محمد جاد الله

تواصل أفضى إلى موت

السبت، 09 نوفمبر 2013 11:38 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بلغت بنا الانقسامات الأيديولوجية والسياسية وتردى الأوضاع المجتمعية مساحات تتجاوز كل الخطوط الحمراء، التى تستطيع بها أية دولة تحديد أولويات سياساتها العامة، بهدف حماية المجتمع من الفوضى وحماية "رعاياها" من شرور ما يمكن تعريفه بالسلوك الاحترابى فى التواصل، والذى يدلل على اضطراب حاد فى الهوية الإنسانية لأطراف التواصل.

ويؤدى هذا السلوك الاحترابى العام الذى يمارسه الكل ضد الكل فى تلك الظروف المجتمعية العصيبة التى نمر بها فى مصر إلى تبديد الجزء الأكبر من طاقة الإنسان، وفاعليته المجتمعية المرجوة فى صراعات الهباء، التى تهدم العزيمة، كما يدفعه غياب الشفافية المعلوماتية، وأحادية القطبية الإعلامية دفعاً إلى الانكفاء على رؤيته الخاصة والتمحور حولها، وتشتد عليه بذلك أعراض اضطراب هويته.

ومن أبرز أعراض اضطراب الهوية: فقدان الإنسان لتصالحه مع نفسه، وتشوه اتساقه الذاتى فلا يتمكن من ممارسة تواصلاً من القلب خالياً من العنف مع الآخر، سواء كان هذا العنف لفظياً أو فكرياً

ويتحول الإنسان تدريجياً إلى مجرد "ممارس انتقائى" فى كل ما يراه ويسمعه ويقرأه، فيغلق وعيه متعالياً عن كل ما يخالف قناعاته.

بل وقد يستمرئ فى حواراته مع الآخرين التحايل على الصفات العقلية التى تميز الإنسان عن باقى الحيوانات الثدييات الرئيسية، كالقدرة على الاستنباط، والمقاربة، والربط، والتحليل؛ بغية أن يثبت لنفسه ومن حوله أنه وحده من يتكلم بلسان الحق والحقيقة، ملتمساً فى ذلك إمداد هويته الذاتية بجرعة من الثبات الزائف.

وحتى إن أظهر الإنسان أحياناً (على عكس ما يعتقد) توافقاً ضمنياً مع الآخر، بغرض تفادى ضغوط مجتمعية أو رغبة فى التوصل إلى تحقيق مصلحة تفيده، أو خشية من سطوة وقوة الآخر، فإن ذلك التصرف لا يؤدى بحال إلى سلامة الروح والضمير، ولا يزيد اضطراب الهوية إلا تعقيداً

وقد يتعايش الإنسان هرباً من السلوك الاحترابى بسلبية مع الواقع، فيتنازل عن الدفاع ولو بكلمة عما يعتقد أنه حق إنساني؛ كى يدفع بذلك عن ذاته أذىً نفسياً قد تصيبه به قناعات الآخر، وهو لا يدرك أن هذا السلوك يهوى بهويته الإنسانية تدريجياً إلى قاع جحيم اضطراب الهوية بدلاً من أن ينجيه منه.

ذلك لأن ضمير الأنسان هو محور هويته..وحتى إن تمكن الإنسان من تخديره والتحايل عليه، فإنه لا يستطيع بحال الهرب من صحوة كاشفة قد تصيب ضميره يوماً.. ولو على فراش الموت.. وقت لا ينفع الندم.

كما أن التاريخ قد أثبت أن أقوى محاولات القتل الجماعى للضمائر من قوى الفوضى قد باءت جميعها بالفشل عبر العصور.

ويستطيع اضطراب الهوية المزمن، إن تمكن من النفس أن يهدم كل مقومات الحياة الصحية للإنسان، وأن يبقيه خارج نطاق التأثير الإيجابى سواء فى حياته الخاصة أو حياته العامة، ولا سبيل فى تلك الحالة لعلاج قسرى أو إجبارى تسن له الدولة قوانين مقيدة، كما لا ينجح الإنسان فى الشفاء من هذا الاضطراب بالانغماس هرباً فى الممارسات المجتمعية المختلفة.

ولا يمكن فى تقديرى أن نراهن على وقاية الأفراد فى المجتمع من اضطراب الهوية المؤدى لكل هذا العنف الذى نعايشه فى التواصل، بانتظار لطفرة خيالية فى المناهج التربوية أو تحسناً ملحوظاً فى الخطابين الدينى أو الإعلامى فى مصر خلال السنوات الخمس القادمة على أقل تقدير.

فلا يوجد حتى الآن فى صندوق البيروقراطية الراسخة فى العقل الجمعى للدولة المصرية مساحة فارغة تسمح باستيعاب أفكار ومشاريع مبتكرة تأتى من خارجه، حاملة معها حلولاً غير تقليدية لمعالجة سلوك التواصل الاحترابى، حتى وإن أفضى ذلك المسلك العنيف فى التواصل إلى اقتتال بين الأفراد، قد يفضى إلى موت.
..

استقرار الهوية المضطربة التى تؤدى إلى فشل التواصل، يمثل مشروع حياة شخصى، تبدأ خطواته بالإصرار على الوصول إلى لحظات طويلة من السكون الداخلى التام.. بعيداً عن كل المؤثرات والأصوات الأخرى.. وهى حاله أنسانية نادرة تتطلب جهداً وتدريباً مخلصاً.

فقط فى تلك الحالة يستطيع الأنسان أن يميز صوت ضميره الأصلى من بين كل الأصوات المتصايحة بداخله..

ويستطيع تدريجياً أن يتواصل مع ذاته بلغة واضحة سليمة تبرز ثقته فى ضميره.
إنها تجربة تماثل التدرب على "الخشوع" فى التواصل مع الخالق.. وما الخشوع فى اللغة.. إلا السكون.
..

وبعد ارتقاء درجات احتراف التواصل مع الذات بصدق وأخلاص فى لحظات السكون.. يتمكن الإنسان من بدء رحلته فى إعادة اكتشاف معانى الأشياء والمفاهيم من حوله..حتى تتناغم الصور الذهنية المكونة لهويته الذاتية، فلا يجد النشاز تدريجياً منفذاً لها.
هى رحلة.. لا تنفع الأنسان فيها محاولات الغش باقتباس تلك المعانى من أوراق إجابة الآخرين..
فلكلٍ منا ابتلاؤه على طريق فهم وإدراك حقيقة ذاته الفريدة








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

مصرية جدا

الى الكاتب المحترم

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة