محمد بركة

الإخوانجى أكثر من الإخوان

الخميس، 10 يناير 2013 10:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حين وقع حادث المنشية فى منتصف الخمسينيات واتهم الإخوان بمحاولة اغتيال عبدالناصر أثناء إلقاء خطابه فى الإسكندرية، صدر قرار بحل الجماعة وتم اعتقال الآلاف من أعضائها. المدهش أن حملة الاعتقالات شملت مراهقاً يُدعى عبدالحميد حسنين، الطالب بمدرسة «الصنائع» الثانوية وابن قرية «بدين» التابعة لمحافظة «مديرية آنذاك» الدقهلية. وجه الدهشة هنا هو أن «عبدالحميد» لم يكن له أدنى صلة بالجماعة، بل كان معروفاً عنه أنه «جدع بايظ» يدخن السجائر ويتعاطى الحشيش ويعاقر الخمر وله العديد من العلاقات النسائية. وأثناء التحقيق معه، كان يقسم بالله أنه ليس إخوانياً ولا يعرف أى شىء عن السياسة، فتكون النتيجة أن يتم تعذيبه بقسوة أكثر، باعتباره «مُصمم على الإنكار يافندم!». فى النهاية فقد الشاب البرىء عقله، وتم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية وأُصيبت أمه «الخالة هانم» بحزن شديد كما لو أن القهر قضم قطعة من قلبها. ولم يعد أمامها سوى أن تنتظر مجىء زملائه من القاهرة والمنصورة إلى القرية فى الإجازة الصيفية لتتذكر شيئاً من «ريحة ضناها».

فى هذه الأثناء كان ابن آخر نابه ومتفوق من أبناء نفس القرية يجلس ومعه تسعة تلاميذ آخرون بصحبة الزعيم جمال عبدالناصر بمقر مجلس قيادة الثورة بمنيل الروضة. كان هذا التلميذ قد حصل على المركز الأول على مستوى القطر المصرى فى المسابقة حول أهداف ومبادئ ثورة يوليو، وجرى ترتيب هذا اللقاء الرئاسى، وضم برنامجا ثقافيا سياسيا لتكريم الفائزين من طلبة إعدادى وثانوى.. سأل عبدالناصر التلاميذ: ماذا وجدتم من فروق بين ثورتنا والثورات العالمية الأخرى؟ لاذ الجميع بالصمت، ولم يُجب سوى التلميذ النجيب قـائلاً: ما يميزها أنها كانت ثورة بيضاء! سأل عبدالناصر: أليست «كانت» فعلاً ماضياً.. فهل حدث ما أزال عنها تلك الميزة؟ فأجاب التلميذ: أقصد ما وقع من إعدامات للعمال واعتقالات للإخوان المسلمين مؤخراً.. وحكى قصة عبدالحميد حسنين.

هنا روى عبدالناصر كيف أنه ذات يوم أثناء عمله فى مكتبه بحث عن قلمه «الباركر 51» الذى أهداه إياه الرئيس الأمريكى «إيزنهاور» فلم يجده، فاتصل بزكريا محيى الدين وزير الداخلية بضياع القلم ويرجوه أن يساعده فى البحث عنه، ثم بعد خمس دقائق، وبينما هو يعيد ترتيب بعض الملفات عثر عبدالناصر على القلم، فاتصل مرة أخرى بزكريا محيى الدين ليخبره بأنه وجد القلم، فإذا بزكريا يقول له: «إزاى يا ريس.. إحنا قبضنا على الحرامى واعترف بسرقة قلم سيادتك».. هنا ضج الجميع بالضحك، وقال عبدالناصر: «إن الثورة ورثت نفس الجهاز الأمنى للعهد البائد، وكأى جهاز بيروقراطى يريد أن يثبت ولاءه لنظام الحكم الجديد فيكون ملكياً أكثر من الملك أو ناصرياً أكثر من ناصر»، أو إخوانياً أكثر من الإخوان، ولابد أن أجهزة الأمن فى كل محافظة أرادت أن تُرضى الحُكام الجُدد فبدأت تقبض عشوائياً على أكبر عدد ممكن من الإخوان. الشاهد فى هذه الواقعة التى حكاها فى مذكراته الطفل النجيب الذى أصبح فيما بعد عالم الاجتماع السياسى د.سعد الدين إبراهيم أن الإخوان وصلوا إلى الحكم، فهل يبحثون عن المنافقين والمداهنين وكتبة التقارير الذين يريدون أن يُثبتوا أنهم «إخوانجية» أكثر من إخوان؟!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة