محمد بركة

زوبة .. والدكتور

الخميس، 03 مايو 2012 04:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعيداً عن قعقعة سيوف المبارزة بين المجلس العسكرى والإخوان، اسمح لى باعتراف صغير خارج النص، إذ يبدو أن تعوّدى على قيادة السيارة أنسانى حقيقة أن المشى سيراً على الأقدام فى شوارع العاصمة العامرة بالزحام والمتوجة بالصهد والزحام والأكسجين الأسود يصلح لأن يكون فقرة رائعة فى السيرك القومى.. السيارة اشتريتها «مستعملة» وهى عند الميكانيكى .. دائماً عند الميكانيكى.

هذا الذى أناديه بلقب «دكتور» جرياً على عادة أصيلة يحرص عليها جميع زبائنه، ولم أشأ أن أكون أنا الاستثناء، لكن إذا أردتم الحق - وليس ابن عمه - ينبغى أن أعترف أن السبب الحقيقى فى منحى إياه هذا اللقب بسرعة ودون تفكير هو أننى أكره الأطباء .. أكرههم كراهية عمياء .. تعود جذورها إلى أيام طفولتى السعيدة فى قرية «منذورة» للجوع والبرد والبلهارسيا!

أكره بشرتهم البيضاء وأناملهم الناعمة وصوتهم الخفيض الواثق وردودهم على أسئلة الغلابة بتأفف وزهق وكأنهم يتعاملون مع أطفال أغبياء، أكثر من ذلك أكره خضوع الفلاحين المطلق لهم، فالله فوق و«الداكتور» على الأرض، الله هو الشافى، ولكن «الداكتور» هو الخير والبركة. هو الشخص الوحيد الذى من حقه أن يقيس الضغط بقرف، ويستمع إلى دقات قلب المرضى دون اكتراث، ويلغى مواعيد الكشف حسب مزاجه، أو يأتى متأخراً ويمضى إلى غرفة الكشف مباشرة دون أن يلقى نظرة على الجموع التى ضاقت بها الكراسى الجلدية المهترئة فافترشت البلاط العارى فى عيادة رخيصة بالمنصورة لا تعدم أن تجد بينها فلاحاً فصيحاً «متنور» يقول مخاطباً بلدياته: الله يكون فى عونه «الداكتور»، أصلنا شعب وسخ، والواحد منا أتوبيس أمراض!

ما أحب على قلبى إذن أن أنادى السيد الميكانيكى باسمه مسبوقاً بـ«دال نقطة»، طبعاً من باب أولى فإننى أفعل الأمر نفسه مع الأستاذ حضرة السباك المحترم، بل وإمعاناً فى التشفى والانتقام أتعمد أن أشير إلى الفرامل أو الموتور أو الحنفية باعتبارها «الحالة» وإلى ذهابى إلى الميكانيكى أو مجىء السباك إلى بيتى باعتباره «زيارة» ولها «فيزيتا»!

ما لم يكن فى الحسبان أن الميكانيكى «عايش» فى دور الطبيب تماماً، وتقمصه للقب عميق وحقيقى، والأسوأ أنه مثل كل الأطباء يركز اهتمامه على «الحالات» الأخرى من سيارات فارهة بعضها يحمل لوحات دبلوماسية خضراء والمرة الوحيدة الذى خلع قناع الطب وتحدث معى بتلقائية عائداً إلى طبيعته كابن بلد وعترة ومجدع ومولود فى الدرب الأحمر، كانت تلك التى خبط فيها على سيارتى الضئيلة بكفه الغليظة قائلاً: «أهلاً يا زوبة» متوقعاً أن أجد ذلك طريفاً!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة