اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 05:56 ص

المسيرة الوهمية

المسيرة الوهمية.. صورة عبثية أكثر واقعية عن حياة الإنسان

محمد عبد الرحمن الخميس، 07 أكتوبر 2021 08:00 م

"الكتابة المسرحية فى عهد الصورة" كان ذلك عنوان أحد المحاور الفكرية بالمهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته الـ14، وهى الجملة التى انتابت تفكيرى أثناء مشاهدتى العرض المسرحى "المسيرة الوهمية" إخراج طارق الدويرى، من إنتاج مركز الهناجر للفنون.
 
"المسيرة الوهمية" تأليف الكاتب الكبير الراحل رأفت الدويرى، مستقى من 7 نصوص من تأليف الكاتب الراحل، بطولة كل من حمادة شوشة، سهام عبد السلام، حنان نور الدين، آدم يوسف سمير، إسلام جمال، إسراء عاطف، إيمان ثابت، بكر محمد علي، جرجس أنور، جميلة ياسين، حسين الشافعي، شيماء فوزي، فجر أمين، مارك ميخائيل، محمد سعيد، محمد غريب، محمد فوزي، مايكل مجدي، ميشيل ميلاد، هالة ياسر.
 
ويعتمد النص المسرحى على فكرة متعددة المستويات والأبعاد وتترك مساحة كبيرة للمتلقى للتفاعل معها، عبر سلسلة من المواقف المتناقضة أو الصراع بين ثنائيات المرأة والرجل والحاكم والمحكوم والغنى والفقير والمعرفة والجهل والبؤس والرخاء والفرد والمجموع.
 
 
العرض منذ الوهلة الأولى جاء معقداً فى تناوله، فلا يوجد حكاية واحدة للعرض أو خيط درامى متصاعد، لكنها مجموعة من المواقف المتشابكة فى أحداثها وموضوعاتها ومواقفها المتناقضة، وهو ما جعله "مشكلاً" لعدد كبير من المشاهدين، إلا أن ما يميز العرض هو انتصاره للصورة الرائعة من خلال إخراج جيد كان قادراً على توظيف عناصر المسرح التقليدية والمعاصرة لخروج عامل مسرحى متكامل من حيث الصورة الإخراجية الرائعة، والاستعراضات الغنائية المبهرة والتى مزجت بين روح التراث والحداثة، والفكرة الفلسفية المتعددة، وربما كان ذلك هو سبب تداخلها عند البعض.
 
ويدور العرض فى إطار درامى استعراضى عبثى، متناولاً لوضع الإنسان العبثى منذ نشأته، وعذابه غير المفهوم، وغير المعقول أيضاً، وصراعه، وتحديه لقدره ذاك مع نفسه، ومع الأقوياء الذين يمثلون الأغلبية أحياناً، لعوارض الوجود، وانعدام القيم، والمفارقة بين الموت والحياة، فى محاولة لتجسيد رحلة الإنسان من خلال مشاهد تجمع بين التاريخى والواقعى والفنتازيا.
 
 
والعديد من الرؤى التى تناولها العرض، تبدو وكأنها سيرة وهمية وعبثية عن حياة الإنسان، ومع ذلك تبدو أكثر واقعية فى التعبير عن النفس البشرية وصراعاتها من أجل الوجود، وعن حياة الإنسان منذ ولادته، وربما كانت الإجابة الأولى التى تصل إلى المشاهد أنه لا توجد أى ضمانات لمستقبل الإنسان، وأن جميع الضمانات الموجودة والتى ربما تكون لامعة وبراقة فى أعين البعض، تكون أوهامًا وأكاذيب، عبر مشهد عبثى يجمع زوجًا وزوجته مسنين، ينتظران مولوداً، لكنه يرفض النزول من دون ضمانات تتعلق بمستقبله في هذا العالم، ولأن الوالدين لا يملكان تلك الضمانات يضطران إلى التوقيع، على بياض، للسلطة التي ستتولاه بالعناية. 
 
كذلك قضية صراع الإنسان من أجل الوجود، وسيطرة سلطة الكهنوت على الإنسان منذ وجوده على الأرض، وسيطرة الغريزة على دوافع الإنسان وسوقه إلى مصيره، كذلك يستعرض الأوجه غير القويمة لفكرة السلطة وانحيازاتها، وما يتصادم منها مع السعى والمعرفة.
 
 
واعتمد العرض على عدد من الأحداث لتناول أفكاره منها نضوب النهر، والذى استوحيت من الأساطير والطقوس والحكايات الشعبية مثل الشدة المستنصرية فى مشهد آكلى لحوم البشر، والعربية مثل جليلة والزير سالم، والأساطير الإغريقية والاستعانة بأسطورة الإله زيوس إله الأمطار وجامع السحاب عند الإغريق، والذى استغلها المخرج فى توضحيه لسيطرة الكهنوت على حياة الناس، واندفاع البشر بسياسة القطيع، وراء ما هو دينى ومقدس دون وعى، هذا بجانب استلهامه من الأساطير الفرعونية والعادات الصعيدية الأصيلة خاصة في المشاهد الجنائزية.
 
 
تبدو الميزة الأكبر فى العرض هى الصورة، والتى ظهرت فى عدة مشاهد وكأننا أمام لوحة فنية، استغل فيها المخرج أبعاد المسرح، مقسمًا خشبة المسرح بشكل مدروس إلى مناطق عدة من أجل توظيف مواقف ومشاهد فى آن واحد، دون شعور بزحام غير مبرر على خشبة المسرح، ما جعله يتحكم فى توزيع حركة الكتل الكبيرة بشكل مناسب دون أن يشعر المشاهد بتزاحم فى الرؤية، كذلك كانت توزيع الإضاءة مناسبة لتوضيح بؤرة الأحداث وتسارعها وتباطؤها مع وتيرة المواقف الدرامية، وإظهار الديكورات بصورة تلائم ما يتم عرضه، لتخرج الصورة النهائية وكأننا أمام لوحة فنية.
 
ميزة أخرى للعرض هى أنه جمع بين الشكل العصرى للمسرح من خلال استعراضات حركية وغنائية، التى جاءت متماشية مع الروح التراثية التى وجدت فى العرض، كذلك اعتمد المخرج على أبطال من فئات عمرية مختلفة، فاستعان بأبطال من كبار السن (نسبيا)، بجانب الشباب الفئة الأكبر من أبطال العرض وكذلك الأطفال، وكأنه يريد أن يعبر عن مراحل الإنسان، ومسيرته فى هذا العالم العبثى من وجهة نظره. 
 
 
فى النهاية قدم المخرج طارق الدويرى، طرحًا من خلال عرض أسئلة أكثر تبحث عن الإجابات، ورؤى فلسفية وأسئلة وجودية طرحها، من خلال أدوات عصرية جعلت العرض أقرب إلى عروض التجريب، ورغم تناوله العبثى، لكنك تخرج سعيداً بما شاهدته على خشبة المسرح من تمثيل واستعراض وغناء، وإضاءة وديكور موظفان بدقة كبيرة.