محمد بركة

"همسة عتاب" فى عيد الشرطة

الثلاثاء، 25 يناير 2011 07:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رغم أننا بلد شهادات تعشق الشعارات والكلام الكبير اللى معلهوش جمرك، إلا أن بعض الكبار عز عليهم أن يمر المواطن بالقرب من قسم شرطة أو مديرية أمن فتتكحل عيناه بشعار "الشرطة فى خدمة الشعب"، وقد استلقى على يافطة ضخمة عريضة تسد عين الشمس!

لم يكن الأمر سوى مجرد شعار راقٍ، محترم، بصرف النظر عن مدى علاقته بالواقع، بل ربما كان جماله ينبع بالذات من أنه ينطلق من افتراضات ويرسم توقعات لا علاقة لها بالواقع. يتلقى المواطن صفعة على قفاه من مخبر شرطة، فيهتف الهتاف الخالد: "ربنا يخليك لينا يا باشا!"، يسبه أمين الشرطة بألفاظ مهينة فيقول على الفور: "اللى تأمر بيه سيادتك!"، يتلقى شلوتاً متيناً يدحرجه خطوات فيصرخ: "اضرب يا باشا.. ماهو الضرب للجدعان!"، يقف أمام حضرة البيه الضابط ذات نفسه فتصطك أسنانه وتسيب مفاصله، وإذا كان مسلماً تذكر الست الحاجة والدته وهى تحذره: "جالك الموت يا تارك الصلاة"، ودعا ربه بصدق وتجرد: "يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف"، أما إذا كان مسيحياً دعا الرب ألا يدخله فى تجربة!

وفى عيد الشرطة، اسمحوا لى أن أوجه التحية إلى العيون الساهرة على أمن الوطن وأطلق الزغاريد وأرش الملح من الإسكندرية إلى أسوان، فقد كنا زمان اسمنا "مصر المحروسة"، وبعد أن أصابنا الدور تحولنا ببركة دعاء الوالدين والعلاقة الوطيدة بين كف أمين الشرطة وقفا المواطن إلى "مصر المفروسة"، ثم تحولنا ببركة التعبير الجامد الصخرى الذى يلوح على وجوه عشرة آلاف عسكرى أمن مركزى يطوقون مائة متظاهر سلمى – معظمهم ستات – إلى "مصر المخروسة".. وهذا فى حد ذاته أكبر دليل على أن مصر بتتقدم بينا.. وأن التطور الطبيعى للحاجة الساقعة على مسيرة الأمم والشعوب.

وأنا – قسماً بالله العظيم تلاتة – لا يوجد تار بايت بينى وبين أى نسر أو دبور أو سيف على الكتف أو كاب على الرأس، وقديماً قالوا: فين تروح يا صعلوك بين الملوك، كما أننى – وهذا اعتراف إلى من يهمه الأمر – لست عضواً فى "المحظورة"، ولم أدخل بيت حماتى أو أى حزب معارض منذ سنوات، وإذا رأيت مظاهرة للجماعة بتوع "كفاية" وأخواتها تذكرت حكمة جدى "الحاج معوض الذى لم يكن حاجاً ولا يحزنون": الجرى نصف الجدعنة واحنا جدعان قوى! وإذا تلقيت دعوة لوقفة احتجاجية على الفيس بوك، أتجاهلها على الفور إلا إذا كانت من أرسلتها فتاة تقول للقمر "قوم وأنا أقعد مكانك"، هنا فقط يوسوس لى إبليس اللعين، لكنى سرعان ما أتذكر أن معرفة الرجال كنوز، ومعرفة الرجل بألف امرأة!

كل ما هنالك يا سادة يا كرام أننى أتمنى على الله – ولا يكثر على الله – أن يتغير مفهوم "هيبة السلطة"، وتتحول أدواته من القفا والشلوت إلى روح القانون واحترام حقوق الإنسان، ثم أننى أحب دائماً أن أنظر إلى نصف الكوب المليان، وأرى الضوء فى نهاية النفق المعتم، وصحيح أن الشعار القديم الذى أتباكى عليه استبدلوه بـ "الشرطة والشعب فى خدمة الوطن" وهو شعار سخيف بلا طعم ولا لون ولا رائحة، وتحول الشعب بسببه من مخدوم إلى خادم للوطن الذى احتكره الأثرياء الجدد، لكن شكراً على الأقل للسادة المسئولين الذين لم يجعلوا الشعار: "الداخل مفقود والخارج مولود".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة