هشام الجخ

ليست هذه هى الدولة التى أحلم لابنتى أن تعيش فيها

الإثنين، 04 فبراير 2013 09:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جلسنا جميعا نشاهد فيديو «السحل» الأخير ونحلله كلٌ على حسب هواه وانتمائه ووجهة نظره.. وتعددت السيناريوهات والافتراضات وذهبت إلى أقصى حدود الخيال المصرى الخصب.. وأسرفت الفضائيات فى تحليل الفيديو وشرحه والاعتماد عليه فى توثيق وجهة نظرها سواء المعارضة أو الموالية للنظام.. وتباينت وجهات النظر حول ظروف الحادثة وأسبابها ودلائلها ونتائجها وردود الأفعال المتوقعة بعدها.

فى البداية لم يختلف اثنان على وحشية المشهد وضراوة الموقف.. وبالتدريج بدأ الموالون للنظام الحاكم فى إيجاد بعض التبرير على استحياء.. سرعان ما تحول هذا الاستحياء إلى إيمان كامل ودفاع منظم بالحجج والبراهين من السنّة الشريفة وسيرة الصحابة الكرام.. وانتشرت القصص «الغريبة» على مواقع التواصل الاجتماعى التى تحكى كيف كان سيدنا «عمر بن الخطاب» قويا وقاسيا عندما تضطره الظروف وكيف كان «خالد بن الوليد» يبطش بأعدائه وأعداء الإسلام إذا شعر بتهديد على أمن المسلمين وكيف قام «صلاح الدين الأيوبى» بقتل أربعين رجلا من أبناء عمومته لبسط الأمن الاستقرار فى أرض الإسلام ولحقن دماء المسلمين ودرء الفتنة وكيف... وكيف... حتى تشعر وأنت تطالع تعليقات الناس التى تؤيد النظام الحاكم بأن تاريخ الإسلام لم يحوِ فى أربعة عشر قرنا من الزمان إلا الدم والقهر واستخدام القوة والبطش فى إرساء قواعد الحكم.. وكأن ما درسناه وتعلمناه عن سماحة الإسلام ورقته ورحمته بالناس أجمعين كان مجرد شائعة وأن هذه الشائعة جاهزة فى أى وقت للنفى والإلغاء وإظهار الوجه «الغريب» الذى حاولوا صبغ الإسلام به بعد الحادثة.
لم يخل الجانب الآخر من الإسراف أيضاً.. فبعضهم ذهب إلى أن هذا الحادث من ترتيب جماعة الإخوان المسلمين لترهيب الناس وإخافتهم وتثبيط عزيمتهم المعارِضة.. واعتمدوا فى هذا على حُسن التصوير والتمكين من زاوية رؤية واضحة.. وهو أمر يصعب على المصورين لو لم يكن هناك اتفاق مسبق بين الداخلية وبين المصور نفسه.

وما بين الغضب والدهشة والخوف والحزن والاستياء والترقب والشماتة وقف الشعب المصرى بأكمله مكتوف الأيدى وارتسمت على وجهة علامات التعجب كلها حتى بلغت حد البلاهة.

قال المجنى عليه إن أحدا من الشرطة لم يعتد عليه.. وقال إن الثوار هم من خلعوا عنه ملابسه.. وقالت ابنته إنه كاذب أو ربما خائف.. وقالت الفضائيات الدينية إنه مجرم وإرهابى ويستحق جزاءه.. وقالت الفضائيات الليبرالية إنه مواطن وله حقوق.. وفاز الأهلى على بلدية المحلة والزمالك على الاتحاد السكندرى.. واستمرت الإعلانات على القنوات المصرية لمدة نصف الساعة أو يزيد.. ووجدت نفسى فى النهاية أجلس فى غرفة مكتبى وأكتب مقالى هذا لينشر فى الجريدة وتقرأه ابنتى بعد عشرين عاما وتعلم أن أباها عندما شاهد هذا الفيديو على التلفاز نزل إلى محيط الاتحادية قرابة الفجر وهتف بأعلى صوته: ليست هذه هى الدولة التى أحلم لابنتى أن تعيش فيها.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة