هشام الجخ

فى مكتب صحة «رابعة العدوية»

الجمعة، 25 يناير 2013 10:58 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الحمد لله.. رزقنى الله بـ«جُوَيْرِيَة».. «بنت زى القمر»..
وكأى أب.. ذهبت إلى مكتب الصحة لاستخراج شهادة ميلاد أولية وللحصول على «كراسة التطعيمات» التى يتم من خلالها متابعة وتسجيل مواعيد التطعيمات، وأيضا للاطمئنان على عدم إصابة البنت بالأمراض التى تصيب حديثى الولادة..
تطوّعتْ «حماتى» العزيزة وصاحبتنى فى هذه المهمة لأنها تعلم أننى لا أتعامل مع الأطفال فى أعمارهم المبكرة إلى هذه الدرجة.. أعتقد أن هذا الموضوع شائع بين الرجال.
فى مكتب صحة «رابعة العدوية» بمدينة نصر والذى لم يكن مزدحما - بفضل الله - طلبوا منى تصوير بطاقتى وبطاقة زوجتى وقسيمة زواجى، وما إلى ذلك من مستندات وإجراءات قانونية لتسجيل قرة عينى لكى تصبح شخصا طبيعيا تعترف به الدولة.

كنت فى قمة سعادتى وأنا أقوم بالإجراءات.. وكان الموظفون فى مكتب الصحة يبادلوننى التحية والتهنئة بالمولودة الصغيرة وبعضهم يتوقع أن تكون طبيبة والبعض يجزم بأنها ستحمل لواء الشعر من بعدى، والبعض يتطرق لمسائل سياسية وحوارات خاصة عن بعض قصائدى والبعض انتظرنى خارج المكتب ليأخذ معى بعض الصور التذكارية..كلها أمور معتادة ولها وقع طيب فى صدرى ولم يحدث ما يعكر مزاجى إلى أن جاءت اللحظة العجيبة.

قالت لى الموظفة - بمنتهى الذوق: «عايزين دمغة بجنيه وبريزة يا أستاذ هشام».

كان رد فعلى طبيعيا جدا وسريعا جدا أخرجت من جيبى نقودا وقدمتها ببساطة إلى الموظفة.. ولكنها ابتسمت وطلبت منى أن أتوجه إلى مكتب البريد لشراء طابع الدمغة المذكور.

سنقف هنا قليلا لنتكلم قدر المستطاع عن الدمغة وتاريخها وضرورتها فى بناء المجتمع.

الدمغة رسوم يتم تحصيلها من قبل الدولة مقابل الخدمة التى تقدمها الدولة لاستخراج أوراق رسمية.. ولا تكون هذه الأوراق معترفا بها من قبل الدولة بدون أن تدمغ.

وتذهب إيرادات هذه الدمغات إلى خزانة الدولة لتوظيفها واستخدامها فى الصالح العام.

ونظرا لأن نظام الدمغة فى مصر قديم جدا ويعود لأيام الحكم العثمانى لمصر، فقد استوجب الأمر أن يتم تحصيل إيرادات الدمغات من خلال جهة لها فروع فى كل أقطار مصر.. ولما كانت البنوك - آنذاك - غير منتشرة وليس لها فروع فى محافظات ومديريات القطر المصرى فقد أوكلت الحكومة صلاحية تحصيل الدمغات إلى الجهة الحكومية الوحيدة المنتشرة فى جميع مراكز وقرى مصر.. ألا وهى «البوستة» طبعا.. وأصبح منذ ذلك الحين فرضا على كل من يريد استخراج مرسوم من الدولة أن يسدد مبلغا من المال فى أقرب مكتب بريد.. وليتم التأكد من سداد المبلغ، أصدرت هيئة البريد المصرى طوابع خصيصا سميت بـ«الدمغات».. ويجب على كل مسؤول فى الدولة أن يتأكد من وجود هذه الدمغات قبل اعتماد الأوراق الرسمية.

نعود لمكتب صحة «رابعة العدوية».. رفضت الموظفة أن تأخذ النقود وطلبت منى أن أتوجه إلى أقرب مكتب بريد لشراء طابع الدمغة.

للوصول إلى أقرب مكتب بريد من مكتب صحة «رابعة العدوية»، أمامك خياران «وأرجو هنا أن ننظر للخيارين من وجهة نظر كل المواطنين، حيث منهم المريض ومنهم الضعيف ومنهم العاجز»، الخياران هما أن تعبر طريق الأوتوستراد السريع جدا والواسع جدا وتخاطر بحياتك..أو أن تسير قرابة الكيلومتر للوصول إلى أقرب إشارة لتتمكن من عبور الشارع بأمان ثم تسير قرابة الكيلومتر مرة أخرى للوصول إلى مكتب البريد.

أنا شخصيا اتخذت حلا ثالثا واستخدمت سيارتى ظنا منى أننى سأكسب بعض الوقت، ولكن الحقيقة أن ما وجدته من صعوبات فى إيجاد مكان لأركن فيه سيارتى عند مكتب البريد أضاع منى وقتا أكثر بكثير لو أننى ذهبت سيرا على الأقدام.

السؤال.. لماذا لا تتم تحصيل الرسوم فى نفس المكتب الذى تتم فيه بقية الإجراءات؟
وأين سياسة الشباك الواحد الذى وعد بها الدكتور «هشام قنديل» للقضاء على البيروقراطية فى الأداء الحكومى؟
أنا شاب وأستطيع الذهاب والمجىء والمشى لنصف اليوم بأكمله.. ولكن ماذا لو أن مكانى رجلا ضعيفا أو امرأة مسنة أو ما شابه؟
أنا غاضب جدا وأنتظر أن أرى ثورة 25 يناير فى أداء الحكومة وليس كلاما فى وسائل الإعلام فقط.

ملحوظة.. لقد همست فى أذن أحد الموظفين بالمكتب وسألته: ما الذى تغيّر منذ قيام الثورة؟ فأجابنى هامسا أيضا: «والله العظيم يا أستاذ هشام ولا حاجة اتغيرت».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة