هشام الجخ

رحلتى من القاهرة إلى رام الله (1)

الإثنين، 07 أكتوبر 2013 10:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعرف جيل مواليد السبعينات من المصريين – مثلى – قضية فلسطين جيداً بكل تفاصيلها لأن التليفزيون المصرى كان لا يهتم بأى قضية عربية أخرى فى فترة طفولتنا فى الثمانيينات غيرها. يذكر هذا الجيل نشرة التاسعة مساء – عقب برنامج حديث الروح – وكيف كانت الأخبار تتحدث بنسبة 90% عن قضية فلسطين وأخبار فلسطين وانتفاضة فلسطين وزيارات (ياسر عرفات) لمصر أو زيارة (عصمت عبدالمجيد) وزير الخارجية المصرى الأسبق أو (عمرو موسى) لفلسطين، وكنا نشاهد يوميا الانتهاكات التى يمارسها اليهود بالمسجد الأقصى، ونشأنا على حب فلسطين وأهلها ومقاوميها، وكنا نرفع علم فلسطين فى كل المناسبات القومية ونتعاطف مع كل شىء له علاقة بفلسطين.
وكنتُ أنا - بشكل شخصى - أكثر متابعة لأخبار فلسطين لأننى كنت أقرأ نشرة الأخبار بطابور الصباح يومياً فى المدرسة الابتدائية، وهذا جعلنى أكثر احتكاكاً بالأسماء والتفاصيل وجعلنى أكثر اعتياداً على خريطة فلسطين.. وتاريخها وقد ظهر هذا فى قصائدى القديمة والتى ربما حفظها الناس متأخراً، ولكنها كانت تحمل المواجع الفلسطينية وتتحدث عن فلسطين حتى ولو لم تكن القصيدة خالصة لفلسطين.
كنتُ منذ الصغر أعتبر قضية فلسطين هى قضية العرب الأولى، وكنت أعتبر أهلها (الجبارين) هم أهل المقاومة فى العالم العربى، وهم خط الاحترام والتقدير الأول دوناً عن أى جنسية عربية أخرى، حتى أننى لا أذكر فى حياتى أنى قد ارتديت علم دولة أخرى - غير علم مصر - إلا علم فلسطين فى رسالة واضحة، ولها مدلول حقيقى داخلى، وهى أن شعب فلسطين يراه المصريون تماما كشعب مصر.
هكذا نشأتُ وهكذا عشتُ وأحسبنى سأظل هكذا مهما حييت.. بالتدريج.. ومع ظهور الفضائيات غير المصرية.. وكثرة القنوات الفضائية الإخبارية ونجاحها فى استقطاب المشاهدين وصرفهم عن الإعلام المصرى.. بدأت المسميات تختلف والموازين تضطرب.. وظهرت فى الأفق مسميات جديدة وأسماء دخيلة.. وظهر فى الأفق تقسيم جديد لدولة فلسطين بصناعة الإعلام (غير المصرى) وبدأنا نسمع عن كلمة (الضفة الغربية)، وكلمة (قطاع غزة) وغيرها من المسميات التى كانت منذ عشرين عاما تسمى فى الإعلام المصرى (فلسطين المحتلة) بكل مدنها وضواحيها ودروبها، بدأ الإعلام العربى يستخدم مفردات لم يكن يستخدمها الإعلام المصرى ونحن صغار.. فسمعنا عن (الصراع الفلسطينى الفلسطينى) بدلاً من (الصراع العربى الإسرائيلى)، وبدأنا نردد كلمة (نزاع فتح وحماس) وكلمة (الاقتتال العربى العربى على أرض فلسطين)، وجملة (السلطة الفلسطينية برام الله).. كل هذه الاصطلاحات وغيرها مهّدتْ لانقسام داخلى بدأت بذوره مع ظهور القنوات الفضائية الإخبارية التى استغلت التعتيم الإعلامى العربى الموجود فى التسعينيات لتكسب شعبية كبيرة بين صفوف الجماهير العربية، وتستطيع من خلال هذه الشعبية أن تقوم بتوجيه الرأى العام العربى نحو الانقسام وشق الصف.
أنا لا ألوم القنوات الفضائية التى قامت بهذا الدور وحدها، وإنما أوجّه اللوم الأكبر للإعلام المصرى الذى بالغ فى التعتيم وطمس الحقائق حتى فقد مصداقيته وبريقه فى الشارع المصرى والشارع العربى بشكل عام، فى ظل الإعلام الجديد (غير المصرى) والذى انتصر على شعبية الإعلام المصرى، ونجح فى سحب السجادة من تحت قدميه.. بدأت المعايير تختلف.. وانجذب المواطن العربى للإعلام الجديد الجرئ جرأة من نوع خاص.. جرأة تصل إلى حكام بعينهم، وتتجاوز حكاما آخرين.. تنتقد سياسات معينة وتغض البصر عن سياسات أخرى.. إعلام يخضع للهوى ويزعزع ثوابت المجتمع العربى الفكرية والعقدية والمجتمعية والسياسية.. خاصةً فيما يخص قضية فلسطين، بالتدريج تحولت فلسطين من القضية العربية الأولى إلى المرتبة الثامنة أو التاسعة.. وقفزت على شاشات التليفزيون (غير المصرى) أخبار العراق وكردستان وسوريا والسودان والصومال والبحرين واليمن ومصر.. وقلت الأخبار عن ( فلسطين المحتلة) التى كانت الهم الأكبر للإعلام المصرى فى الثمانينيات والتسعينيات، فى هذه الفترة تمت أول انتخابات بفلسطين.. وفازت حركة حماس (جماعة الإخوان المسلمين بفلسطين).. ثم بدأت حالة الاستقطاب والنزاع على السلطة، وقام الرئيس الفلسطينى (محمود عباس أبومازن) بإقالة الحكومة ولكن جماعة الإخوان لم تنصع لقرار الإقالة، وبدأ النزاع الفلسطينى الفلسطينى الذى بشرت به القنوات الفضائية (غير المصرية).. وبدأ كل طرف من طرفى النزاع فى تخوين الآخر وتتفيهه وتهميشه وقتاله فى بعض الأوقات، فى خِضَم الأحداث.. وبدون أى مقدمات.. ظهرت جماعة من المفكرين والسياسيين (الجدد) على شاشات الإعلام (الجديد)، وبدأوا فى الترويج لفكرة (جديدة).. هذه الفكرة باختصار هى أن كل من يسافر إلى فلسطين (رام الله) هو خائن ويقوم بالتطبيع مع إسرائيل.. وأن من يرد أن يزور فلسطين فعليه أن يزور (غزة) فقط. الغريب أن هناك من صدقوا هذه الكذبة الكبيرة وساروا خلفها.. سأروى لحضراتكم تفاصيل الكذبة والاتهامات التى واجهتنى أنا شخصياً فى المقال القادم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة