اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 06:25 م

النيل للكبريت ومحافظة الإسكندرية وطريق المحمودية

الإسكندرية تخنق شركات الدولة.. المحافظ الأسبق يضاعف محنة "النيل للكبريت" الممتدة 18 سنة.. قرار منذ 2017 يحبس الأراضى ويعطل التنمية فى نطاق محور المحمودية.. و56 ألف متر تساوى 20 ضعف المديونية "تحت حصار مفتوح"

الإثنين، 16 مارس 2020 02:09 م

26 مليون متر أراض لدى قطاع الأعمال العام تعانى من بطء الإجراءات وتشدد الوزارات والمحافظينشركة النيل للكبريت تحت التصفية منذ مطلع الألفية والديون 100 مليون جنيه مستمرة فى الزيادةمحافظة الإسكندرية تضحى بنحو 300 مليون جنيه نسبتها عن تغيير تخصيص أرض الشركة500 فدان محبوسة بموجب قرار محمد سلطان قبل 3 سنوات.. والقيمة التقديرية 80 مليار جنيه

 

نحو ثمانى عشرة سنة مرت منذ اتخاذ قرار بتصفية شركة النيل للكبريت، وحتى قبل 4 سنوات كانت مديونيتها الإجمالية 100 مليون جنيه، بينما لا تتجاوز قيمة المصانع وخطوط الإنتاجية 10% من هذا الرقم، بسبب تقادم الشركة وانعدام قيمة الماكينات. فى المقابل فإن الشركة تملك أصولا بأضعاف تلك الديون، لكن المشكلة أنها محبوسة بأمر محافظ الإسكندرية.

 

خلاصة الأمر، أن شركة النيل للكبريت تعانى منذ مطلع الألفية، وخروجا من الأزمة الممتدة وتراجع الجدوى التشغيلية وعوائد الإنتاج والمبيعات، استقر قطاع الأعمال العام والشركة القابضة للكيماويات على تصفية الشركة منذ العام 2002 تقريبا، وحتى الآن ما تزال الشركة تحت التصفية دون تقدم فى الملف، بينما تنمو ديونها بدفع مُعدلات الفائدة وتأخر السداد، والأكثر إثارة واستغرابا أن المحنة يُعزّزها عجز الشركة عن الاستفادة بأصولها، خاصة نحو 14 فدانا من الأرض فى إحدى أكثر مناطق الإسكندرية طلبا على الاستثمار والتنمية حاليا "نطاق محور المحمودية".

 

 

محافظ الإسكندرية يُعطل التنمية
 

خلال فعاليات الدورة الرابعة للمؤتمر الوطنى للشباب بالإسكندرية، أواخر يوليو 2017، وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنهاء الدراسات اللازمة لتنفيذ محور المحمودية، وانطلاق الأعمال وفق مخطط زمنى عاجل. فى الشهر التالى بدأت الخطوات التنفيذية الفعلية، وبالتزامن معها أصدر محافظ الإسكندرية الأسبق، الدكتور محمد سلطان، قرارا بحظر التصرف فى تلك الأراضى، أو بحسب نص القرار "وقف التعامل على إصدار تراخيص البناء فى نطاق مسطح ترعة المحمودية، ووقف التعامل عليها أيا كانت جهة الولاية أو الملكية".

قرار المحافظ الصادر منذ نحو 3 سنوات طال مليونين و117 ألفا و239 مترا مربعا (504 أفدنة) على مسار الترعة، قُدّرت وقتها بـ43 مليار جنيه تقريبا، وفق نتائج الحصر الذى أعدته المحافظة وأعلنه "سلطان" نفسه. ورغم أن القرار كان مفهوما وقتها من جانب تثبيت الأوضاع، وتهيئة بيئة تنفيذية مُستقرة للمشروع، وضمان توافر الأراضى اللازمة للأعمال الإنشائية وعدم استعار المضاربة على المساحات المتاحة بالمنطقة، إلا أن عدم تقييده بمدى زمنى كان غريبا، واستمراره حتى الآن أكثر غرابة، ليس من ناحية ما قاد إليه الأمر من "تسقيع" لتلك المساحات فقط، وإنما ما تسبب فيه من تعطيل للتنمية بالمنطقة، وتضخيم لمشكلات بعض الشركات، وفى مقدمتها شركات الدولة، وبالأخص "النيل للكبريت" التى تحتضر، ويبدو أن المحافظة قررت أن تدفنها فى أرضها!

 

 

"قطاع الأعمال" تستغيث بالدولة
 

خلال يونيو الماضى رفعت وزارة قطاع الأعمال العام طلبا إلى مجلس الوزراء، لاستثناء أرض شركة النيل للكبريت بنطاق محور المحمودية من قرار حظر التصرف، لافتة إلى أنها "بدأت مفاوضات مع مستثمرين منذ سنتين للدخول فى شراكة، إلى جانب التفاوض مع بنك الاستثمار القومى باعتباره طرفا أساسيا فى الأمر نظرا لمستحقاته المتأخرة على الشركة، ووصلت المفاوضات إلى مراحل حاسمة حتى صدر القرار، الذى تسبب فى وقف المفاوضات، وتراجع المستثمرين وبنك الاستثمار عن المتفق عليه حتى عودة الوضع إلى ما كان عليه قبل قرار الحظر".

بحسب جمعية عمومية سابقة للشركة خلال يونيو 2018، جرى تقييم الأرض البالغة 56 ألف متر مربع بمنطقة محرم بك بمتوسط أقل قليلا من 10 آلاف جنيه للمتر، وبإجمالى 500 مليون جنيه. وفى المقابل نظمت الشركة الشرقية للدخان "إيسترن كومبانى" مزايدة لبيع قطعة أرض خلال الأسابيع الماضية، أسفرت نتائجها عن تسجيل متر الأرض فى نطاق قريب من مشروع "صوارى" 35 ألفا و160 جنيها، ما يُشير إلى مستويات التسعير المتوقعة الآن على أطراف الإسكندرية وفى إطار محور المحمودية.

حتى الآن لا معلومة عن إلغاء قرار الحظر أو تعليقه، بينما يتداول عاملون فى القطاع العقارى أخبارا عن إبرام اتفاقات وتحرير عقود ابتدائية بين شركات ومالكين فى المنطقة لحين زوال العائق، ما يعنى أن القيمة الفعلية للأرض قد تقفز إلى 40 ألف جنيه للمتر أو أكثر مع انتظام العمل بصورة قانونية. لكن يظل المشهد مثيرا للتساؤل بشأن تلك الأنباء غير المؤكدة، وموقف قرار الحظر الآن، وسرّ خنق تلك المساحة الشاسعة وتعطيل خطط تنميتها، مع ما يترتب على ذلك من مشكلات لشركات ورؤوس أموال مملوكة للدولة، وتعيش حالة من النزيف المفتوح!

 

 

ثروة الدولة المُعطلة
 

آخر المعلومات الموثقة بشأن محور المحمودية، ما أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسى من تكليفات على هامش افتتاحه مشروع الصوب الزراعية بقاعدة محمد نجيب العسكرية، أغسطس الماضى، إذ وجّه الرئيس بإنجاز ما تبقى من أعمال محور المحمودية وتشغيله خلال شهرين. ربما فى ضوء تلك التكليفات تصاعدت حالة التفاؤل بشأن قرب تعليق قرار الحظر، وجاءت مزايدة الشركة الشرقية، أو بيع شركة "سبنالكس" نحو 20 ألف متر مربع فى منطقة قريبة، ما عزز التوقعات بشأن انتعاش سوق العقارات والأراضى فى الإسكندرية، فى الوقت الذى تعانى فيه شركات الدولة من خنق حركتها فى المنطقة، وتعطيل ثروات ضخمة يُمكن أن تقودها إلى تجاوز العثرات وإعادة هيكلة قطاع الأعمال ومديونياته الضخمة.

فى حوار مع "اليوم السابع" قبل أيام، قال وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق، إن الوزارة وشركاتها تملك أكثر من 26 مليون متر مربع (6 آلاف و190 فدانا) جاهزة للاستثمار، تتراوح قيمتها بين 3 آلاف و40 ألف جنيه للمتر، بينما يُعانى كثير منها تعطيلا إجرائيا وروتينيا بسبب استصدار شهادات الصلاحية لتغيير النشاط، أو تشدد بعض المحافظات فى الرسوم والنسب المُحصّلة عن التغيير.

وفق حسابات الوزير فإن أراضى قطاع الأعمال تساوى 78 مليار جنيه بالحد الأدنى لسعر المتر، ربما تتضاعف عدة مرات بحسب فروق التسعير بين المحافظات والمناطق، فى الوقت الذى لا تتجاوز فيه مديونية القطاع 45 مليار جنيه لصالح بنك الاستثمار والتأمينات والبنوك التجارية وعدد من الوزارات الخدمية، فضلا عن خطط تطوير قائمة بنحو 25 مليار جنيه لعدد من القطاعات (منها قطاع الغزل والنسيج بـ21 مليارا). وتلك الوضعية القائمة مع الوزارة وشركاتها القابضة والتابعة، تشبه بالضبط ما تعانيه النيل للكبريت فى الإسكندرية!

الصورة المُصغرة لأوضاع قطاع الأعمال تبدو أكثر وضوحا فى شركة النيل للكبريت، فبينما لم تتجاوز قيمة المصانع وخطوط الإنتاج عدة ملايين، تجاوزت مديونية الشركة 100 مليون جنيه بفروق واسعة. إذ بلغ إجمالى القروض بحسب بيانات رسمية للشركة 134.8 مليون جنيه، والفوائد 36 مليونا لأحد البنوك، إضافة إلى 52 مليون جنيه للشركة القابضة للصناعات الكيماوية. وبعيدا من تلك الأرقام المُكبّلة للشركة التى تستمر حساباتها السنوية متصاعدة الخسارة مع تعطل التصفية قرابة عشرين سنة، فإن قيمة قطعة أرض واحدة مملوكة لها 500 مليون جنيه بحسب أسعار العام 2017، يُمكن أن تصل الآن إلى ما بين 1.5 مليار ومليارى جنيه وفق أسعار السوق وحجم الطلب المرتفع، لكن المشكلة أن محافظة الإسكندرية تقرر تجفيف تلك الفرصة الاستثمارية والتنموية، وتعويق محاولات إقالة الشركة من عثرتها، بدون سبب مُعلن أو مصلحة مفهومة!

 

محور المحمودية يبنى ولا يُعطّل
 

من غير المفهوم بالمرة اتخاذ خطوة تنموية سببا وذريعة لتعطيل التنمية، أو تضخيم المشكلات. عندما قررت الدولة تنفيذ محور المحمودية كانت تسعى إلى تطوير المنطقة، واستغلال إمكاناتها، وابتكار شريان مرورى حيوى يُعيد اكتشاف تلك الأحوزة ودمجها فى مسارات التنمية بشكل أكثر فاعلية. فى البداية كان مفهوما أن تُقرر محافظة الإسكندرية وقف التعامل على أراضى المنطقة لحين انتهاء الدراسات ومعرفة مسار المحور والمساحات المطلوبة لتنفيذه، والآن بعدما اقتربت الأعمال من الانتهاء وتستعد الدولة لافتتاح المحور وتشغيله، من غير المنطقى أن يظل القرار السالب حجرا يُعرقل التنمية، ويجثم على أنفاس شركات الدولة!

القرار الذى أصدره المحافظ الأسبق، الدكتور محمد سلطان، لم يخضع للمُراجعة منذ إصداره. الدليل أن اثنين من المحافظين تبعوه فى المنصب، السابق الدكتور عبد العزيز قنصوة والحالى اللواء محمد الشريف، لم يتناول أحدهما القرار من قريب أو بعيد، ولم يتحدث عن علّته، أو موعد النظر فيه، أو النقطة التى يُمكن عندها انتفاء أسبابه والعودة عن تلك الطريق الاستثنائية.  

يمتد محور المحمودية 21.6 كيلو متر، جرت زيادتها كيلو مترين من الشرق للربط مع الطريق الدولى الساحلى. وعلى امتداد تلك المسافة تتوزع الأراضى الصالحة للاستثمار على الجانبين، بينما يتصاعد الطلب على العقارات السكنية والإدارية والتجارية، وتنشط شركات الاستثمار العقارى الكبرى بحثا عن الفرص المتاحة فى المنطقة الواعدة، وأمام توافر التدفقات الاستثمارية المطلوبة، وحجم الطلب القائم فعليا على الوحدات، يبدو تعطيل العمل فى نطاق المحور، وحبس تلك الأراضى الشاسعة وما تنطوى عليه من فرص، أمرا غريبا من جانب المحافظة، وكأنه تجاوز لخطط الدولة وأهدافها الاستراتيجية على صعيد التنمية!

الآن تنزف "النيل للكبريت"، كما تنزف عديد من شركات قطاع الأعمال العام بفعل سنوات طويلة من الخسارة وسوء الإدارة، فى الوقت الذى تملك فيه أصولا وفرصا تنموية تكفى لإقالتها من العثرة، ووضعها على مسار الهيكلة والتحديث، أو على الأقل سدّ الحفرة العميقة بالغة الظُلمة التى تبتلع مزيدا من الأموال وتتسبب فى تراكم الديون وتصاعد فوائدها. 26 مليون متر مربع لدى قطاع الأعمال تكفى لإعادة بناء القطاع، و56 ألف متر لدى "النيل للكبريت" تكفى لوقف تهدّم الشركة أو تقليص آثار تصفيتها الممتدة منذ 18 سنة، لكن يظل الأمر مرهونا بالإجراءات التنفيذية غير المُبررة أحيانا، كما يحدث الآن فى محافظة الإسكندرية، التى تحبس مئات الآلاف من الأمتار فى نطاق محور المحمودية، وتضغط على مؤشرات الاستثمار بالمنطقة، وتزيد تعطش السوق واحتمالات المضاربة المستقبلية على الأسعار، وكل ذلك بدون مُبرر أو سبب مفهوم للأسف!