محمد بركة

أقباط النجع.. وليس أقباط نيويورك!

الثلاثاء، 16 مارس 2010 07:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت أظن أن "الجانى الحقيقى" فى جريمة الاعتداء على إخواننا الأقباط فى نجع حمادى ليلة عيدهم هو حر الصعيد ودماغ بلدياتنا، لكن ماذا أقول فى جريمة مرسى مطروح، تلك البقعة السياحية التى تملك واحداً من أجمل شواطئ العالم؟ بأن فيروس التعصب الأعمى ينشط فى صهد الجنوب، تماماً كما ينشط فى طراوة المايوهات... صُح؟
ولأن التكرار فى بلدنا العظيمة لا يعلم الشطار، ولا يعترف به الحمار، لن أعيد ما سبق وقلته وأفاض فيه غيرى من الزملاء الكتاب حول بذور الاحتقان الطائفى الذى ستتجدد جرائمه من آن لآخر ما لم نُزل الأسباب الكامنة تحت السطح ولا نكتفى بوضع المسكنات والمهدئات على طريقة حكومتنا غير النظيفة وغير الرشيدة.

وما أود أن أطرحه على أصدقائى القراء هذا الأسبوع – بهذه المناسبة – هو أكثر من اتصال هاتفى تلقيته من أساتذة أفاضل، يقيمون فى الخارج ويعرفون أنفسهم بأنهم "نشطاء فى الحركة القبطية"، ويشيدون بما أكتبه من مقالات حول حقوق الأقباط...
أحياناً كنت أنهى المكالمة فى إطار عبارات المجاملة السريعة، لكن كثيراً ما كنت أشدد على الفارق الجوهرى بين ما أطالب به من حقوق للأقباط فى إطار حركة إصلاحية ليبرالية تهدف إلى دفع المجتمع المصرى إلى الأمام عبر منابر مصرية وطنية وبين قذائف التشنيع والتشهير التى تنطلق من نيويورك ومونتريال وسيدنى ولندن، لتصور الأوضاع فى مصر بأنها حرب إبادة جماعية تشنها أغلبية تلغ فى دماء وأعراض أقلية دينية!
ولست من عشاق نظرية المؤامرة ولا أرى فى النشطاء من "أقباط المهجر" خونة أو عملاء بالضرورة، ولا يساورنى أدنى شك فى أن كثيراً منهم حسنوا النية، لكنى فى نفس الوقت لا أستطيع أن أفهم كيف أن الطريق إلى تحقيق المطالب العادلة والمشروعة لإخواننا الأقباط يمر بالكونجرس الأمريكى أو مجلس الكنائس العالمى أو الاتحاد الأوروبى! لا أفهم كيف يحرض البعض من أقباط المهجر الكونجرس على إصدار قانون "محاسبة مصر" على غرار قانون محاسبة سوريا، أو يحرض الأمم المتحدة لتهدد القاهرة بإمكانية تقسيم البلاد إلى بلدين: أحدهما مسلم والآخر مسيحى يحظى بدعم وحماية عسكرية مباشرة من الدول الصناعية الكبرى!
ما الذى استفاده "أقباط الداخل" من هذا الكلام؟
لا شىء سوى المزيد من تشويه قضيتهم العادلة، وتسميم الأجواء بين عنصرى الأمة بعدم الثقة والخوف والارتياب... هذا لا يمنع أن لأقباط المهجر مطالب عادلة مثل وجود رئيس وزراء قبطى وتمثيل جيد ومتوازن للأقباط فى مجلس المحافظين والوزراء وقيادات الداخلية والأمن، فضلاً عن إلغاء خانة الديانة من البطاقة والأوراق الرسمية وسرعة إنجاز قانون البناء الموحد ودور العبادة، ولكن هذه المطالب لن تأتى من خلال خواجات ببشرة بيضاء وعيون ملونة، مشاكل الأقباط قضية مصرية تحتمل كل النقد العنيف وكل التفكير العميق وكل العقول المتفتحة ولكن داخل البلاد، وعبر منبر مصر، ليس فقط لأن أهل مكة أدرى بشعابها، بل لأن "الاستقواء بالخارج" – رغم كراهيتى لهذا المصطلح – لن يأتى إلا بمزيد من التعقيدات ولن ينفع أسلوب "تدويل القضية" على غرار أزمة دارفور، فهذه النيران التى يشعلها حمقى أو مأجورون لن تحرق سوى الأقباط أنفسهم، كما ستحرق معهم كل أمل حقيقى فى التغيير – الذى بدت ملامحه – على صعيد ملف المواطنة والوحدة الوطنية...
لقد هزتنى مذبحة "نجع حمادى" وكانت بداية اهتمامى بالملف القبطى الذى استهللته بمقال حبر على غضب الكثيرين وهو "يا عزيزى.. كلنا فتحنا النار على الأقباط"، لكنى لا أستطيع أن أشعر بالارتياح لجلسة خاصة يعقدها البرلمان الأوربى حول نفس القضية ويشدد فيها النواب على ضرورة الالتفات إلى ما يصفونه بالتمييز الدينى الذى تعانيه الأقليات الدينية فى مصر – كما لا أقبل كلام رئيس المجلس البابوى لوحدة المسيحيين فى الفاتيكان، الكاردينال والتر أسبر، حول ما أسماه "صدمته من الاضطهاد الذى يتعرض له المسيحيون فى مصر"! فهذا الكلام قد يسعد البهوات والباشوات من المناضلين فى فنادق أمريكا وكندا وأستراليا، لكنه لن يسعد بالتأكيد كاتب – على باب الله – يخوض معركة الإصلاح والتغيير، لا يملك رشاشاً ولا جاهاً، وإنما كلمة صادقة يقولها ورزقه على الله!

* كاتب صحفى بالأهرام.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة