتا - لحين موافقة أحد الموظفين على استلام القمر ومن ثم تسليمه فيما بعد!
أى دولة هذه؟! وأى نظام محاسبى هذا؟! لقد تأخرنا كثيرا عن العالم.. المصريون ما زالوا يتعاملون بأنظمة محاسبية قديمة وبائدة ومملة ومضيعة للوقت وللمجهود.. المصريون ما زالوا يرصفون الطرق ويعودون بعد شهر واحد لحفر أنابيب الغاز الطبيعى..
المصريون ما زالوا يستخرجون رخصة مزاولة النشاط التجارى فى ستة شهور.
المصريون ما زالوا يبدأون نشرة الأخبار بالأخبار التى تخص الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء.. المصريون ما زالوا ينتجون أفلاما ذات نهايات سعيدة ويستخدمون (دوبلير) لا يشبه البطل.. المصريون مازالوا يلعبون كرة القدم بطريقة 5-3-2.. المصريون ما زالوا يعتبرون عدم الذهاب إلى صندوق الانتخابات معناه التصويت بـ(لا).. المصريون يا سادة - للأسف - يعيشون عصرا غير الذى يعيشه المتحضرون، أعلم أن مقالى هذا سيتم رفضه (أو تعديله).. ولكنى أقول ما سأقف به أمام الله.. لقد تأخرنا كثيرا..كثيرا جدا.. ويجب القفز بخطوات غير تقليدية للحاق بالعالم الحقيقى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة