اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 05:21 م

نجيب محفوظ

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 مايو 1968.. مجمع البحوث الإسلامية يوصى بمنع رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ مطبوعة أو مسموعة أو مرئية

الثلاثاء، 12 مايو 2020 10:00 ص

صدرت رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ فى بيروت، وبعد خمسة أشهر، أصدر مجمع البحوث الإسلامية، برئاسة أمينه العام محمود حب الله، أول تقرير رسمى يوم 12 مايو، مثل هذا اليوم، 1968، بمنع الراوية، حسبما يذكر الكاتب الصحفى محمد شعير فى كتابه «أولاد حارتنا- سيرة الراوية المحرمة».
 
كانت جريدة الأهرام، برئاسة تحرير محمد حسنين هيكل، قد انتهت من نشر الرواية مسلسلة يوم 25 ديسمبر 1959، وأثارت ضجة باتهامها أنها ترمز إلى الأنبياء، وامتنع محفوظ عن إصدارها.. يذكر شعير:«لم يكن هناك قرار رسمى مكتوب بمنع نشرها، ولم ترفض الرقابة أو توافق لأن أحدا لم يقدم على طباعتها.. وفى ديسمبر 1967 أصدرتها «دار الآداب» البيروتية، وفى 12 مايو 1968 أصدر مجمع البحوث الإسلامية تقريره وجاء فيه:
 
1 -القصة تقع فى خمسمائة واثنتين صفحة من القطع الكبير، وهى من القصص الرمزية التى تتناول تاريخ البشرية ابتداء من آدم وما وقع له ولابنيه، وبعثة الرسل، موسى وعيسى ومحمد إلى وقتنا هذا، وما يظهر كل يوم من جديد فى التقدم العلمى. 
 
2 - رمز الكاتب إلى كل حادثة مشهورة وشخصية معروفة، وأضفى عليها من التصوير ما يحدد معالمها ويدل عليها، وإن لم يكن فى الإطار التاريخى لها، فرمز للإله «بالجبلاوى» والجنة «بحديقة القصر» وآدم «بأدهم» وإبليس «بإدريس» وموسى «بجبل» وعيسى «برفاعة» ومحمد «بقاسم».. إلى آخر الرموز التى استخدمها فى تصوير الأحداث.
 
3 - أخطأ توفيق الكاتب فى تناوله للإله والرسل، فبالنسبة للإله، جسد الإله ونعته بصفات مقذعة سواء على لسان إبليس أو قدرى الابن العاصى من ولدى آدم أو الفتوات، وفى بعض الأحيان على لسان الرسل، والبعض الآخر عند تصويره هو لبعض المواقف، وصفه على لسان إبليس بأنه قاطع طريق فى القديم، وعربيد أثيم فى المستقبل، ووصف تقاليد أسرته بالسخف والجبن المهين، وأنه يغير ويبدل فى كتابه كيف شاء له الغضب والفشل، ووصفه على لسان قدرى ابن آدم لعنة من لعنات الدهر، وأنه البلطجى الأكبر ووصفه على لسان أحد الفتوات بأنه ميت، أو فى حكم الميت، ووصفه على لسان ناظر الوقف بأنه قعيد حجرته، ولا يفتح بابه إلا عندما تحمل إليه حوائجه، ووصفه على لسان أحد تلاميذ عيسى بأنه عاجز وأنه لو كان فى قوته الأولى لسارت الأمور كما يشاء، ووصفه على لسان عرفة رمز العلم بأنه نائم غير دار بجريمته، ثم يختم قصة الرسالات بموت الجبلاوى.
 
بالنسبة للرسل، صورهم جميعا فى صورة من يرتاد الغرز، ويتعاطى المخدرات.. عيسى وصفه على لسان أحد الفتوات بأنه خنثى، ويصوره على لسان نفسه وتلاميذه بأنه سكير حشاش، وبالنسبة لمحمد المرموز إليه بقاسم، وصفه بارتياد القهاوى وتعاطى الجوزة والشراب، وأنه مولع بالنساء، يترصدهن بالخلاء عند المغيب، وينتهى الكاتب من قصته إلى أن التقدم العلمى وتطوره بهذه الصورة إرهاص بانقراض الرسالات وانقضاء أثرها، وأن ذلك أثر من آثار شيخوخة الإله ثم موته. يذكر التقرير: لا يخفف من واقع هذه المؤاخذات أن ما قدمه الكاتب من حيث هو– بعيدا عن المعقتدات والمقدسات –عمل فنى ممتاز، وكان فى مقدوره أن يخرج عمله الفنى بعيدا عن هذا السقوط، لهذا أوصى بعدم نشر القصة مطبوعة أومسموعة أومرئية.
 
يطرح«شعير» سؤالا: لماذا صدر هذا التقرير فى ذلك التوقيت؟ يعترف بأن ليس لديه إجابة لكنه يستنتج أن الطبعة البيروتية تسربت إلى القاهرة، وخشى مجمع البحوث أن يطلب البعض توزيعها فى مصر، فاستبق المجمع بذلك التقرير، وينقل «شعير» عن محمد جبريل من كتابه «صداقة بين جيلين» أن نسخا من الرواية تسربت بعد صدروها فى بيروت، فاتصل وزير الإعلام محمد فائق بنجيب محفوظ، وأبلغه أن قرار حظر النشر لا يزال قائما، ولا داعى لتوزيع الرواية فى مصر. 
 
يؤكد «شعير» أنه اتصل بفايق ليسأله، فابتسم وقال: أنا الذى أعطى تعليمات بتحويل الراوية إلى مسلسل إذاعى.. أذيع فى عام 1970 بالاسم ذاته فى إذاعة «صوت العرب» من إخراج حسين أبوالمكارم، وسيناريو عبدالرحمن فهمى، وبطولة سميحة أيوب وعبدالله غيث، وعبدالرحمن أبوزهرة، وتوفيق الدقن، وكريمة مختار، ومحمد رضا، ومر بدون أن يعترض أحد، يؤكد شعير أنه سأل فائق: هل حصلت على موافقة عبد الناصر قبل إذاعة المسلسل؟.. أجاب:«لا..الرئيس لم يكن ليعترض».