هشام الجخ

ليس ضرورياً أن نقتل خمسين مليوناً آخرين

الخميس، 06 يونيو 2013 08:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا يمكن أن تفهم ثقافة شعب بدون قراءة تاريخه.. هذه هى الحقيقة التى يجب أن نعترف بها عندما نتأمل ما يحدث فى الدول العربية ودول شرق آسيا ودول حوض البحر المتوسط.
عندما نسأل أنفسنا عن سر كل هذه الاضطرابات التى تعيشها معظم الدول العربية حاليا ونقارنها بحالة الاستقرار النسبى الذى تنعم به الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى نجد الحل فى تاريخ هذه الدول.
لقد سبقنا الغرب نحو الاضطراب.. وعانوا منه قبل أن نعانى نحن.. وتعلّموا من أخطائهم قبلنا بسنوات.. وأدركوا معنى وضرورة الاستقرار.. وحددوا رغباتهم ومطالبهم من الحاكم بشكل واضح وبين وجلى.. وأضاعوا أوقاتا طويلة فى الاحتجاجات ومظاهر الغضب والتطرف الفكرى.. وأسقطوا رؤساء وقادة وزعماء من كل التيارات السياسية.. وتناحروا فيما بينهم وتقاتلوا بكل أنواع الأسلحة.. وأبدع فنانوهم ورساموهم وعلماؤهم فى خدمة الخلاف السياسى.. وكرّسوا كل حياتهم لإثبات وجهة نظرهم وإقناع الآخرين بها..... وفى النهاية.. أدركوا جميعا أن هناك مناطق مشتركة فى معتقداتهم.. هذه المناطق هى التى يجب الوقوف عندها وتعظيمها والالتفاف حولها.
أدرك الغرب قبلنا بسنوات أن حياة الإنسان قصيرة جدا وقيمة جدا.. وهناك أشياء كثيرة يجب أن يفعلها الإنسان ويستمتع بها قبل أن يموت.. أدركوا هذا بعد حرب قتلت منهم قرابة الخمسين مليون إنسان.. لكنهم تعلموا بعد هذه الحرب قيمة الإنسان وتعلموا أن القادة السياسيين لا يفعلون شيئا سوى محاولة خداع الناس، وإقناعهم بالتضحية من أجلهم.
لقد تاجر الغرب بالإنسان لفترة طويلة.. وألقى قادة الغرب شعوبهم فى مهالك لا حصر لها.. باسم الدين تارة.. وباسم العرق تارة.. وباسم القبلية والتاريخ المشترك تارة.. وفى كل مرة كان الخاسر هو المواطن البسيط والمستفيد الأوحد هو رجل السياسة البدين ذو السيجار الفخم الذى يجيد إقناع الشعب البسيط بالتضحية من أجل مبادئه.. على حين أنه هو شخصيا مستعد تماما للتضحية بمبادئه من أجل الاستمرار فى سدة الحكم وزهاء القيادة.
إذا أردتَ أن تعرف لماذا يعيش المواطن الأوروبى - الآن - فى رغد وسعة، فعليك أن تراقب أسلوب حياته واهتماماته وأولوياته، وستدرك بعدها مدى البساطة التى يعيشها المواطن الأوروبى والتى قد تصل إلى السطحية والتفاهة فى بعض الأحيان.
حتى العلماء فى الغرب تجدهم لا يهتمون بما لا يعنيهم.. فليس معنى كونك عالما فذا فى مجال ما أن تكون على علم ودراية بكل المناحى العلمية الأخرى.
لقد سئم الغرب من السياسة ودفعوا ثمنها غاليا حتى وصلوا إلى الاهتمام بحياتهم الخاصة واحترام القانون والتركيز على أعمالهم - فقط - دون الإصرار على التدخل فيما لا يفقهونه وإضاعة الوقت والجهد وإثارة الفتن والترويج للشعارات التى يسقط من أجلها «شباب» يطلق عليهم البعض شهداء ويطلق عليهم البعض الآخر قتلى.
لقد تحرر الغرب من حكم الكنيسة - ولا أقصد بهذا أنهم تنازلوا عن دينهم المسيحى - وإنما تحرروا من القيود الدينية فى اختيار الحاكم وتحرروا من المذاهب العقدية المتطرفة التى تحثهم على الاقتتال فيما بينهم «أرثوذوكس - كاثوليك - بروتستانت».. عندما تجرد الغرب من رغبته فى إضاعة الوقت فى الحروب والصراعات تقدم علينا- نحن الشرقيين- واستثمر وقته فى البناء والاختراع والإبداع، ثم بدأ بالتدريج فى تصدير حالة الاضطراب التى عانوا منها إلينا ليتمكنوا من السيطرة على مواردنا وثرواتنا.
هذا هو تاريخ الغرب المتقدم من وجهة نظرى.. أتمنى ألّا نكرر أخطاءه وأن نصل إلى مرحلة الاستقرار بدون أن نمر بنفس التطورات التى مر بها الغرب.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة