إسلام بحيرى

إسلام بحيرى يكتب: إشكالية تقديس الفقه

الإثنين، 26 مايو 2008 11:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان الإسلام فى عهد التطبيق النبوى ديناً سهلا مرنا متفاعلا بسيطا، فقد كان الرسول الكريم بالغ الرفق وبالغ الفهم بأحوال ومجريات المجتمع من حوله وكانت آيات التنـزيل واضحة كاشفة وجامعة مانعة، وكان تصاعد المجتمع -مجتمع الصحابة- فى الاستجابة للسماء تصاعدا منطقيا لإذابة رواسب العصبية وخرافات الجاهلية، ومن التفاعل والتمازج بين مجتمع النبوة وبين التنـزيل تأسست الأطر العامة والقواعد الكبرى التى لم يكن هدفها ضبط مجتمع النبوة بعينه بل كان المغزى هو التعبيد والتمهيد بالغ الوضوح لمنهاج وسبيل يسير عليه أى مجتمع بأى ثقافة طالما استظل بالروح الإسلامية؛ لذا فإن الآيات لا تمثل فقط أحكاماً لنازلة أو قضية زمانية مكانية، ولكنها فى البعد الثانى تشيِّد وتؤطِّر القواعد الكبرى لهذا الدين والروح والسمت والصفة المميزة له، فلما توفى رسول الله وبدأ عصر الخلافة الراشدة ترك رسول الله إرثه الطبيعى-الشريعة- للمسلمين كافة، وليس لفئة أو قبيلة أو قوم وكان إرثه كاملا خالصا صافيا نقيا.

ورغم الخلافات السياسية بين الصحابة فى الحقبة الراشدة، إلا إنها لم تؤد إلى تغيـيرعميق أو كبير على المستوى الشريعى حيث كانت الأجواء متشابهة والمجتمعات قريبة العهد بالحقبة النبوية، وقد كان الاحتكام لرأى الصحابة كمرجعية دينية هو احتكام نابع من سبق معرفتهم وحسن تقديرهم للتغير الطفيف الذى مس مجتمعاتهم، وحتى هذا الحين لم تكن مصطلحات الفقه أو الفقيه بمعناها الذى وصل إلينا قد ظهرت بعد، فالحفرية التاريخية للكلمة آنذاك كانت لا تتعدى معنى العلم والفهم عامة، كما استُقِر على ذلك المعنى فى سياق آيات القرآن،{مَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} النساء78، {كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} الأنعام65، {قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ} هود91، وحين ولَّت الخلافة الراشدة وبدأ الملك الأموى، بدأ متزامناً معه عصر التخصص وظهور العلوم الإسلامية بدءً بالفقه ثم التفسير والحديث حتى آخر السلسال، إلا إننا نستطيع أن نقسم التراث فى مجمله إلى شقين رئيسين، أولاً التراث الروائى وهى العلوم التى اهتمت بالرواية كالحديث والتفسير والسيرة والمغازى، وثانياً التراث الفقهى وتأسيس قواعد العلوم المستحدثة كالقواعد الفقهية، ومقاصد الشريعة وأصول الفقه وعلوم القرآن، وكما بيَّنا وناقشنا طرفاً عن الشق الأول من التراث الروائى فى المقالات السابقة وأكدنا أن تقديس هذه الكتب ووصف بعضها بالصحة الكاملة يتنافى مع أصول التعقل وطبيعة البشر، نناقش فى هذا المقال ما جناه الشق الثانى من التراث الفقهى على المسلمين.

فبَدءُ تكوُّن المذاهب الفقهية وإن اختلفت مرجعية أسبابه التاريخية كان فى المجمل لوضع حلولٍ لنوازل مستجدة فى المجتمع الإسلامى حينها، حيث سعى ما اصطلح على تسميته الفقه إلى محاولة ضبط الواقع الجديد بالشرع السابق عليه، ورغم وجاهة الفكرة تنظيرياً إلا أن التطبيق كما أصاب حيناً فقد جنح كثيرا عن الهدف الأكبر من نشوء فكرة المذاهب، فكما أهدى إلينا الفقهاء الأوائل مجموعة من التمارين العقلية وطرق البحث والاستنباط والاستدلال وتخريج الأحكام، أهدوا إلينا أيضا جنوحا فى التطبيق وبُعدا عن استلهام روح وسمت هذا الدين السهل اليسير الخال من التعقيدات، وكان لهذا الجنوح أكبر الأثر فى تشويه روح الشريعة والابتعاد عن قيمها الكلية وقواعدها الكبرى، ما أعاق المسلمين ألف عام عن النظر إلا تحت أقدامهم، ونستطيع أن نوجز أبرز الآثار لمثالب وخطايا هذا التراث الفقهى غير المقدس:

(1) بالغت المذاهب الفقهية فى الدخول لأدق التفاصيل والاستغراق الكلى فى توافه وتوافه التوافه من الأمور الحياتية للفرد المسلم، وكما تقول الحكمة الفرنسية (الشيطان فى التفاصيل)، فقد ظهر فعلا الشيطان فى التفاصيل التى انشغلت بها المذاهب حتى إنهم قد تقاتلوا على كثير منها، وكان ذلك إيذانا بتفريغ العقل المسلم من القواعد الكبرى التى وضعها الإسلام، فشريعة الله الحقة وأهدافها الكبرى والكلية ليست هى أبواب الكتب الفقهية كأبواب أحكام الوضوء وسننه وفرائضه والاستنجاء والغسل والجماع والجنائز وسنية السواك وتحليق الشوارب وإعفاء اللحى وتقصير الجلابيب والجهر بـ (بسم الله) فى أول الصلاة؛ لذا فإن المذاهب دخلت مغارة التوافه وأدخلت معها العقل المسلم فاستقر فيها إلى يومنا. وما يدعو للعجب عند مدارسة كتب الفقهاء القدامى خلوِّها من أبواب للقواعد الكبرى للشريعة فلا نجد باباً يسمى باب العدل، أو باب الأمانة، أو باب الحرية أو باب الأخلاق، أو باب وجوب العمل والإنتاج والسعى فى الأرض، وكأن الإسلام نزل من لدن عزيز حكيم لتلتف حول المسلم هذه الشبكة الغبية العنكبوتية من الأحكام المقيِّدة والمعطِّلة. فأين كليات القرآن الكبرى التى دعانا الله إليها:{إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} الأحزاب72،:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} النساء58، {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} النحل90. فأين تلك القيم العظمى مما فعلته بنا المذاهب؟ فقد سُوِّدت آلاف الصفحات فى فقه الطهارات والحمامات، وكأنها الكليات التى من أجلها خُلق المسلم؛ ومن هذا أصبح المسلم يحافظ على صغائر السنن معتبراً أنها كبائر أهداف الشريعة، فيقصر الثوب ويطلق اللحية ويأتى بأفعال بهلوانية لكى يطمئن لطهارته ويجلس حتى فى صلاته بشكل قد لا يريحه ولكن المهم أن يوافق ما أوهمته به المذاهب أنه السنة، ومع ذلك تجد المنظومة الأساسية الأخلاقية للإسلام البسيطة والعظيمة فى آن عند أغلب المسلمين ضامرة، فالمسلم يغتاب الناس، ويتجسس عليهم، ويقبل الرشوة ويحقد ويحسد ويسب ويضيع الأمانة ويبيع بالحلف الكاذب.

(2) اختلفت المذاهب على أطراف نقيض اختلافا ممجوجا ومذموما، وقد صدَّر هذا الاختلاف للعقل المسلم قاعدة فاسدة شهيرة، تقول (إن اختلافهم رحمة) فإذا كان اختلافهم رحمة فماذا يعد اتفاقهم؟ بل إن الحقيقة أن اختلافهم عمل بشرى يوضح رؤى مختلفة فى المشارب والمعارف والنشأة، وقد ظهرت هذه القاعدة المفسدة لتسرِّب للنفوس معنى أفسد وهو أننا لا نستطيع الاستدراك على أحكامهم وقواعدهم مهما اختلفوا، رغم إن هذه المذاهب ليست إلا طريقة فى التفكير والاستدلال من النصوص لا أكثر، ونحن نستطيع بكل أريحية أن نردها جميعا أو نقبل بعضها، وإذا كانوا قد اختلفوا مع بعضهم البعض فهذا يجعلنا مطمئنين أننا نستطيع الاختلاف معهم كذلك.

(3) أدى الاسترسال والاستغراق فى التفاصيل وكثرة الأسئلة إلى اختلاق دفق هائل من الأحكام التى لم يكن على عهد رسول الله شىء منها، فأثقلت كاهل المسلمين وكبَّلت حركتهم، كما أدى ذلك بالتبعية إلى صعوبة كبيرة فى التعامل مع الدين من ناحية التطبيق الذى كان من أيسر التطبيقات على عهد النبى، وهذا فى حد ذاته يعد ابتعادا وجنوحا عن الروح الأصيلة المتباسطة لهذا الدين، فنحن نستطيع أن نلخص سمت وصفة هذا الدين من آية واحدة فى القرآن فيقول سبحانه:{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِى الأُمِّى الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ} الأعراف157. فالله يخاطب اليهود المعروفين بالتشدد والمغالاة فى دينهم حتى إنهم يعدون خطوات أرجلهم يوم السبت، ويصف الله سبحانه فى ختام الآية روح الرسالة المحمدية بأعظم ما يمكن أن توصف به فيقول: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ}، أى أن سمت وصفة هذا الدين وروحه الأصيلة، أنه الدين الذى أُنزل كى يفك الأغلال والسلاسل عن الجميع، فكيف يصف الله جل شأنه بعثة محمد بهذا الوصف وتأتى المذاهب بآلاف الأحكام التى نزلت على أدمغة المسلمين، والتى تساوت وفاقت فى تفصيلاتها وتشددها بلا شك تشدد اليهود أنفسهم، فأحكام للنوم والقيام والاتكاء والجلوس والمشى والكلام والملبس والمأكل والمشرب والنظر وحتى المعاشرة الزوجية اخترعوا لها قوالب وأحكاما، فكبَّلت المذاهب الفقهية المسلمين وضيَّقت ما وسعه الله، بل العجب أنك تجدهم يفرحون ويتباهون أن الفروع الفقهية تبلغ مليوناً ومائتى ألف باب فقهى، ويفتخرون بهذا الإنجاز البائس الذى قضى على كل حرية فى هذا الدين، وجعل المسلم كالآلة الصماء على اعتبار أن ذلك من التقوى فلا يتحرك إلا بسؤال حلال أم حرام؟ حرام أم حلال؟ هل هذا يجوز؟ هل ذلك يصح؟ وهل هذا مكروه؟ فيالبؤس المسلم الذى أضاعته أحكام وسلاسل المذاهب وأضاعت عقله معها.

(4) جنح أيضا فقهاء المذاهب عن روح الشريعة عندما جعلوها قوانين لا تتماشى مع روح النص الإلهى، فمثلا فى الوقت الذى يتحدث فيه القرآن عن العلاقة الزوجية نجد كلاما بالغ الرقة والعمق، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم21، يخرج الفقهاء بتعريف قبيح لعقد الزواج فى كتبهم بأنه مع الأسف (عقد تملك فرج امرأة) أى أنه عقد لتملك الجهاز الجنسى للمرأة وكفى بذلك قبحا وجنوحا.

(5) عانى المسلمون من أحكام فقهية استعلائية طبقية، وهى على النقيض من القيم الكبرى التى حض عليها الإسلام من العدل والمساواة والأخوَّة فى الدين، ويكفى أن نعرف أنَّ السادة الفقهاء يقرُّون أن الإنسان الحر لو قَتَلَ عبداً فلا يُقتَل به جزاءً لأنه ليس مثله فى الدماء، وكأن العبد كلب أجرب وليس إنسانا كامل الأهلية مع أن الله جل شأنه يقول: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}، والرسول يقول:" المؤمنون تتكافأ دماؤهم"، ولكن السادة فقهاء المذاهب لهم رأى آخر غير رأى الله ورسوله، وسنفرد بالتفصيل لهذه الأبواب الفقهية فى مقالات مطولة.

(6) كان للتعصب المقيت بين تلامذة المذاهب الذى تساوى أحياناً مع عصبية الجاهلية الأولى، نصيب وافر بعد نشوء المذاهب الفقهية، ولنا أن نعرف أن بعض الفقهاء قد منع الزواج بين المنتمين لمذاهب فقهية مختلفة. أما عن التعصب لصاحب المذهب ففى رواية واحدة يمكن أن نستوضح كل المعانى البائسة التى خلفها التعصب المذهبى، فيقول (ابن الأثير) فى كتابه (الكامل) إن الحنابلة قد منعوا دفن شيخ المفسرين (ابن جرير الطبرى) فى النهار وأصروا على دفنه ليلا، كما آذوه حال حياته وقذفوا النار على بيته مراراً، واتهموه بالرفض-التشيُّع- وكل ذلك لأنه فقط تجرأ وألَّف كتابا بعنوان" اختلاف الفقهاء" وصرَّح فيه بأنه لا يرى أن (أحمد بن حنبل) إمام وصاحب مذهب ولكنه يراه صاحب حفظ للحديث فقط، فناله ما ناله من الحنابلة.

(7) أورد الفراغ القاتل الذى كان فى عصر الفقهاء حزمة من التفاهات والعقول الفارغة، التى تعتقد أن السؤال متعة فى حد ذاته حتى إنك عندما تطالع بعض كتب الفقهاء تعتقد لوهلة أنك أمام كتاب للألعاب والألغاز والاستعراض العقلى فى كيفية استخراج الغريب من الأحكام، ولم يجد أحد من هؤلاء السائلين عاقلا ينهاه عن سؤاله بل وجد الإجابات والمناظرات على أتفه وأسفه الأمور، رغم إن النبى فى حديث صحيح قد قال:" إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال"، ولكن هيهات فقد سأل المسلمون عن نوع كلب أهل الكهف، وعن اسم فيل أبرهة، ودم البرغوث أيبطل الصلاة أم لا؟ كما نجد فى فتاوى ملهم الوهابية-ابن تيمية- قصة غاية فى السخف تعبر عن مقصودنا تماما، والقصة أن رجلا سأل ابن تيمية وقال له: "ورد أن رسول الله بكى عند وفاة ابنه إبراهيم، وقد توفى ابن للإمام الفُضَيل بن عياض فضحك وقال رضيت بما ارتضاه الله، فأى الفعلين أفضل عند الله يا إمام، بكاء الرسول أم ضحك الفُضَيل"، ورغم غباء وسفاهة وبلاهة ودناءة السؤال إلا أن ابن تيمية قد أجاب ولم ينهه عن السؤال أصلا.

والخلاصة أن تلك المثالب هى موجز مبسط لخطايا هذا الإرث الثقيل الذى لا يتصور عاقل أنه ما زالت تستخرج منه الأحكام إلى يومنا، فلماذا يَستفتى الأحياء الموتى؟ ولماذا لا ننفتح ونستنبط نحن لزماننا أحكامه اللائقة به وبنا، والتى لا تجعل المسلمين أضحوكة بين الأمم والشعوب؟ لماذا نعيش على فقهٍ مكانه الآن فى المتحف؟ وإن تدارسناه فلا تكون هذه المدارسة إلا على سبيل التدريب، كما يتدرب طلاب الطب على جسدٍ ميتٍ ليتعلموا بعدها تطبيب الأحياء. فإذا كنا متوافقين على أن الإسلام صالح لكل زمان فإن الفقه المذهبى التراثى لا يصلح إلا لزمانه وزمانهم. فلماذا إذن نركن إلى فقههم مع امتلاكنا الأدوات الكاملة للتعامل مباشرة مع النص بدون مرور النص عبر أنبوب الفقهاء، فهل نحن قاصرون عن ذلك التعامل المباشر؟ أم أن خلقة الفقهاء القدامى تختلف عن خلقتنا؟ ومن عجب أن تجد التراثيين يدَّعون عدم قابلية تكرار عقول الفقهاء الجبارة، ولو سألت أحدهم أن يعطينا دليلا واحدا على أن الله قد توقف عن تخليق العقول الوضيئة النابهة الذكية منذ القرن الرابع الهجرى فلن يجيبك أبدا.

ومن جراء اكترار هذا التراث الثقيل على كواهلنا لم يستطع المسلمون الخطو للأمام ولو قدما واحدا، بل حتى لم يستطعوا الثبات فى مكانهم. لذا فقد أصبح المسلمون عالة على الأمم فى هذا الكوكب، بفضل تقديس هذه الآراء والوقوف عندها موقف الإعظام والإجلال والثبات والتسمُّر ثم التحول للسبات العميق، وبعدها بقرون تلقى المسلمون فى القرن الثانى عشر الهجرى والثامن عشر الميلادى الضربة القاصمة التى قضت على أى بقية أو قبس من شعاع من أمل فى نهوض هذه الأمة، وذلك بعد ظهور إمام الموحدين وسيد العلماء المرموقين، ناصر السنة وقاتل البدعة ومنقذ الملة من الشرك، فقيه البدو الأعاريب محمد بن عبد الوهاب قدس الله سره، الذى مع ظهور دعوته عاش الوهابيون ومات المسلمون.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة