هشام الجخ

الصندوق الانتخابى المصرى.. للأسف.. حالة خاصة!!

السبت، 28 ديسمبر 2013 10:07 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن محاولات تشويه ثورة «30 يونيو 2013» واعتبارها خيانة لثورة «25 يناير 2011» تذكرنى بالأيام الأولى لثورة يناير عندما اتهمنا رجال «مبارك» بالعمالة والخيانة والسعى لهدم الوطن والتواطؤ مع إسرائيل وغيرها من التهم الجاهزة، التى ألقوها على كل رموز ثورة يناير آنذاك.

نفس السيناريو يتكرر من رجال «مرسى» الآن.. يتهمون كل من كان لهم دور فى ثورة 30 يونيو بنفس التهم «الخيانة والعمالة والتواطؤ مع إسرائيل» غير أن هناك تهمة جديدة تضيفها جماعة الإخوان لكى تضع «التاتش بتاعها»، وهى تهمة الكفر ومعاداة الإسلام، والعياذ بالله.

إذن كل حاكم يأتى برجاله ومنتفعيه وأنصاره ليجملوا صورته وليكونوا الخط الدفاعى الخاص به أمام الشعب وأمام الثوار وأمام كل من يحاول انتقاده أو إزاحته من على كرسى الحكم فى حال فشله فى إدارة البلاد.. وسيأتى الحاكم القادم برجاله ومنتفعيه وأنصاره ليجمّلوا صورته أمام الشعب وأمام الثوار وأمام كل من يحاول انتقاده وإزاحته من على كرسى الحكم.

المعضلة تكمن فى طريقة الإزاحة وطريقة الاعتراض وآليات تولى الحكم وتسليمه.

فى المجتمعات المتخلفة لا يتم انتقال السلطة إلا بالعنف وبقوة السلاح، وبالتالى تجد هذه الشعوب هى الشعوب الأعلى فى نسبة استهلاك الأسلحة وشرائها واستخدامها رغم أنهم يعانون من الفقر والجوع والمرض.. وتجد فى هذه الشعوب أعلى نسب للمتاجرة بالأديان والتعصبات العرقية والقبلية.. وتتفشّى فيها المخدرات والإدمان والجهل والدعارة وتجارة الأعضاء البشرية والرِّق، وكل ما يسىء استخدامه الإنسان، لنفسه ولأخيه الإنسان، وتختفى تماما قيم الإنسانية وقوة القانون وحقوق الإنسان.

هذه السلوكيات غير الإنسانية ضرورية جدا فى المجتمعات القمعية، حيث تمكن السلطة من السيطرة على المواطنين من خلال فكرة الخوف على حياتهم وانحصار رغباتهم فى المحافظة على بقائهم فقط دون التفكير فى معان أخرى كالحرية والرفاهية والرغد ومتعة الحياة والفضول العلمى والسعى لمكامن الجمال والفنون.

بالوصول إلى الصندوق الانتخابى دعونا نتفرع فى حديثنا وصولا للصندوق الانتخابى المصرى.

عرفت مصر الصندوق الانتخابى أيام الملكية.. وانتخبت أحزابها ومجلس نوابها وحكومتها، ولكن بشكل مختلف عن الشكل الحالى، حيث كانت الأرياف والقرى بعيدة كل البعد عن المعركة الانتخابية.. وكانت الاهتمامات السياسية مقصورة على «الأفنديات».. وكانت المتاجرة الأكبر - آنذاك - تخص مقاومة الاحتلال الإنجليزى.. فكل من تريده بطلا عليك بخلق أى تاريخ له فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى لمصر.. سواء كان هذا التاريخ حقيقيا أو ادعاء.. المهم أن يأتى اسمه مع مقاومة الاحتلال فى جملة مفيدة وسيغض المصريون البسطاء النظر عن أى شىء آخر مثل التعامل مع الملكية أو مع الإقطاع أو مع الغرب «غير الإنجليز».

ثم قامت ثورة 23 يوليو 1952 وكان الصندوق الانتخابى - وقتها - مازال تحت يد «الأفنديات» ذوى الصلات القوية بالإقطاعيين وكبار رجال المال فى مصر الذين أطاح بهم نظام الثورة الجديد وأمم أموالهم.. ولو تركت قيادة الثورة الحكم للصندوق الانتخابى لعادت مقاليد الحكم فى يد «الباشوات والبكوات» مرة أخرى مما سيطيح برجال الثورة الانقلابيين «من وجهة نظر رجال الملك»، وبالتالى لزم الأمر السيطرة على هذا الصندوق بكل الأشكال خاصة الشكل الإعلامى فوجدنا كوكب الشرق تغنى لجمال عبدالناصر والعندليب يغرد لجمال عبدالناصر وضباط الجيش يتحولون فجأة إلى ممثلين وكُتّاب وروائيين ومخرجى سينما وخرج علينا من فنانى الثورة الضباط مثل صلاح ذوالفقار وأسرته بالكامل وإحسان عبدالقدوس وأحمد مظهر وغيرهم من نجوم ثورة يوليو 52.. وبدأنا نشاهد أرقاما خيالية فى نسب صندوق الانتخابات المصرى غير موجودة فى أى صندوق آخر مثل «%99.9» وطبعا سار على نهجنا فى السبعينيات والثمانينيات دول عربية كثيرة كالعراق وسوريا.

ثم جاء عهد «مبارك».. فى هذه الفترة نشأت أنا.. وكان منصب رئيس الجمهورية - فى عقيدتى - منصباً غير قابل للانتخاب.. ولكن يتم الاستفتاء عليه «بنعم».. ولا يمكن لأحد أن يستفتى «بلا».. وإلا فلن يحسب صوته وربما تمت ملاحقته أمنيا.. وبالتالى لم أكن أنا وجيلى بالكامل نهتم بمسألة الاستفتاء.. أما انتخابات مجلس الشعب فقد كانت تشوبها النزعة القبلية.. فكل ينتخب قريبه أو جاره أو من له علاقة شخصية أو مصلحة فردية معه.. ويكفى أن تعطى قريبك هذا «بطاقتك الانتخابية الحمراء» ليقوم هو بالتصويت بدلا منك وينتهى الأمر عند هذا الحد.. ولم نكن نعرف مواعيد انتخابات مجلس الشعب إلا من خلال اللافتات الكثيرة جدا التى تملأ البلد.. والمكالمات التى يجريها كبار العائلة لنا لكى نتواجد - كشباب - فى أماكن اللجان الانتخابية.

ثم قامت ثورة يناير 2011.. وشعر الشعب المصرى بالأمل تجاه التغيير الحقيقى.. وأقبلنا على صناديق الانتخاب بشراهة.. ووقفنا أمام اللجان الانتخابية بالساعات وتم نقل عملية التصويت على الهواء مباشرة من معظم لجان الانتخاب فى مصر فى مشهد مهيب لم تشهده مصر من قبل.. وتخلّى العسكر تماما عن سيطرته على صناديق الانتخاب وتركها للشعب بشكل كامل وللإشراف القضائى كما كان أيام الملكية فى مصر.. فتحولت المتاجرة من «مقاومة الاحتلال الإنجليزى» أيام الملكية إلى المتاجرة «بالتديّن وإطلاق اللحية» فأطلق الجميع لحاهم.. وظهرت الصور الدعائية لكل المرشحين وهم ملتحون ويخطبون على منابر المساجد.. وتم السماح للبسطاء «من غير أهل الكفاءة والعلم» فى الأرياف والقرى بالدخول لمجلس الشعب كنوّاب.. وتم وضع الشعب بين شقى الرحى.. إما أن ينتخب أحد رموز النظام السابق الذى ثار عليه الشعب «أحمد شفيق» وإما أن ينتخب رجلا آخر غير مؤهل لقيادة بلد فى حجم وموقع مصر «محمد مرسى».. وانحاز الناس بنسبة ضئيلة ناحية الخيار الثانى.. وأفرز الصندوق المصرى رئيسا لم يحتمله الشعب لأكثر من عام وأفرز مجلسا للشعب لا علاقة له بالمجلس ولا بالشعب.. وأفرز لنا دستورا «غريبا» فى عام 2012 بدون إشراف قضائى «حقيقى» على يد الرئيس المخلوع «محمد مرسى».

واليوم.. نحن مقبلون على صندوق الانتخابات مرة أخرى.. أنا شخصيا سأذهب إلى لجنة الانتخابات.. وسأقف فى الطابور.. وسأدلى بصوتى.. وسأشعل سيجارة وأنا أركب سيارتى منصرفا عن المكان.. وسأبتسم.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة