اغلق القائمة

الثلاثاء 2024-04-30

القاهره 10:43 م

أمير المصري

علي الكشوطي يكتب: عن الخراف والديك والعصفور وتابوت أمير المصري

الجمعة، 11 ديسمبر 2020 07:04 م

"عصفور طل من الشباك وقال لى يا نونو خبينى عندك خبينى دخلك يا نونو خبينى عندك خبينى دخلك يا نونو، قلت له إنت من وين قال لى من حدود السما، قلت له جاى من وين قال لى من بيت الجيران، قلت له خايف من مين قال لى من القفص هربان، قلت له ريشاتك وين قلى فرفطها الزمان".. تلك هى كلمات أغنية الموسيقار مارسيل خليفة زعيم أهل التّيه.. وسفير الأرواح الشاردة لجنة الحالمين، لم يكن اختيار المخرج بن شاروك مخرج فيلم limbo للأغنية من باب مغازلة عشاقها أو ليضفى لمحة عربية على فيلم بريطانى يناقش قضية اللاجئين السورين، لكن لأن أى لاجئ سورى أو من أى بلد أخرى لم ليترك بلده لاجئ لبيت من بيوت الجيران إلا لأن "ريشاته فرفطها" الزمان أو لأنه من القفص هربان ويريد أن "يتخبي" عند "نونو".

المعانى التى تحملها الأغنية تتسق اتساقا وثيقا مع ما يريد تقديمه المخرج بين شاروك فى فيلم limbo، فاللاجئ لا يريد أن يأخذ مكان أى مواطن بريطانى أو سويدى أو ألمانى، فلن يضحى أى لاجئ بحياته ليسافر لبلد لا يعرف فيها أحد ولا يعرف ما الذى سيواجه ليصل أصلا إلى تلك الوجه إلا لسبب وجيه والجميع يعرف حال البلدان التى تحول أهلها إلى لاجئين فى كل دول العالم، وربما تلك الرسالة هى الرسالة الأولى التى يريد طرحها المخرج.

المميز فى فيلم limbo هو ذكاء المخرج فى طرحه للقضية وطريقة السرد، وإدخال المشاهد فى الفيلم وكأن المشاهد يعيش داخل الأحداث يشعر ببرودة الطقس، وبحالة الممل التى يعانى منها اللاجئون انتظارا لقرار قبولهم كلاجئين أو لا.

اختار شاروك فريق عمل متميز جعل الفيلم بانوراما لرحلة اللاجئين وما يعانوه من مصاعب، مستخدما خط الكوميديا السوداء للتخفيف من تأثير الواقع المؤلم الذى يعيش فيه هؤلاء البنى آدمين العالقين فى جزيرة يحيطها البحر من كل مكان.

قدم شاروك العديد من الرموز ففى يوم شديد البرودة والثلوج تتساقط يطلب من بطل الفيلم "عمر" ويجسده الممثل أمير المصرى مساعدة أحد المواطنين على تلك الجزيرة فى إنقاذ خرافه ممن انقلب الطقس عليهم فجأة وهم يرعون فى البرارى، ليخرج "عمر" وصاحب الخراف فى طقس شديدة القسوة والبرودة للبحث عن الخراف، فى الوقت الذى تترك بلدانا العربية أولادها لاجئين فى دول الغرب دون السؤال أين وكيف يعيش هؤلاء المواطنين، المشهد جاء كربط ذكى جدا من السيناريو الذى يؤكد أن اللاجئين بالنسبة لبلدانهم ربما لا يرتقون لمنزلة الخراف فلا يبحث عن أحد ويتركون لمصيرهم.

من ذكاء الفيلم ومخرجه هو أن بطل الفيلم "عمر" اللاجئ السورى، هو بالأساس عازف عود وكان له مستقبل كبير فى سوريا قبل أن "يفرفط" الزمان ريشه فيضطر للجوء إلى دولة أخرى، وهو ما جعل مخرج الفيلم يظهر حالة الترابط بين عمر وحقيبة العود التى يحملها، وهى الحقيبة التى صممت على شكل تابوت، يحمله أمير المصرى "عمر" أينما كان أو ذهب، وهو من المشاهد شديدة الذكاء، فاللاجئ مشروع "جثة" إلا فيما ندر، وهو ما أكده الفيلم عندما فقد "عمر" زميله اللاجئ والذى تجمد من البرد، ومن بين أيضا المشاهد الذكية تلك المشاهد التى جمعت "فرهاد" اللاجئ الأفغانى بالفيلم بـ"الديك" الذى تحصل عليه من أحد عشش الفراخ على الجزيرة ليصطحبه للعيش بجواره وتعويض نفسه بالشعور بالحب حتى ولو من "ديك" ليقدم "فرهاد" مجموعة من أجمل المشاهد تلك التى تجمعه بـ"الديك" والذى يشعره بأهميته كانسان ويؤنسه فى أوقات الملل.

اعتمد شاروك على الطبيعة بقسوتها وحلاوتها فى تصوير الفيلم فالعمل أغلبه مشاهد خارجية لهذا الكون الفسيح على الجزيرة والذى يضيق باللاجئين إليه.

الممثل أمير المصرى "عمر" كان قبل سنوات "عود أخضر"، لكن تراكم الخبرات جعلت عوده يشتد وأصبح جذوره ثابتة فى الأرض ليحقق النجاحات، وذلك ليس من باب دعم المصريين فى السينما العالمية، وإنما لأن أمير قدم دور العمر فى هذا الفيلم، استطاع بن شاروك المخرج أن يضعه فى المكانة التى يستحقها ويمنحه المساحة التى يستطيع من خلالها أن يبرز قدراته التمثيلية، لينقل للمشاهد مشاعر واحاسيس "عمر" بسلاسة وبأداء موزون إلى أن يعيد إحياء روحه وينفض الغبار عن عوده ويعزف مقطوعاته بغضب بما يتناسب مع المشاعر التى يكتمها طوال الفيلم داخل صدره، ليقدم أجمل مشاهده وهو يعزف على العود وكأنه يرسم لوحة بديعة.