هشام الجخ

مستشفى 7 5 3 7 5

الإثنين، 22 أبريل 2013 12:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد رحلة مرض قصيرة نسبيا.. وبسبب التخمينات والتشخيصات غير الدقيقة للأطباء المصريين.. هذه التشخيصات الخاطئة التى اعتدنا عليها واعتدنا على تقبلها بصدر رحب حتى ولو أدت للوفاة بحجة القضاء والقدر والنصيب والأعمار التى بيد الله وما شابه.. توفيت ابنتى (جويرية) صاحبة الثلاثة شهور.

وفقنى الله أن أحمده وربط على قلبى وعلى قلب زوجتي.. حمدنا واسترجعنا واحتسبنا مصيبتنا عند الله.. وأكرمنا الله بالثبات وقلنا لله ما أعطى ولله ما أخذ.

توفيت ابنتى بمرض سرطان الدم الذى لم يُكتشف له علاج ولم يُعرف له سبب مباشر حتى الآن.. أعوذ وإياكم بالله من شر ما خلق.

مرض سرطان الدم لا تتم معالجة أعراضه فى مصر إلا فى مستشفى 57357.. ولهذا عشت تجربة قصيرة مع هذا المكان تستحق السرد والتدوين والنقاش.

بعد أن أخفق طبيب ابنتى (الكبير والشهير) فى تشخيص حالتها لمدة أسبوعين كاملين وهو يصر على التعامل مع مرض ابنتى كأنفلونزا عادية.. وبعد أن تدهورت حالتها تماما ورفضت المستشفى الخاص أن تستقبلها فى حالتها هذه.. تفضل سيادته مشكورا باقتراح أن أذهب بابنتى إلى مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال.

ذهبت إلى المستشفى قرابة الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. رحب بى أفراد الأمن على باب المستشفى لكنهم رفضوا السماح لى بالدخول حيث إن تعليمات المستشفى تقضى بعدم دخول حالات جديدة قبل السابعة صباحا.. لم تشفع لى شهرتى ولا إعجاب أفراد الأمن بقصائدى ليسمحوا لى بتخطى التعليمات وإدخال ابنتى فى هذا الوقت المتأخر من الليل وأخبرونى أنه لا يوجد أطباء بالداخل فى الطوارئ أو الاستقبال وأنهم يستقبلون فقط حالات قد تم استقبالها من قبل ولها ملف عندهم لأن من سيباشرها هم فريق التمريض وليس الأطباء.

عدت إلى منزلى ولم أنم بالطبع وذهبت إلى المستشفى صباح الثلاثاء 16 أبريل 2013.
قبل ذهابى إلى المستشفى قام مدير أعمالى بإجراء بعض المكالمات لمعارفه داخل المستشفى وقاموا هم بدورهم باستقبالى والاهتمام بى منذ دخولى بوابة المستشفى.. اعتقدتُ فى البداية أن هذا الاهتمام نابع من كونى شخصا مشهورا وما شابه.. أخذوا منى (جويرية) وبدأوا فى عمل التحاليل والأشعة وانتظرتْ أمها فى المكان المخصص للأمهات على حين لم أستطع أنا الجلوس مكانى فبدأت فى التجوال فى المكان.

لا أخفيكم القول.. أبهرنى المكان.. وشعرت أننى فجأة خرجت من مصر وانتقلت إلى مستشفى فى دولة من دول (أوروبا).. وبعين مدربة على النقد وتقصّى الحقائق بدأتُ أتبين أن المعاملة التى يعاملوننى بها العاملون بالمستشفى ليس لها علاقة بشهرتى أو بإعجابهم الشخصى بأشعارى وإنما هذا الاحترام والتقدير وحسن المعاملة هو نسق عام وسلوك سائد فى المستشفى بدءًا من عامل المصعد ونهاية بالطبيب المعالج.. رأيت هذه المعاملة (ذات النجوم الخمسة) مع غيرى من البسطاء أكثر ما رأيتها معى شخصيا.. كنت أقتل الوقت وأتجول فى المستشفى حين التقطنى أحد موظفى العلاقات العامة وأخبرنى أن المدير العام (الدكتور شريف أبوالنجا) يريد مقابلتى ويبحث عنى منذ علم بمجيئى.. قبلت دعوة الرجل على الفور وصعدت إلى مكتب الدكتور شريف لأجد مكتبا بسيطا يخلو تماما من كل أشكال البهرجة والتكلّف.. لم أكد أصافح الرجل حتى أخذنى من يدى على طريقة رجال الأعمال الغربيين الذين لا وقت لديهم لكثرة الحديث والمجاملات وأخبرنى أن هناك بحثا ومحاضرةً ستسفيد منها بشكل شخصى..
وجذبنى من ذراعى وأنا ما زلت ساهما أفكر فى حالة ابنتى المريضة.. كانت المحاضرة عن دور الموسيقى فى علاج سرطان الدم للأطفال وكانت الدارسة التى تلقى المحاضرة على لفيف من الأطباء تسعى لإقناعهم باعتماد الفكرة كموضوع لرسالة الدكتوراة الخاصة بها وتمت مناقشة الباحثة من قبل الدكتور شريف والأطباء الموجودين بالقاعة بشكل علمى ومحدد ومختصر يصعب وجوده فى المؤسسات المصرية وفى العقلية المصرية التى تميل إلى كثرة الحديث والتأنق اللغوى و(اللتّ والعجن).

بعد المحاضرة القصيرة مِلتُ على أذن (الأستاذ أحمد عبدالمنعم) مدير العلاقات العامة بالمستشفى وهمست له أننى لا أريد أن أعالج ابنتى بالمجان وإنما أريد أن أحجز لها جناحا خاصا فى القسم الاقتصادى لكى تتمكن أمها من المبيت معها إذا لزم الأمر.. فابتسم الأستاذ أحمد وأخبرنى أن كل الحالات فى المستشفى سواء.. وأنها جميعا تُعالج بالمجان من خلال تبرعات المتبرعين ولا يوجد قسم اقتصادى وقسم عام كما فى معظم مستشفيات مصر.

مرت ثلاث ساعات تقريبا.. قابلت فيها الطبيبة المختصة بعلاج ابنتى حوالى مرتين أو ثلاث مرات.. فى كل مرة كنتُ ألمح فى عينى الطبيبة نظرة يأس من حالة (جويرية) الصحية وبعد ثلاث ساعات أو أكثر بقليل تجرأت الطبيبة الشابة وأخبرتنى بالحقيقة.. ماتت (جويرية).. ماتت بعد أن أجروا لها كل التحاليل وحاولوا معها كل المحاولات وأعطوها كل المحاليل والأدوية التى يمكن أن تساعدها (بالمجان).. فاض الله عليّ بصبر من رحمته.. استخرجوا لى تصريح الدفن بالمجان وأكرموها بالغُسل بالمجان واستخرجوا لها شهادة الوفاة بالمجان.

ماتت ابنتى مريضة السرطان وتركَتْ على قلمى رسالة يجب أن تصل لكل الناس.

إن هذه المستشفى جزء من رحمة الله فى أرضه.. وكل من يشارك بماله فى رقى هذه المستشفى أحسبه عند الله من المنفقين فى سبيله.. لقد رأيت بعينى حالات مرضية لأناس بسطاء وفقراء يُعاملون كما كنتُ أُعامل أنا وربما أفضل.. ولو تخلّينا نحن عن هذه المستشفى وبخلنا بتبرعاتنا عليها سنكون كمن يغلق باب الرحمة على من يحتاجونها.

سأكفل –إن شاء الله– السرير الذى كانت ستعالج عليه ابنتى وسأكفل أسِرّة غيره.. وسأظل حامدا لله عز وجل أن أدخلنى هذه التجربة لأرى بعينى ما يتم فى هذا المكان العظيم.

ولكنى لا أبرح أتمسك بمنهج النقد البناء.. (المميزات والعيوب).. أسألكم يا إدارة المستشفى: لماذا لا تكلّفون الأطباء بمناوبة ليلية حتى لا يضطر من هم فى مثل حالتى للانتظار حتى الصباح لعلاج ابنته؟ خاصةً وأنتم تعلمون أن دقيقة فى عمر هذا المرض قد يكون لها ثمن وقد تعنى حياة إنسان.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة