اغلق القائمة

الإثنين 2024-04-29

القاهره 06:47 ص

علاء عبد الهادى

أحاديث الإفك

الأحد، 29 سبتمبر 2019 03:26 م

فى عمر الأوطان هناك أيام، بل ربما ساعات فاصلة.

يكون فيها الجميع على المحك، وبقدر البصيرة التى يتحلى بها أبناء هذا  الوطن، وتمتعهم بالوعي والإدراك لكل الظروف المحيطة، بقدر نجاة سفينة هذا الوطن، والخروج من الأنواء العاصفة ربما أكثر تماسكا وتلاحما، إدراكا بأهمية هذا التلاحم باعتباره ضرورة حياة ونجاة للجميع عندما تضرب العواصف السفينة.

أدخل فى الموضوع مباشرة وأقول أن مصر على المحك من جديد: كانت على المحك مع ثورة يناير2011 التى كانت علاجا خاطئا نجم عن تشخيص خاطئ  لأوضاع مصر، ونجانا الله بفضل الجيش، الذى هو هبة الله لهذا الشعب، من مصير سارت إليه تقريبا كل دول المنطقة العربية، وكانت على المحك مرة أخرى عندما تم اختطاف الدولة بفعل جماعة ارهابية محظورة ، اتخذت من الدين ستارا خدعت به بعض البسطاء لفترة ، ولولا الجيش مرة أخرى ، وتحديدا ، أحد أنجب أبنائه ، وهو الرئيس عبد الفتاح السيسى ، لضاعت مصر بلا رجعة ، ولكانت الى يومنا هذا مطية ومجرد أداة تنفذ ما يملى عليها من قبل " الباب العالى " الذى يسكنه أردوغان.

 

تسلم الرئيس مصر وهى "على البلاطة" جريحة، تنزف، اقتصادها متداع، بلا خدمات أو مرافق، بلا سياحة تذكر، بلا صناعة، وبلا مقومات تليق بدولة تطمح أن تكونن فى المقدمة، وبما يليق بمصر.. قدم الرجل كشف حساب ، ولم يدع أنه يمسك عصا سحرية ، كل ما كان يملكه هو ارادة المصريين التى جاءت به، وحلم أفضل ببكرة، وامكانيات هذا البلد، وراح يبنى ويعمر، ويعيد علاقات مصر الخارجية ، ويعيد بناء الجبهة الداخلية، ويعيد بناء الإنسان المصرى بتعليم وبصحة، وراح يجوب الدنيا يحث المستثمرين على الإستثمار فى مصر، راح يبث الحلم فى نفوس المصريين الذين كادوا ييأسون ، سعى لتكريم أبنائنا فى العشوئيات، و.. ، و... وغير ذلك من مئات بل ربما آلاف المشروعات التى تدخل الخدمة ليل نهار، وكل يوم تتحسن المؤشرات الاقتصادية، ومعها أحوال المواطن، وبدأنا نرى لأول مرة ضوءا فى نهاية النفق .. لم يقل الرئيس يوما أننا خرجنا تماما من النفق، لم يدع يوما أن الدنيا أصبحت وردية، قال ويقول عشرات المرات، إن الطريق لازال طويلا، نعم بدأنا تجرع علاج الإصلاح الإقتصادى المر عن طيب خاطر، وبدأت المؤشرات تقول إن المريض عرف أخيرا طريق العلاج السليم، وأنه فى يوم قريب سيكتمل شفاؤه.

 

ولكن هل الدنيا وردية ؟ الإجابة قولا واحدا: لا، ولم يقل السيسى، ولم تقل حكومة مدبولى ذلك، الواقع يمتلئ بمعاناة تراكمات سنين، ومسكنات أضرت بالمريض، ولم تشفه يوما بل أدت مع الأيام الى تفاقم حالته، وكادت أن تكون مستعصية على العلاج، حتى جاء السيسى عاشق التحدى، ليراهن على وعى المصريين، ويستنفر الهمم، ويزرع الأمل، لتدور العجلة من جديد، ويبدأ الصدأ المتكلس فى الذوبان شيئا فشيء. ولكن هل كان من المتصور أن يترك السيسى ليكمل مشروعه  ؟ وهل يترك عود مصر ليستقيم ويعتدل من جديد؟ بالطبع لا، عملاء وخونة، وإرهابيون، تحركهم أجهزة استخبارات راحت تبحث عن اى شىء يفت فى عضد الدولة المصرية، حاولوا بدل المرة ألفا،  بسلاح الإرهاب ولكننا انتصرنا ، حاولوا بالحصار الاقتصادى، ولكننا صنعنا المعجزة بشهادة الهيئات الدولية ، وبدأ الإقتصاد يتحسن، ولكنهم نفدوا هذه المرة من خلال شخص الرئيس بترويج أحاديث الإفك عن شخصه وأسرته، مستخدمين كل ما أتوا من أموال، وفضائيات، وكتائب على وسائل التواصل الاجتماعى، استهدفوا المواطن البسيط الذى لا زال يعانى، وخاطبوا المؤلفة قلوبهم، ودغدغوا مشاعربعض الشباب الأرعن الجامح قليل الخبرة، ولعبوا على أوتارالمشاكل المتراكمة الموروثة ، وصنعوا هذه  المرة أرجوزا يلهب المشاعر، فشل أن يكون ممثلا على شاشة السينما ولكنه نجح فى عروض "الإستربتيز" السياسى الذى لاقى قبول البعض ، تماما كما لبائعات الهوى من زبائن .

لا تهدم ما بنيت، لا تعطى دماغك لأخر يلعب ويعبث بها، شاهد بعينك ماذا حدث في مصر خلال آخر خمس سنوات، ألم تسافر على أحد الطرق الجديدة؟ ألم يعمل ابنك فى احدى المدن الجديدة أو يشارك فى بناء العاصمة الإدارية، أو العالمين الجديدة؟ هل تتذكر أخر مرة انقط فيها التيار الكهربائى لعدة ساعات؟ هل استوقفك قطاع طرق ليلا وأنت عائد إلى بيتك؟ اسأل نفسك، وقارن بين ما كنا فيه، وما كنا ذاهبين لا محالة إليه، وبين الوضع الآن.. أكرر أننى أعانى مثلك وربما أكثر، ولكنى أتحمل عن طيب خاطر نصيبى من فاتورة اصلاح تأخر كثيرا ولكن الفارق بينى وبين بعض المضحوك عليهم، أننى أتشمم رائحة غد أفضل، وأكاد أمسك بتلابيب مستقبل افضل لأولادى ولأحفادى إذا لم يكن لى نصيب.

 

بالتأكيد الأمر يحتاج إلى مراجعات، والمراجعات ظاهرة صحية وربما ضرورية، نعيد فيها التأكيد على الثوابت، وعلى ما نجحنا فيه، ونراجع ما فشلنا فيه أو لم نحقق فيه النجاح المرجو، فالكمال لله وحده، وهذا عامل قوة لا ضعف، الأمور كشفت عن حاجة إلى مزيد من الهواء ينعش الرئة، ويجلى الصدور، وتستنير معه العقول، وتعرف أين نقف اليوم وأين سنكون غدا.