هشام الجخ

لا.. لإقصاء جماعة «الإخوان المسلمين»

السبت، 07 سبتمبر 2013 06:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى دراسة عجولة لتاريخ مصر سنجد ميزة فى هذا المجتمع غير متوفرة فى العديد من شعوب الأرض.. هذه الميزة باختصار هى «القدرة على الاحتواء».
لقد مر المجتمع المصرى على مر العصور بكل الثقافات التى عرفها كوكب الأرض.. ولم يتمدد أى مجتمع عمرانى على الأرض ويصبح ذا قوة وشأن وقدرة على احتلال أراضى أخرى إلا وكانت وجهته الأولى نحو مصر.
هذا هو قدرنا الجغرافى ولا مفر منه.. ولكن هذا المشهد الاستعمارى لم يكن سيئا لدرجة تجعلنا لا نرى الوجه المشرق لهذا الاستعمار.
لقد جاءت إلينا فى مصر كل القوى الاستعمارية التى عُرفت على الأرض.. وأنا أعنى كلمة «كل».. بدءًا من بربر أفريقيا جنوب وادى النيل منذ قرابة الخمسة آلاف عام ونهايةً بالولايات المتحدة الأمريكية.. وما بين هاتين القوّتين والحقبتين التاريخيتين مرَّ بمصر قادة وحكام وجحافلة وملوك ومستعمرون لا حصر لهم.. منهم من حكم مصر ومنهم من انتحر على أسوارها.. وفى كل الحالات كان للمستعمرين تأثير فى المجتمع المصرى.. هذا التأثير تباين واختلف فى حجمه وقوته من مستعمرٍ لغيره.. ولكن المؤكد أن كل القوى الاستعمارية التى جاءت لمصر قد تركت فى المصريين شيئا.. وشيئا فشيئا اعتاد المصريون على التغيير وعلى احتواء الثقافات الأخرى ومزجها بالثقافات القديمة المتراكمة لديهم سواء من طبيعة أرضهم أو من قوى استعمارية أخرى وبالتدريج أصبح دارسو المجتمع المصرى والمهتمون بأصوله ومصادر عاداته وشعبياته لا يعرفون -بالتحديد- إلى أى ثقافة تعود سلوكيات الشعب المصرى.
ووجد علماء «الانثربولوجى» -وهو علم الأجناس البشرية- وجدوا فى مصر خليطا من كل أجناس الكوكب.. وجدوا زنوجا بهم كل مواصفات الزنوج.. وقوقاز بهم كل مواصفات القوقاز.. وآسيويين صُفر بهم كل مواصفات جنسهم.. وهنود حُمر وأوروبيين بيض.... إلخ.
ولكن كل جنس من هذه الأجناس البشرية كان قد أخذ صبغة مصرية ميّزته عن أترابه وأقرانه من جنسه.. فتجد المصريين ذوى البشرة البيضاء «أشباه الأوروبيين» ليسوا كالأوروبيين فى شىء.. وستعرفه وتعرف مصريّته بمجرد أن يفتح فمه أو يتعرض لموقف مستفز.
إذن نحن أمام مجتمع قادر على الاحتواء واستيعاب الآخر بشكل غير مسبوق وغير موجود فى أى مكان على هذا الكوكب.. ولا يذكر التاريخ أن حاكما مصريا قد طرد شعبا من مصر بسبب العرق أو اللون أو الدين.. والادعاءات الكاذبة التى يروجها بعض المستشرقين فى بلادهم عن مجازر ارتكبها «عمرو بن العاص» أثناء دخوله مصر ضد المصريين الأقباط كلها ادعاءات لا سند ولا أساس ولا نتيجة لها.. ولو قام «عمرو بن العاص» بقتل أقباط مصر -كما يدعى المستشرقون- فكيف تمدد حجم أقباط مصر ووصلوا إلى الملايين فى معظم عصور مصر الحديثة؟
وفى فترة ثورة يوليو 1952 عندما روّج الغرب لفكرة طرد «جمال عبدالناصر» لليهود من مصر.. هذه أيضا كانت مغالطة تاريخية كبيرة.. لأن «عبدالناصر» لم يطرد اليهود وإنما قام بتأميم ممتلكاتهم الرأسمالية «بنزيون - عدس - ريفولى - شملا - باتا... إلخ» والتى كانوا يسيطرون بها على اقتصاد مصر ويعادون بها النظام الثورى فى الدولة فقام «عبدالناصر» بقطع ذراعهم الاقتصادية لمنعهم من إفساد الحياة المجتمعية فى مصر ولو لم يفعل لما استقر له الحكم فى مصر.. أما أنه قام بطردهم وحرمانهم من بلادهم فهذا لم يحدث.. والدليل على ذلك وجود أحياء كاملة بالإسكندرية حتى الآن يسكنها يهود ويمارسون حقوقهم بشكل طبيعى كمصريين.
إذن هذا البلد لا يطرد أهله.. وهذا البلد قادر -بإذن الله- على استيعاب كل التوجُّهات الفكرية والسياسية والدينية الموجودة فى العالم.. تخيّلوا أن بلدا مسلما يدين أهله بمذهب السُّنَّة يصر على شراء فوانيس رمضان ويعتبرون الفانوس رمزا للشهر الكريم.. مع العلم أن هذه العادة هى لأهل الشيعة.. وبرغم هذا يفعلها الشعب المصرى ولا يلقى بالاً لأصلها المتشيع ويعتبرها جزءا من ثقافته المصرية بل ويصدرها لمعظم البلدان المسلمة على أنها عادة مصرية خالصة، أكتب مقالى هذا لأقول كلمة حق أرجو ألا يضيع وقتها وتصبح فرصة من الفرص العديدة التى ضاعت فى السنوات الثلاث الأخيرة.. إن الاستقطاب والعداء الذى خلفه الخلاف السياسى فى مصر هو «فقط» القادر على هدم هذا البلد وتقويضه.. وإن إقصاء جماعة «الإخوان المسلمين» -إذا ما تخلّت عن السلاح- لن يفيد المجتمع المصرى فى شىء.. وأنا أثق تماما فى قدرة القطر المصرى والمجتمع المصرى فى استيعاب كل الألوان والأجناس والأفكار بشرط وجود رغبة حقيقية من الطرفين فى العودة خطوة للخلف والوصول إلى المنطقة الوسطية التى خُلق وجُبل عليها الإنسان المصرى منذ قديم الأزل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة