هشام الجخ

الحانُّون

الثلاثاء، 12 نوفمبر 2013 03:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى 25 يناير 2011.. عندما ثار الناشطون السياسيون الليبراليون وأشعلوا الفتيل الأول للثورة الحقيقية يوم 28 يناير «جمعة الغضب» لم أكن أنا من المشاركين - جسديا - فى هذه الثورة.. وقد أعلنتُ كثيرا فى وسائل الإعلام المتعددة أننى لم أشارك إلا فى جمعة الغضب «28 يناير 2011».. وقتها كان سقف المطالب الشعبية يرتفع بسرعة مذهلة، وبعد أن كان الهتاف ضد وحشية الداخلية وهمجية النظام الأمنى فى مصر بدأنا وللمرة الأولى فى حياتنا نسمع هتافا فى الشارع المصرى يقول «يسقط يسقط حسنى مبارك».. كنت لا أصدق نفسى وأنا أرى صديقى «المحامى» وزميلى فى الجامعة- ذا الصوت الجهور- يهتف ضد «حسنى مبارك شخصيا».. ويردد خلفه البسطاء هتافاته بحرارة وحرقة.. كان لنا- آنذاك- هدف واحد ووجع واحد وهو إسقاط نظام «مبارك» بأكمله.. إسقاط الجوع والفقر والفساد والمحسوبية والزحام والتخبط وعدم التخطيط وضياع هيبة المواطن المصرى بالخارج.. كنا مجتمعين على قلب رجل واحد وكنا نحتمى فى بعضنا البعض بطريقة يعجز أبلغ الشعراء عن وصفها.. كانت تسيطر علينا حالة من حب الحياة وحب التضحية فى آنٍ واحد.. كنا نهتف وفى صدر كلٍ منا مواجعه الخاصة التى ازدحمت فى كيانه حتى فاضت وانسكبت على مواجع وآلام صديقه الذى يسير بجواره فى المظاهرة فاختلطت كل المواجع لتصير ألما واحدا ووجعا واحدا نعبر عنه جميعا بنفس الهتاف رغم اختلاف التفاصيل.

ظل الوضع هكذا حتى رحيل «مبارك».. بعد رحيله بدأت التفاصيل فى الظهور على سطح المشهد.. وبدأت الألوان المذابة تنفصل تدريجيا.. وبدأت كل فئة تتجمع حول أفكارها وتتعصب لأهدافها تعصٌّب الجاهلية الأولى وانهارت شعبية الثورة فى مصر وظهرت فئة «كبيرة العدد ومسموعة الصوت» كفرت بالثورة وبدأ الحنين إلى عهد «مبارك».. رغم ظهور فئة كبيرة تحن إلى أيام «مبارك» وتتمنى عودته للحكم بكل تفاصيله، غير أن هذه الفئة لم تجرؤ أن تعلن عن أمانيها هذه لأنها- أقصد «الحانّين» إلى أيام مبارك- فطِنوا إلى استحالة عودته مرة أخرى.. وبالتالى غيروا نهجهم وطموحاتهم وأهدافهم إلى مسارات أخرى قابلة للتطبيق العملى وحددوا أهدافهم فى السياسات التى يرجونها- والتى كانت تسرى أيام مبارك- دون النظر إلى شخص مبارك نفسه لأنهم أدركوا- تماما- استحالة عودة الرجل مرة أخرى إلى سدة الحكم.. وبالتالى وبالتدريج بدأ «الحانّون والمشتاقون إلى أيام مبارك» فى تحقيق أهدافهم رويدا رويدا.. وبدأوا فى استمالة الشارع نحوهم مرة أخرى من خلال إظهار أهدافهم الواضحة من استقرار أمنى وعودة حركة الإنتاج والسياحة وغيرها من مظاهر الازدهار النسبى التى كانت موجودة أيام مبارك واختفت تماما بعد ثورة يناير، لقد نجح «الحانّون» الذين كنا نسميهم بـ«الفلول» فى كسب شعبية كبيرة وواسعة فى السنوات الثلاث التى عقبت الثورة على حساب الثوار الذين انقسموا وتراخوا وتنازعوا فيما بينهم وذهبت ريحُهم وريح الثورة نتيجة عدم التخطيط وعدم إسهامهم فى بناء الدولة بشكل سريع يتناسب مع طموحات الشعب وتوقعاته بعد الثورة، نجحوا لأنهم لم يعادوا النظام الأمنى فى الدولة ولم يعادوا الإعلام ولم يخرجوا فى تظاهرات مملة تزيد من كره الناس لهم ولم يتفّهوا القضاء ولم يتحرشوا بالكنيسة ولم يحقّروا فتاوى الأزهر الشريف ولم يصرّوا على عودة رجلهم إلى الحكم بعد أن خرج ضده الملايين.

أكتب مقالى هذا وأنا أسخر من نفسى- باعتبارى أحد الثوار- وأنتقد نفسى كل الانتقاد وألومها كل اللوم بعد أن كانت الثورة المصرية عروس الثورات فى العالم، وبعد أن تغنى باسم ثوار مصر كل العالم، وبعد أن أجبرنا الإعلاميين من فئة «الحانّين» إلى مناصرتنا وإلى الانضمام إلى صفوف الثوار رغما عن أنوفهم.. اليوم نخسر جزءا كبيرا من شعبيتنا ليلتهمه «الحانّون» إلى نظام مبارك.. أرجو أن تعود الوحدة والتلاحم إلى صفوف الشعب المصرى مرة أخرى وأن تنتهى حالة الاستقطاب والتشويه التى سادت المجتمع المصرى بعد ثورة يناير ونعود مرة أخرى إلى الروح التى سادت المجتمع المصرى فى الثمانية عشر يوما التى احتشدناها فى ميدان التحرير. ياااااه.. بقالى فترة طويلة ما جبتش سيرة ميدان التحرير.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة