محمد بركة

ذكريات مع الإخوان «3/3»

الخميس، 16 يونيو 2011 04:15 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان «البشمهندس م» مدير نادى المهندسين برأس البر أوائل التسعينيات، هو الذى أصبح يتولى مسؤوليتنا نحن مجموعة الشباب الجامعى «الواعد»، ورغم أن الجماعة من المنظور الفقهى كانت تتسم بالاستنارة والتيسير ويشدد أعضاؤها على مبدأ «الأصل فى الأشياء الإباحة» إلا أن الأمر لم يخل من بعض الصدمات العابرة! ذات مرة تنهد البشمهندس بعمق وقال: هذه الأغنية تستخدم أجراس الكنائس فى لحنها! قالها بحسرة وببطء، وفى نبرة هادئة مثل الراعى يرى خرافه تضل حظيرتها وتذهب لملاقاة الذئب! كان يشير إلى أغنية «ألف ليلة» التى تغنت بها أم كلثوم، كلمات مرسى جميل عزيز وألحان بليغ حمدى.
فى مرة أخرى سمعنا أحد كوادر الجماعة يقول إن «النصارى» أصبحوا يتبعون منهجاً جديداً فى تسمية مواليدهم يقوم على تجنب أسماء من نوعية «جرجس ومينا» ويعتمد أسماء مشتركة مع المسلمين مثل «ماجد وسمير»..
لم أستطع أن أمنع نفسى من الشعور العميق بعدم الارتياح لهذه النظرة للأقباط باعتبارهم كيانًا غير مصرى، لا نراه إلا فى إطار دينى ضيق، بل نتعامل معهم على أنهم أناس يتآمرون على الأغلبية المسلمة ويدسون لها السم فى العسل! أيضاً لا أنسى أحد كوادر الجماعة وهو يسخر من جماعة «أنصار السنة» فيطلق عليها اسم «أنصارالقلة»... صدمنى التشبيه الساخر، فقد كنت أعرف أن للجماعة فى تعاملها مع الفصائل الإسلامية الأخرى وجهين: وجها ظاهريا معلنا على لسان الرموز والقادة يؤكد مبدأ وحدة الهدف وأهمية التعاون و «نعمل على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه» ووجها آخر على مستوى القاعدة لا يكن احتراماً حقيقياً لتلك الفصائل والجماعات الأخرى كالتبليغ والدعوة والجهاد والجماعة الإسلامية وأنصار السنة، لكن كانت هذه المرة الأولى التى أرى فيها أحد «كبار الإخوة» يتحدث عن الآخرين على هذا النحو.
توالت الصدمات أكثر وضوحاً على مستوى الصورة الذهنية التى يحتفظ بها الإخوة فى القرى والحارات تجاه رموز الثقافة المصرية، فطه حسين ما هو إلا ضرير حاقد على الإسلام، وكان يردد: لو أن معى قلماً أحمر، لصححت القرآن! والعقاد اختار وقت صلاة الجمعة بالذات ليقيم فيه صالونه الأسبوعى، ونجيب محفوظ حصل على جائزة نوبل مكافأة من الغرب له على أفكاره الإلحادية! وتطول قائمة الاتهامات الخرافية لتشمل يوسف إدريس ولويس عوض، فضلاً عن عبدالحليم الذى قال لعبد الناصر حسب رواية أخ لنا لو يأذن لى سيدى الرئيس لأمسكت بالمسدس وقتلت أفراد جماعة الإخوان فرداً فرداً..!
ورغم الخطاب المستنير نسبياً تجاه المرأة، إلا أن الأمر لم يخرج عن إطار الشروحات النظرية الفقهية، أما على مستوى التجربة الواقعية التى عايشناها بدمياط فلم يكن لحواء أى ذكر أو دور باستثناء بعض «التنسيق» المحدود مع إحدى «الأخوات» ضمن أنشطة اتحاد الطلبة بجامعة المنصورة. اكتمل الثالوث إذن: المرأة والأقباط والمثقفون... على نحو لم يكن ليتوافق معنا نحن الحالمين بالكتابة والإبداع والتمرد، وبدا أن خطاب الجماعة يصادر دون قصد على حقنا فى المعرفة والاكتشاف..لم نكن أصبحنا «إخوة عاملين» بعد، كنا بالكاد «إخوة منتسبين» ولم نكن قد أقسمنا على المصحف أو تلونا البيعة، وكان من الصعب، رغم المحبة والاحترام، أن نتصور أنفسنا مجرد «ترس» صغير فى ماكينة سياسية لا نعرف عن أبعادها شيئاً..
المهم الآن أننا فى فترة ابتعادنا عن الجماعة، وقبل 25 يناير، ظللنا نحتفظ بذكريات دافئة لأناس أفاضل أحببناهم ورأينا فى نماذجهم الفردية الصدق والأمانة والإخلاص، والتضحية بالرزق والأمن إيماناً بفكرة، ظللنا ننادى بحق الجماعة فى العمل العلنى كجزء من النسيج الوطنى بعيداً عن الملاحقات الأمنية الخانقة، لكن الأهم أن يحترم الإخوة «الحق فى الاختلاف» وأن يتخلصوا من الأفكار المسبقة التى تضع الجميع فى سلة واحدة على غرار ذلك الأخ الذى كنت أتناقش معه يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وما إن عرف أننى أكتب مقالاً فى «اليوم السابع» حتى قال على الفور: آه... عشان كده.. دلوقتى أنا فهمت!!
«ملحوظة: كان الأخ من المصوتين بـ«نعم» بينما كنت أنا من حزب «لا».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة