اغلق القائمة

السبت 2024-04-27

القاهره 05:53 م

ظاهرة ختان الإناث

بعد محاولة استغلال كورونا لإجرائها.. كيف حمى القانون الفتيات من ظاهرة ختان الإناث؟.. المشرع جعل العقوبة أشد من "ضرب أفضي إلى موت".. وتصل للحبس 15 سنة حال إحداث عاهة.. والأزهر يعتبرها موروثات شعبية ليست من الدين

كتب علاء رضوان الخميس، 04 يونيو 2020 11:00 م

ترتكب فى مصر وعدد من الدول العربية والإسلامية والأفريقية جريمة تعد أخطر وأطول جريمة عمرا فى حق عشرات الفتيات، منهن من تنجو منها لتعيش معاناة دائمة طوال عمرها، ومنهن من لا تنجو وتفقد حياتها تنفيذاً لعادة اجتماعية قبلية عفى عليها الزمن، وتبرأ منها الطب والدين، ومع ذلك يصر بعض الآباء على ارتكابها بحق بناتهم الصغيرات، هي ختان الإناث.

تلك العادة السيئة التي تسبب أضرارا نفسية وجسدية للإناث في الصغر وقد تؤدى إلى موتها، والتي أصبحت مجرمة وفق القانون المصري منذ عام 2008، وختان الإناث هو التسمية المعروفة لممارسة البتر الجزئي أو الكلى للأعضاء التناسلية الخارجية للأنثى لأسباب تتعلق بالعادات أو التقاليد الاجتماعية والموروثات، واليوم أصبح من سبيل التحايل لإتيانها استغلال هلع الجميع من خطر كورونا وإيهام الضحية بأن حقنة التخدير هي حقنة التطعيم من الإصابة بالفيروس. 

 


 


إحالة طبيب ووالد ثلاث فتيات للجنايات

في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على الإشكالية التي تكاد تكون كارثية بالنسبة لمسألة "ختان الإناث" التي بدأت في مصر منذ العام 100 قبل الميلاد – بحسب الدراسات والأبحاث - وتمارس فيها حتى كتابة تلك السطور كان أخرها إحالة طبيب ووالد ثلاث فتيات إلى محاكمة جنائية عاجلة؛ لارتكاب الأول جناية ختانهن - ولم يبلغن ثماني عشرة سنة ميلادية - واشتراك الثاني معه بطريقَي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تلك الجريمة، فضلاَ عن القيام بتلك العادة السيئة عدد محدود من الدول العربية والأفريقية وتنتشر أكثر في الدول العربية والأفريقية الأكثر فقراً أو التي ترتفع بها معدلات الأمية، حيث تؤدى عادة ختان الإناث للعديد من المشاكل الصحية سواء النفسية أو العضوية إلى جانب العديد من المشاكل الاجتماعية – بحسب الخبير القانونى والمحامى سامى البوادى.   

الأزهر يعتبر الختان موروثات شعبية ليست من الدين

فى البداية – منذ عام 2008 جرمت وزارة الصحة عمليات ختان الإناث، وأصدرت قراراً بحظر جميع أشكال تشويه الأعضاء التناسلية للإناث، ونص القرار على أن "يحظر على أى طبيب أو ممرض أو أى شخص آخر القيام بأى قطع أو تسطيح أو تعديل لأي جزء طبيعي من الجهاز التناسلى للإناث"، كما أصدرت دار الإفتاء فتوى أكدت فيها أن الإسلام يعارض تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية - وقال مفتى مصر الشيخ على جمعة وقتها، إن الختان "ممنوع ومحظور"، وفى مايو 2018 أصدرت دار الإفتاء فتوى أخرى قالت فيها إن ختان الإناث حرام شرعاً، مبرزة أن عملية ختان الإناث حرام شرعاً ولا تمس الشريعة الإسلامية من قريب أو بعيد، ولا تعتبر عفة وطهارة للمرأة؛ لأن العفة بالأخلاق والتعاملات، إنما الختان هو اعتداء على جسد المرأة – وفقا لـ"البوادى".


 

 

من ناحية أخرى، جرمت القوانين الختان من خلال إضافة مادة لقانون العقوبات لأول مرة بنص صريح لتجريم ختان الإناث، واعتباره جنحة، وفى عام 2016 تم تعديل القانون وأصبح ختان الإناث جناية يعاقب مرتكبها بالسجن من 5 إلى 7 سنوات، وإذا نتج عنها عاهة مستديمة أو وفاة الضحية يعاقب المخالف بالسجن المشدد، وكان الغرض من تحويل عقوبة الختان من جنحة إلى جناية أن يحد بشكل كبير من انتشار تلك الظاهرة، نظرًا لارتفاع فترة السجن فيها إلى السجن المشدد الذى يصل إلى 5 سنوات.بل نجد  إن العقوبة تضمنت أيضا عقاب من يصطحب الأنثى للختان بالسجن من سنة إلى 3 سنوات – الكلام لـ"البوادى".  

عقوبة الختان من 5 سنوات لـ7 سنوات سجن

فبعد أن اعترف المجتمع والدولة بأن الختان جريمة كبرى فى حق الفتيات ولا بد من العمل والتكاتف من أجل القضاء عليها تم إصدار القانون رقم 78 لسنة 2016، لتغليظ عقوبة ختان الإناث في مصر، لترتفع إلى الحبس مدة لا تقل عن 5 سنوات ولا تتجاوز 7 سنوات، وعرف  هذا القانون الختان بأنه إزالة لجزء أو كل للعضو التناسلي للأنثى دون مبرر طبي، وتكون العقوبة السجن المشدد إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت، بالإضافة إلى أن ذات القانون ينص على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات كل من قدم أنثى وتم ختانها. 

فلقد جاء التعديل الأخير بتغليظ العقوبات فزادت عقوبة مرتكب الختان الأصلي سواء كان طبيبًا أو عاملًا بالمجال الطبي أو داية أو غيرها من الحبس مدة لا تزيد على سنيتن إلى السجن من خمس سنوات إلى سبع، وهو التوجه السائد في الحكومات المتعاقبة لمواجهة مشكلات العنف الجنسي، وعلى الرغم من أن تغليظ العقوبات في حد ذاته أثبت مرارًا فشله كفلسفة عقابية في الجرائم التي تُرتكب ضد النساء عمومًا، إلا أن تحويل جريمة الختان إلى جناية بدلًا من جنحة سمح بمد حق الإبلاغ عن جرائم الختان وتعقب الأطباء ممن يقومون باجراء هذا الفعل وتشديد العقاب ليصل إلى عشر سنوات بدلًا من ثلاث، مما قد يعطي الفرصة للفتيات للإبلاغ بأنفسهن بعد وقوع الجريمة بسنوات عندما يصبحن أكثر وعيًا بما مررن به، بل واتت بالظرف المشدد في حالات الوفاة والعاهة المستديمة، لان غياب  هذا التوصيف عن القانون  كان يسمح باتهام الأطباء المتسببين في وفاة الفتيات أثناء إجراء الختان لهن بتهمة القتل الخطأ وبالتالي عدم محاسبتهم بقدر جرائمهم.  

محاولة فاشلة لتطبيب الختان بدلاَ من الداية

ويحسب للقانون إضافة تعريف لختان الإناث في حين لم يكن بالنص القديم تعريف للختان مكتفيا بالإشارة إلى مادتين أخريين بقانون العقوبات وهما 241 و242 الخاصتين بجنحة الضرب، وجاء التعريف القانوني الجديد لجريمة الختان وهو إزالة أيٍّ من الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي- متطابقًا مع التعريف الوارد لمنظمة الصحة العالمية لماهية ممارسة الختان.

فأصبح لنا الحق أن نقول أن القانون بتعديله الأخير جاء أيضا ليقضي على ظاهرة خطيرة ألا وهى "تطبيب الختان" أى أن يتم الختان على يد طبيب، وتكمن الخطورة هنا فى التحايل على وعى المصريين، لأنه في البدء كانت الدايات يقمن بالختان وكان العديد من الأسر تتردد خوفاً على بناتها، ثم انتقل الختان للأطباء مما أعطى ثقة وشرعية مستمدة من الثقة فى الطبيب، فلا يعرف البسطاء أنه لا يوجد فى مناهج كلية الطب شىء يدرسونه اسمه الختان، وإنما هى جريمة اتجار فى جسم طفلة بريئة، وراءها أهل متخيلون أنهم يقدمون لها الحماية من المجهول.

وبتشديد العقوبة المنصوص عليها بالمادة 242 مكرر من قانون العقوبات من الحبس أو الغرامة إلى السجن، ما أدى إلى تحولها من جنحة إلى جناية، بالإضافة إلى وضع ظرفين مشددين للجريمة، وهما حدوث عاهة مستديمة أو وفاة المجنى عليها، فضلاً عن إضافة مادة جديدة بمعاقبة كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناء على ذلك لأول مرة فى القانون، أى أن الأب والأم أيضاً معاقبان إذا تم الختان غلت يد من كان يستبيح هذه العمليات ويتكسب منها كثيرا وأصبح لا يأتيها إلا من تجرأ على القانون والدين وفتاوى المختصين.

موقف القانون المصرى من ظاهرة ختان الإناث

فقد تدّخل المشرع المصري في عام 2008، ووضع نص في قانون العقوبات جرم به ختان الإناث وعاقب مرتكب هذه العملية بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور ولا تزيد عن سنتين، "خروجاً على القواعد العامة والتي تقضي بأن مدة الحبس لا تنقص عن أربع وعشرين ساعة ولا تزيد على ثلاث سنين" أو الغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه، وظل هذا الوضع مستمراً حتى عام 2016 حيث صدرت العديد من المواثيق الدولية التي تندد بعمليات ختان الإناث، وتطالب بمحاربتها وتغليظ عقوبة مرتكبها، فتدخل المشرع المصري وأصدر القانون رقم 78 لسنة 2016 عدل بمقتضاه المادة السابقة وجعل عقوبة الختان هي السجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تجاوز سبع سنوات، وتكون العقوبة السجن المشدد "أي لا تقل عن ثلاث سنين ولا تزيد على خمس عشرة سنة" إذا نشأ عن هذا الفعل عاهة مستديمة، أو إذا أفضى ذلك الفعل إلى الموت.

ويتضح من ذلك أن المشرع قد جعل عقوبة الختان أشد من عقوبة الضرب أفضي إلى موت، ولم يكتف المشرع في هذا التعديل بتشديد العقوبة فقط، وإنما قام بوضع تعريف لعملية الختان – على عكس القانون السابق – فقال أن ختان الأنثى هو إزالة أياً من أعضاءها التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام أو إلحاق إصابات بتلك الأعضاء دون مبرر طبي، وبذلك أبقى المشرع على المبرر الطبي باعتباره من أسباب الإباحة والتي إذا ما توافرت وتحقق القاضي من قيامها أصبح الأمر غير مجرم، كما قام المشرع في القانون المذكور بإضافة مادة جديدة لقانون العقوبات عاقب فيها من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز ثلاث سنوات. 

 الخبير القانونى سامى البوادى

رأى محكمة النقض في الأزمة ومسئولية الطبيب

أما محكمة النقض المصرية فقد تصدت لتلك الأزمة فى الطعن المقيد برقم 36048 لسنة 85 جلسة 6 سبتمبر 2017– حيث أكدت أنه لما كان من المقرر أن علاقة السببية في المواد الجنائية علاقة مادية تبدأ بالفعل الضار الذي قارفه الجاني، وترتبط من الناحية المعنوية بما يوجب أن يتوقعه من النتائج المألوفة لفعله إذا ما أتاه عمدًا، وثبوت قيام هذه العلاقة من المسائل الموضوعية التي ينفرد قاضي الموضوع بتقديرها، فمتى فصل فى شأنها إثباتًا أو نفيًا، فلا رقابة لمحكمة النقض عليه، ما دام قد أقام قضاءه فى ذلك على أسباب تؤدي إلى ما انتهى إليه.

وكان من المقرر أيضًا – بحسب "المحكمة" - أن أي مساس بجسم المجني عليه يحرِّمه قانون العقوبات، وقانون مزاولة مهنة الطب، وإنما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على إجازة علمية طبقًا للقواعد واللوائح، وهذه الإجازة هي أساس الترخيص الذي تتطلب القوانين الخاصة بالمهنة الحصول عليه قبل مزاولتها فعلًا، وينبئ على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المُقرَّر بمقتضى القانون، أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطب يُسْأل عما يحدثه بالغير من جروح وما إليها باعتباره معتديًا – أي على أساس العمد – ولا يُعْفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية.

ولما كان الحكم المطعون فيه اعتمادًا على الأدلة السائغة التي أوردها، والتي لا يماري الطاعن فى أن لها معينها الصحيح من الأوراق ، قد خلص إلى إحداث الطاعن جرحًا عمدًا بالمجني عليه بقيامه بإجراء عملية الختان التي تخرج عن نطاق الترخيص المعطى له، والذي ينحصر حقه بمقتضاه فى مباشرة الكشف الطبي دون غيره، ودلَّل على تخلُّف العاهة المستديمة نتيجة فعلها، وكانت حالة الضرورة منتفية فى ظروف الدعوى المطروحة، وكان لا يجدي الطاعن ما يثيره من أن التداخل الجراحي الذي تم للمجني عليه بعيادة طبيب آخر؛ لأنه فضلًا عن أن الحكم التفت عنه لعدم قيامه على دليل يسانده، ولا يزعم الطاعن بوجود دليل يساند قوله فإنه - بفرض صحته – لا يقطع رابطة السببية.

وذلك لأن المتهم فى جريمة الضرب أو إحداث جرح عمداً يكون مسئولًا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي – كإطالة أمد علاج المجني عليه، أو تخلُّف عاهة مستديمة به، أو الإفضاء إلى موته – ولو كانت عن طريق غير مباشر، كالتراخي فى العلاج، أو الإهمال فيه، ما لم يثبت أنه كان متعمدًا لتجسيم المسئولية، أو كانت قد تداخلت عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعل الجاني والنتيجة، وما دام الطاعن لا يدعي بأن التدخل الجراحي الذي تم له بعيادة طبيب آخر بعد عملية الختان كان لتجسيم مسئوليته، أو تداخل عوامل أجنبية غير مألوفة بين فعله والنتيجة، فإن منعاه على الحكم فيما سلف جميعه يكون غير سديد.