هشام الجخ

يا جماعة الإخوان.. كفى.. أحرجتمونى!

الخميس، 18 أبريل 2013 07:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ما أكثر النقاد فى هذه الفترة من حياة مصر.. فى السياسة وفى الرياضة وفى الاقتصاد وحتى فى العادات المجتمعية الخاصة بالشعب المصرى.. تجد آلافا من النقاد الذين لا يرضون عن وضع مصر إجمالا وتفصيلا.

النقد فى حد ذاته سلوك حضارى ومفيد للكيان الذى يتم انتقاده.. لأن النقد يكشف سلبيات المنتقَد لتلافيها.. وإيجابياته أيضا لتعظيمها واتساع رقعتها.

والناقد الذى يفسر معنى النقد على أنه مجرد هجوم على الآخر ومحاولة لتشويهه وتتفيهه إنما يسىء لمعنى النقد ومعنى المعارضة.. ويتحول تدريجيا لبوق مسدود وضجيج بلا طحن ويفقد شعبيته وثقله عند الناس.

أذكر اليوم الأول الذى اعترضنا فيه على قرارات رئيس الجمهورية اعتراضا حقيقيا، أخرجنا إلى الشوارع فى شهر نوفمبر 2012 عندما أصدر الرئيس «مرسى» إعلانه الدستورى الشهير الذى يحصن فيه قراراته ويدمر سلطة القضاء فى مصر تدميرا كاملا «وغريبا ومذهلا وعجيبا وبديعا».. أذكر وقتها حين اعتصمنا فى ميدان التحرير لمدة عشرة أيام كاملة ولم تستجب لنا رئاسة الجمهورية ولا حتى تكرم الرئيس أو الدكتور ياسر على «المتحدث الرسمى باسم الرئاسة آنذاك» بالخروج علينا، ولا شرح ما يحدث خلف الكواليس لكى نتعاطف معه ونؤيده.

أذكر أننا خرجنا فى هذه الفترة ولم نخرج قبلها رغم اتخاذ الرئاسة العديد من القرارات التى لم تلقَ قبولا عند عامة الناس.. ولكنها كانت قرارات لا تسمو لدرجة الخروج على الحاكم.. منها مثلا قرار «إغلاق المحال التجارية قبل العاشرة مساء».. لم نخرج وقتها ولم نعتصم فى الميادين وإنما اكتفينا بالسخرية وإطلاق النكات.. وهو شكل من أشكال الاعتراض السلمى الشهير فى مصر...

أعود لخروجنا فى نوفمبر 2012
أذكر حين تم تجاهلنا بشكل كامل فاضطررنا للتحرك سلميا نحو قصر الاتحادية.. وفرّ الرئيس من مكتبه وأمضينا الليلة معتصمين بشكل سلمى «بدون مولوتوف ولا طوب ولا خرطوش» إلى أن أصبح الصباح لتتحرك جموع «الإخوان المسلمين» ليفضوا اعتصام المعتصمين بالقوة ويكسّروا الخيام التى نصبها المعتصمون - قليلو العدد - فى واقعة «جبنة نستو يا معفنين» الشهيرة.

لتبدأ بعدها أحداث العنف التى لم تنتهِ حتى الآن..
لقد خرجنا واعترضنا على الإعلان الدستورى لأنه كان كارثة ومصيبة وسُبّة فى جبين كل مصرى ثورى حر يريد أن يعيش فى بلد يحكمه القانون وتسوده المساواة.
الغريب أن هذه الأحداث قد تم نسيانها من كثرة الأحداث المتلاحقة التى تلتها.. والأغرب أن هناك العديد من المصريين لا يتذكرون كيف بدأ العنف فى الشوارع.. ومن الذى زرع الفسيلة الأولى فى غابة العنف بالشارع المصرى.

التاريخ يقرّ بأن العنف «المدنى» فى فترة حكم الرئيس مرسى بدأ على يد جماعة الإخوان المسلمين نهارا.. وأن التيارات التى اعتصمت عند قصر الاتحادية لو أرادت العنف لبدأت به ليلا.. ولكن هذا لم يحدث.. والفيديوهات موجودة وموثقة بتواريخها ولا مجال للتزوير فيها.. ولكن مَن يرِد رؤية الحقيقة سيراها ومَن يصر على عماه فلا هادى له..

المشكلة التى تواجهنى أنا شخصيا فى نقد جماعة الإخوان المسلمين «بصفتهم يحكمون مصر وليس بأى صفة أخرى» هى الاعتدال..
لقد أثارت جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة غضب الشارع المصرى وسخطه لدرجة جعلت الناس «البسيطة» ناقمة وثائرة على كل تصرفات مؤسسة الرئاسة.. على حين أننى أرى أن الحكومة الحالية لها أيضا بعض الومضات المضيئة «الخافتة» التى تصلح للحديث عنها.. ولكن كلما تحدثتُ عنها - على سبيل النقد البناء الذى تحدثنا عنه وهو ذكر المساوئ والمحاسن كليهما - انهال علىّ أصدقائى الغاضبون بالهجوم واتهمونى بالجبن والمداهنة وما شابه..
أنا لا ألوم على أصدقائى الذين يهاجموننى وإنما ألوم - وبشدة - على مؤسسة الرئاسة التى لم تترك لمعارضيها «الوسطيين والمعتدلين أمثالى» أن يجدوا فى أرشيف إنجازاتهم شيئا يتحدثون عنه.

أين الماء النظيف؟ أين الشوارع الممهدة؟ أين الأجور العادلة؟ أين الاستثمارات الجديدة - باستثناء القروض التى نتسولها من الدول الأخرى- أين حرية الإعلام وكل الإعلاميين مطلوبون الآن لقضايا ازدراء أديان؟ أين حرية تداول العملة؟ أين الهواتف غير المراقبة التى كنتم أنتم تعانون منها فى ظل النظام البائد؟ أين التغييرات فى الروتين والبيروقراطية اللذين يسيطران على الأداء الحكومى؟ أين البحث العلمى الذى حلمنا به معكم فى ميدان التحرير؟ أين دعم السينما والمسرح والفنون التى مهدت للثورة؟ أين الخطاب الدينى الراقى والمعتدل الذى عرفناكم به يا جماعة الإخوان المسلمين؟ أين كرامة المصريين فى الخارج؟ أين «القصاص يا عم»؟ أين رجال الشرطة غير المعقدين نفسيا وعصبيا؟ أين مشاريع دعم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم التى توقعنا أن تزدهر فى عصركم؟ أين ثقافة مصر وحضارة مصر وآثار مصر ومتاحف مصر وحدائق مصر؟ أين حصة مصر من مياه النيل؟
أين وأين وأين؟

أين شركاؤكم فى الثورة؟ أين وائل غنيم والبرادعى وحمدين صباحى وعبدالمنعم أبوالفتوح وسليم العوا وأحمد ماهر؟ «مع حفظ الألقاب للجميع».
أين الفنانون الذين فجروا الثورة؟ أين عبدالرحمن يوسف وعمرو واكد وخالد يوسف وتيسير فهمى وعمرو سلامة؟

أنتم تسببون إحراجا كبيرا لكل من يقرر أن ينتقد سياساتكم بأدب وتقذفون به قذفا إلى التخلى عن أدبه فى النقد وانتهاج سياسات أخرى.. وإذا كنتم تسببون الإحراج لمن ينتقدكم بالحسنى لكم أن تتخيلوا حجم الإحراج الذى تحرجونه لمن يؤيدونكم.
هذا الإحراج بالطبع لن يغير من طريقتى ومنهجى واعتدالى فى انتقادكم.. لأننى لست ممن يحرصون على مرضاة الناس فى نقدى للحكام.. ولكنى أحذركم.. لأن الجيل الذى سيخرج فى المستقبل القريب - إذا لم تتداركوا سياساتكم سريعا - سيخرج محملا بكل الكره والبغض والضغينة كما خرجنا نحن وكما شعرنا نحن تجاه نظام مبارك.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة