محمد بركة

الوجه الآخر للشيخ الشعراوى

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2013 06:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
خواطره فى تفسير القرآن الكريم كانت شجرة وارفة الظلال نهرع إليها كلما اشتد عطش القلب إلى جرعة إيمان وما أكثر عطشه! الآن عاد الشيخ ليحتوينا بكلمة مُسجلة قالها قديماً فى حب مصر وتبثها الشاشات والإذاعات ليحتوينا بصوته الواهن الحنون! فى السطور القادمة محاولة للتعرف على ملمح آخر من ملامح سيد الدعاة الإمام محمد متولى الشعراوى.
كان رحمه الله مُغرماً بالشعر باعتباره ديوان العرب وغواصاً فى بحور البلاغة ومتذوقاً لمواطن الجمال فى اللغة وحول أسلوبه فى الشعر كان يقول: حرصت على أن أتجه فى قصائدى إلى المعنى المباشر من أقصر طريق.


بغير أن أحوم حوله طويلاً لأن هذا هو الأقرب فى الوصول إلى أعماق القلوب، خصوصاً إذا ما كانت الكلمات بسيطة وواضحة وتخاطب العقل أيضاً وهو ما يغلب فى الوقت نفسه على أحاديثى فى تفسير القرآن، واللافت أن موهبة الشعر ظهرت لدى مولانا مبكراً وها هو يلقى قصيدة عصماء فى حفل تأبين شهداء مذبحة كوبرى عباس والتى دبرها الاحتلال الإنجليزى الغاشم وراح ضحيتها الأبرياء من طلبة وشباب مصر والتى يقول مطلعها:
نداء يا بنى وطنى نداء
دم الشهداء يذكره الشبابُ
وهل نسلو والضحايا
بهم قد عز فى مصر المصابُ
شباب برَّ لم يفْرق. وأدى
رسالته، وها هى ذى تُجابُ
فلم يجبن ولم يبخل وأرغى
وأزيد لا تزعزعه الحِرابُ
وقدم روحه للحق مهراً
ومن دمه المُراق بدا الخِضابُ
وآثر أن يموت شهيد مصر
لتحيا مصر مركزها مُهابُ
وكان الشعراوى بحسه الساخر الذى يمزج بين خفة الظل وسرعة البديهة- شريطة البعد عن الابتذال- قادراً على ترويض أشرس الخصوم فى معارك أدبية ومباريات بلاغية لا تخلو من لمسة كوميديا، ويروى الشيخ فى هذا السياق واقعة بالغة الدلالة حين واجه الشاعر عبدالحميد الديب، أحد أشهر الظرفاء فى النصف الأول من القرن العشرين، يقول الشعراوى: حدث أيام الجماعة الأدبية التى كنت أرأسها نحو عام 1928 والتى كانت تضم معى أصدقاء العمر الدكتور المرحوم محمد عبدالمنعم خفاجى والمرحوم محمد فهمى عبداللطيف وكامل أبوالعينين وعبد الرحمن عثمان رحمه الله حدث أن كانوا على صلة صداقة مع شاعر مشهور وقتها بطول اللسان والافتراء على أى إنسان اسمه عبد الحميد الديب، صاحب قصيدة دع الشكوى وهات الكأس واسكر والذى لم يسلم أحد من لسانه.


والذى كان يعيش على هجاء خلق الله إلى أن يمنحوه مالاً وجاءت ذات ليلة سيرتى أمامه.


وقال له الأصدقاء أعضاء الجماعة الأدبية عن كل ما أقرضته من قصائد شعرية. فرد وقال: الشيخ الشعراوى شاعر كويس، ولكن لا يصح أن يوصف بأنه شاعر ولما سألوه: لماذا؟ قال: إن المفترض فى شعر الشاعر أن يكون موجوداً فى كل غرض. وهو لم يقل شعراً فى غرضين بالذات ولما حكوا لى عن هذا الذى قاله الشاعر محجوب عبدالحميد الديب قلت لهم أما إننى لم أقل شعراً فى الغزل فأرجو أن تبلغوه بأننى أقرضت الشعر فى الغزل أيضاً.

لكنه غزل متورع وانقلوا إليه الأبيات عنى، والتى قلت فيها:
من لم يحركه الجمال فناقص تكوينه
وسوى خلق الله من يهوى ويسمح دينه
سبحان من خلق الجمال والانهزام لسطوته
ولهذا يأمرنا بغض الطرف عنه لرحمته
من شاء يطلبه فلا إلا بطهر شريعته
وبذا يدوم لنا التمتع ها هنا وبجنته
وكثيراً ما كانت أبيات شيخنا تأخذ شكل الحكمة الإيمانية المكثفة، ومن ذلك قوله فى وصف الرزق:
تحر إلى الرزق أسبابه
فإنك تجهل عنوانه
ورزقك يعرف عنوانك
وكثيراً ما كانت تأتى قصائد إمام الدعاة لتعزف على أوتار الإيمان وفيوض الحالة الروحانية، ومن ذلك قوله فى قصيدة بعنوان موكب النور:
أريحى السماح والإيثار
لك إرث يا طيبة الأنوار
وجلال الجمال فيك عريق
لا حرمنا ما فيه من أسرار
تجتلى عندك البصائر
فوق طوق العيون والأبصار.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة