مصر الجريحة فى المستشفى

الخميس، 10 فبراير 2011 09:34 م
مصر الجريحة فى المستشفى الثأر من المجرمين
أميرة عبدالسلام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄◄ مصابون من ضحايا المظاهرات يروون قصص إصاباتهم فى «ثورة الغضب»
◄◄ أهالى الشهداء يتسلّمون الجثامين من المشرحة.. وشباب يتبرّعون بدمائهم للمصابين.. ومستشفى ميدانى فى أرض المعركة

«الموت فى سبيل الوطن» هذا الشعار رفعه ملايين المتظاهرين من شباب مصر فى ثورة الغضب التى طالبت برحيل الرئيس مبارك. الثورة التى شهدت مئات الشهداء وآلاف المصابين الذين ارتوت أرض مصر بدمائهم فى ملحمة الحرية، هناك قصص إنسانية كثيرة تروى معاناة هؤلاء مع الإصابات، شاب فقد عينيه، وفتاة فقدت يدها، وإصابات أخرى متعددة.

«اليوم السابع» عايشت المصابين داخل المستشفيات، بداية من المنيرة مرورا بالدمرداش، وصولا إلى قصر العينى. البعض مصاب بجروح وكسور، وآخرون اخترقت طلقات الرصاص الحى أجسادهم، وينتظرون أمام غرف العمليات، والبعض الآخر داخل العناية المركزة، ولكن لم تتبدد أحلامهم فى التغيير، رغم ما أصاب جسدهم من وهن وضعف.

وقال أحمد محمد نجيب، مصاب بجروح تفرقت فى أنحاء جسده بسبب طلقات نار عشوائية، إنه أصيب بطلقات من أسلحة ميرى يوم «جمعة الغضب» أثناء تفرقة المتظاهرين فى ميدان التحرير، وأضاف:«نزلت المظاهرة يوم الجمعة، مشينا من منطقة الخليفة حتى ميدان التحرير وبعد صلاة الجمعة بدأ الأمن يضرب فى المتظاهرين بالرصاص المطاطى، ولكن مع حلول الظلام بدأ الأمن الضرب بالرصاص الحى».

بجوار السرير الذى يرقد عليه أحمد يجلس والده الذى تجاوز عمره الستين، يدعو فى خشوع ليتقبل الله منه ويشفى ابنه، قائلا:«ابنى راح منى يا ناس، ماذا فعل هذا المسكين عشر سنوات، عاطل لا يعمل، نزل المظاهرات باحثا عن أمل فى العمل معبرا عن مشكلته» وعندما سألناه كيف عرف أنه مصاب قال: «شىء إلهى قاللى انزل دوّر عليه عندما تاخر عن العودة من المظاهرات، عرفت أن المصابين فى مستشفيات المنيرة والقصر، وعندما دخلت إلى طوارئ قصر العينى وجدت اسمه بين المصابين بعدما فقدت الأمل فى وجوده، عندما لم أجد اسمه فى كشوف المتوفين، وبعدها دورت عليه فى المشرحة، خاصة أنه كان فيه جثث مش متعرفين عليها، ولكنى حمدت الله عندما رأيته حيا، كفاية إن فيه النفس وعايش، وحسبى الله ونعم الوكيل».

أما محمد جاد إسماعيل، 38 سنة، فإصابته جاءت فى صدره بطلق نارى خرج من ظهره، حالته الصحية مستقرة حاليا بعد إجراء عملية جراحية دقيقة له لاستخراج الطلقات التى أصابته، ومع صعوبة حالته تكلم بصعوبة بالغة قائلا:«ماذا فعلت، أنا نزلت المظاهرات لما عرفت إنها سلمية، ولكن الأمن المركزى ضرب بطريقة مش سلمية خالص».

أما أحمد صابر، سائق، مصاب برصاصة خرطوش فى الكتف اليمنى، فقال:« أنا خرجت فى مظاهرات أوسيم، وطول النهار كان الوضع مابين الحكومة والمتظاهرين، ضرب وجرى، ولكن بالليل بدأ ضرب النار فجأة، حسيت بضربة فى كتفى، وبعدها وجدت نفسى هنا فى المستشفى، بس الحمد لله على كل شىء».

عادل أحمد عبدالعال، 26 سنة، مصاب بطلقة خرطوش فى الكتف خرجت من جانبه الأيمن، يرقد تحت قدميه والده الذى قال:«ابنى ميعرفش حاجة عن السياسة، وطول عمره ماشى جنب الحيط، بس يوم الجمعة خرج مع كل الناس، خاصة بعدما عرف إن فيه حد من أصحابه مات يوم الثلاثاء، خرج فى مظاهرات بولاق الدكرور، ولكن أمام القسم بدأوا ضرب النار، فأصيب فوق كوبرى ثروت، وحملناه إلى المستشفى، والحمد لله ربنا نجاه».

«الطلقة أصابت عينى اليمنى، فجأة الدنيا اسودت قدامى»، بهذه الكلمات أكد محمد حسين، طالب بكلية التجارة، أنه أصيب بطلقة مطاطية فى العين أدت إلى انفجار فى الملتحمة، مثله مثل 62 حالة ترقد فى قصر العينى مصابة بطلقات مطاطية فى العين، أدت إلى تصفية السائل العينى مما تطلب عمليات جراحية دقيقة لحقن هذا السائل فى العين مرة أخرى بعد 24 ساعة من الإصابة حتى يتمكن المصاب من الرؤية مرة أخرى، وتمكن الأطباء من إجراء جميع العمليات.

وقال الدكتور أشرف حاتم، مدير مستشفيات قصر العينى: إن جميع الحالات مستقرة، مشيرا إلى أن قصر العينى استقبل ما يقرب من ألف مصاب منذ بداية المظاهرات حتى الآن، ومعظم الإصابات فى الأغلب إصابات من الرصاص المطاطى وطلق النار والحروق جراء استخدام الغازات، بالإضافة إلى الكسور نتيجة التدافع، إلى جانب حوادث نتيجة أعمال الشغب وحوادث السيارات وإصابات أخرى نتيجة أعمال البلطجة والشغب، «فالسلاح أصبح فى يد الكثير» كما قال «حاتم» مما يعقد الأمور، فالجناة مجهولون، فهل هم من رجال الأمن الذين تسببوا فى حالة الرعب بغيابهم عن الساحة فى وقت كنا فى أشد الاحتياج إليهم؟، أم هم بلطجية ومثيرو شغب هربوا من السجون، وكثرت سيناريوهات هروبهم حتى الآن؟، إلا أن الحقيقة المؤكدة أننا أمام إصابات تنزف فى معظم المستشفيات.

كل هذه المشاهد وأكثر مما لا تستطيع الكلمات أن تصفها، تجدها بمستشفى قصر العينى الذى استقبل أكثر من ألف حالة إصابة، و30 حالة وفاة، خلال ثلاثة أيام فقط منذ الإعلان عن يوم الغضب.

«كده حرام وظلم كبير» هذه الكلمات خرجت من فم محمد عبدالحميد الذى أصيب برصاصة فى ظهره خرجت من صدره. قال محمد لـ«اليوم السابع» خلال زيارته لمستشفى قصر العينى:«كنت نازل من ميكروباص بمنطقة الجيزة فأصبت بطلقة نارية حية جاءت فى صدرى ونفذت من صدرى، وأولاد الحلال نقلونى إلى هنا، ولم يعرف أهلى إلا بعد ثلاثة أيام من الإصابة».

وخلال جولتنا رأينا شابا لا يزيد عمره على 27 عاما يدعى عادل أحمد عبدالعال على سرير بعنبر الاستقبال الذى اكتظ وتكدس بالمصابين، قال:« أنا من سكان منطقة دار السلام، وفوجئت بمجموعة من الرجال ملتحين يطلقون النار بشكل عشوائى فأصابتنى رصاصة بمنطقة الحوض».

وقال عادل:«أصدقائى قاموا بحملى إلى المستشفى وتلقيت العلاج»، مؤكدا أن الذين قاموا بضرب النار لم يستطع أحد الإمساك بهم.

وهناك شاب يرقد على السرير تفرقت الإصابات فى جسده، وملأ جسمه أكثر من 50 غرزة، لم يستطع الحديث معنا، فقالت شقيقته إن شقيقى محمد جاد لم يشترك فى المظاهرات، وكان ذاهبا لعمله، فقامت مجموعة من البلطجية بقطع يده وتشويه جسده.

على الجانب الآخر من قسم الباطنة الذى استقبل آلافا من المصابين، توجد المشرحة التى استقبلت فى قصر العينى فقط أكثر من 23 حالة وفاة.

«اليوم السابع» اقتربت من الأهالى أمام باب مشرحة قصر العينى ومشرحة زينهم، إلا أن باب الكلام أغلق تماما أمام دموع وصرخات أهالى المتوفين الذين قالوا: «ماذا فعلوا حتى تنتهى حياتهم بهذه الطريقة فى الشارع بطلقات نار حية» فقد صرخت سيدة والدموع تنهمر من عينيها:«ابنى مات يا ناس حد يقولى ذنبه إيه، مات من غير ما أشوفه ولا حتى أغمض عينيه، واقرا عليه الشهادة، ابنى الرصاص دمر كل جسمه، عرفته من ضحكته والبسمة اللى اترسمت على وجهه».

فى مستشفى المنيرة المشهد لا يختلف كثيرا، ففى جولة خاصة أجراها الدكتور أحمد سامح فريد، وزير الصحة، على مصابى التظاهرات، أكد أن حالة جميع المصابين بسبب أحداث الاحتجاج الأخيرة مطمئنة، وأنهم يتلقون الخدمات الطبية كاملة بالمجان فى جميع المستشفيات، وسيتم علاجهم مهما تكلف على نفقة الدولة دون أى تحمل مادى أو سقف مالى من جانبهم، سواء داخل مصر أو خارجها، لافتا إلى تكوين لجان متخصصة من المستشارين فى علاج الإصابات المختلفة للتعامل مع هؤلاء المرضى بحرفية عالية، كما يتم حاليا حصر دقيق لأعداد الإصابات وطبيعتها للتعامل معها بشكل يرضى المريض، ويعمل على سرعة شفائه، مشيرا إلى أن معظم الإصابات التى شهدها فيما نسبته 50% لم تكن بسبب المظاهرات، ولكن بسبب أعمال البلطجة أو الشغب فى الأحياء، والتى أعقبت مظاهرات الغضب.

«التبرع بالدم يساوى استمرار الحياة» رسالة موازية لمصابى التظاهرات أطلقتها وزارة الصحة للمواطنين لسرعة المبادرة بالتبرع بالدم بعد نضوب المخزون الإستراتيجى منه فى معظم المستشفيات، فى ظل ارتفاع إجمالى عدد مصابى أسبوع الغضب لأكثر من خمسة آلاف وخمسمائة مصاب، والذين يحتاجون إلى مئات اللترات من الدم.

المركز القومى لنقل الدم بالعجوزة يناشد المواطنين بسرعة التبرع بالدم إلى المراكز القومية التى تقوم بتغذية المستشفيات بالدم، خاصة أن الأخيرة ليست مؤهلة لاستقبال التبرع مباشرة، كما قالت الدكتورة فاتن مفتاح، رئيس المركز القومى لنقل الدم، مطالبة الشعب المصرى خاصة الشباب بالتبرع بالدم بسبب النقص الشديد الذى تواجهه بنوك الدم على مستوى الجمهورية، مشيرة إلى أن خدمة الخط الساخن «19447» تستقبل جميع تساؤلات الراغبين فى التبرع، كما تقوم بتوجيههم لأقرب مركز للتبرع بالقرب منهم.

من جانبه أشار د. حماد النقراشى، رئيس قسم التبرع بالمركز، إلى أهمية التوجه إلى أقرب فرع من فروع المركز القومى للتبرع بالدم، وذلك لأنه يقوم بفحص جميع أكياس الدم قبل توريدها للمستشفيات، فى حين لا تمتلك المستشفيات غير المؤهلة فحص الأكياس، مما يجعل التبرع عن طريق المركز هو الأكثر أمانا، وأضاف أن المركز يورد الدم إلى 18 مستشفى بالقاهرة و17 مستشفى بالجيزة، مؤكدا وجود نقص شديد بأكياس الدم لدى المستشفيات، خاصة فى حالة الطوارئ التى تمر بها مصر، لأن الدم يساوى حياة أحد المحتاجين إليه، وهى الدعوة التى لباها بالفعل العديد من الشباب.

فى حرم المعركة، ميدان التحرير سابقا، نظّم العديد من الأطباء المتطوعين أكثر من مستشفى ميدانى لإسعاف المصابين بجوار جامع عمر مكرم، وفى ممر الدخول من ميدان عبدالمنعم رياض مستشفى آخر، إلا أن أشهرها مستشفى «عباد الرحمن» الميدانى، الذى كان مجرد زاوية للصلاة حولتها المعركة إلى مستشفى بكامل طاقته لاستقبال المصابين والمتوفين.

الدكتور خالد حنفى، مدير المستشفى بميدان التحرير، أكد أن المستشفى الآن يظهر كمستشفى حرب، فقد تم إنشاؤه لاستقبال المصابين، وذلك بالجهود الذاتية، لافتا إلى أن العديد من شباب الأطباء وطلاب الامتياز تطوعوا للعمل فيه، حيث انضم إليه ما يقرب من 30 طبيبًا متطوعًا ونحو 60 مسعفًا طبيًّا، بالإضافة إلى 150 يشاركون فى اللجان الشعبية لحماية المستشفى، و7 سيدات طبيبات من الأهالى بالمنطقة أصررن على المشاركة فى إسعاف المتظاهرين.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة